نهر البارد ـ نزيه الصديق طرابلس ـ عبد الكافي الصمد

استمرت أجواء الهدوء الحذر والاشتباكات المتقطعة مسيطرة على مخيم نهر البارد، وتزامنت مع عيد الجيش اللبناني الـ 62 الذي أحرز تقدماً لافتاً، أمس، في وجه مسلحي تنظيم فتح الإسلام، وسيطرته على عدد من المواقع والمراكز التابعة لهم، بعدما أوقع في صفوفهم عدداً من القتلى والجرحى، في مقابل سقوط شهيدين له. ونعت قيادة الجيش ـــ مديرية التوجيه، العريف الشهيد محمد غازي معين، الذي استشهد أثناء قيامه بواجبه العسكري في مهمة الحفاظ على الأمن والاستقرار في منطقة الشمال، من بلدة عزقى ـــ الضنية. وقد شيع أمس عقب صلاة العصر، ثم ووري في ثرى جبانة الشيخ عبس في البلدة المذكورة.
وبعد ليل كان شبه هادئ، تجددت الاشتباكات على المحور الشمالي من المربع الأمني الذي يتحصن فيه المسلحون داخل المخيم القديم، ودارت معارك عنيفة جنوب مبنى التعاونية وفي محيط حي سعسع، استخدمت فيها القذائف المدفعية والصاروخية والطلقات الرشاشة، إلى جانب طلقات القنص التي استخدمت بغزارة.
فعلى المحور الغربي، تقدمت وحدات من فوج المجوقل على الجبهة البحرية، تساندها مروحيات الجيش التي حلقت على علو منخفض فوق المخيم. وعلى المحور الشمالي، أحرز الجيش تقدماً هاماً وتمكن من قتل أربعة عناصر من المسلحين، في معركة عنيفة استخدمت فيها جميع أنواع الأسلحة، وهو ما أدى إلى اشتعال جبهة ناجي العلي ـــ التعاونية ومستوصف الشفاء أكثر من مرة، وتحديداً بعدما استهدف الجيش نقاط تمركز القناصة بقصف مركز وعنيف أدى إلى تدمير عدد منها.
أما عند المحورين الجنوبي والشرقي، فقد دارت اشتباكات متقطعة بالأسلحة الخفيفة والمتوسطة، وتعرضت مواقع المسلحين في أحياء سعسع وجامعي الحاووظ والشيخ علي لقصف عنيف من مرابض مدفعية الجيش.
وترافق اشتداد المعارك في فترة قبل الظهر مع وقوع انفجارات شديدة في عمق المخيم، اندلعت بعدها النيران في بعض الأبنية والمواقع، قبل أن تخيم سحب الدخان الأسود فوق سماء المخيم.
وفي موازاة ترافق معارك أمس مع مناسبة عيد الجيش، تواصلت التعزيزات العسكرية بالآليات والعناصر والعتاد في محيط المخيم، في إجراء وصف بأنه تمهيد لهجوم جديد ينتظر أن يشنه الجيش في الساعات المقبلة على مواقع المسلحين. وبرز أمس تحليق الطيران الحربي الإسرائيلي مجدداً فوق مخيم نهر البارد ومناطق عكار والمنية قبل ظهر أمس على علو منخفض.
وفي طرابلس، جدد ناشطون أجانب في مجال حقوق الإنسان والدفاع عن الحريات المدنية، وينتمون إلى جنسيات إيرلندية وبريطانية وكندية، تحركاتهم واعتصاماتهم الاحتجاجية، من أجل المطالبة بإجلاء نساء وأطفال ما يزالون موجودين في مخيم نهر البارد، داعين الجيش اللبناني إلى «التفريق بين المدنيين والعسكريين» في المعارك الدائرة هناك، وإلى «احترام القوانين اللبنانية والدولية».
فتحت شعارات ولافتات رفعت في التحرك، وحملت عناوين «العقاب الجماعي هو جريمة»، و«الأطفال خط أحمر»، و«ما بدنا تهجير ونزوح، عالبارد بدنا نروح، حتى لو بطلوع الروح»، و«ضد المعاقبة الجماعية وحماية ما تبقى من 50 طفلاً في مخيم نهر البارد»، اعتصم الناشطون بعد عصر أمس أمام مكتب وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين في لبنان «الأونروا» في طرابلس. وبعد فترة وجيزة من الانتظار، وإثر مراجعة المسؤولين عن المكتب، تم السماح للناشطين بالاعتصام على مرأى من موظفي المكتب والعناصر الأمنية المولجة حمايته، وعدد من الفضوليين والمارة.
الناشطة الإيرلندية كويفا باترلي من منظمة «أصوات في البرية»، أشارت لـ«الأخبار» إلى أن «معلوماتنا عن المدنيين داخل المخيم مستقاة من الصليب الأحمر الدولي، والهلال الأحمر الفلسطيني، ووفد رابطة علماء فلسطين، لأنه لا يسمح لنا بالدخول لمعرفة أوضاعهم». وأوضحت أنه «ما يزال يوجد داخل المخيم حتى الآن ما بين 45 ـــ 50 طفلاً، و21 ـــ 26 امرأة، ورجل عجوز واحد، وأن هؤلاء يعانون من مشاكل عدة، حيث يعتصرهم الخوف والقلق الشديدين، في ظل القصف المستمر على المخيم».
وإذ أشارت باترلي إلى أن «المسلحين يتحمّلون مسؤولية بقاء هؤلاء المدنيين وسلامتهم في المخيم، وأنهم في أعمالهم هم ضد القانون والجيش»، فإنها شددت على «ضرورة أن يفرّق الجيش بين المدنيين والعسكريين في القتال»، مشيرة إلى أن «ما نقوم به هو رسالة إلى الجيش والمؤسسات الإنسانية والأهلية، من أجل المساعدة في إجلاء هؤلاء النساء والأطفال سريعاً».