فاتن الحاج
عاد 16 طالباً وطالبة من معهد الفنون الجميلة في الجامعة اللبنانية إلى لبنان بعدما شاركوا على مدى أسبوعين في ورش عمل فنية في ألمانيا. تأتي الورش في إطار اتفاقية تعاون مشتركة بين المعهد وكلية التصميم والفنون في جامعة لايبزغ الألمانية. واختيرت الطالبة في فرع الشمال لونا مرعب لتكون سفيرة المعهد في ألمانيا لمدة سنة دراسية كاملة

جمع «حوار فني» طلاب معهد الفنون الجميلة في الجامعة اللبنانية وطلاب جامعة لايبزغ الألمانية في ألمانيا من 14 إلى 28تموز الماضي. وقد اختبر الطلاب اللبنانيون الاحتكاك المباشر بالمحترفات التقنية الألمانية التي كشفت قدراتهم على مقاربة الأفكار الإبداعية وجعلتهم يعيشون مراحل العمل الفني لحظة بلحظة. الطلاب عادوا بانطباعات فنية واجتماعية عن زملائهم الألمان، بعدما توزعوا على ورش أربع تناولت فن التصميم بالحرف، الحفر على الخشب والطباعة الحريرية، التصوير الفوتوغرافي، والوسائل الحديثة، وخضعوا لمحاضرات ورحلات سياحة ثقافيةاختارت ماريانا جرّاس (سنة ثالثة فنون تشكيلية في الفرع الثاني) فن التصميم بالحرف «فطلب منّا أن نرسم بالأحرف «بورتريه» عن الطلاب الألمان وبالعكس، حيث استخدمنا الطباعة بألوان وطرق متعددة. وقد يطال «البورتريه» الشكل أو الشخصية أو تفصيلاً صغيراً في حياة الشخص». وأوضحت ماريانا «أننا عملنا على مشروع مشترك في نهاية الورشة استعملنا فيه تقنية (الكولاج)». إلاّ أنّ ما لفت نظر ماريانا هو المحترفات الطباعية المميزة والمطابع القديمة «غير الموجودة» في لبنان. من جهتها، تحدثت جويللا بجاني (سنة ثالثة غرافيك ديزاين في الفرع الثاني) عن متعة العودة إلى تعلم التقنيات القديمة في الطباعة، و«كيف نتلمّس مراحل العمل بأيدينا، ونشعر بإخراج المادة، فيما لا يتسنى لنا ذلك مع استخدام التقنيات الحديثة». وقالت جويللا: «إنّنا ظلمنا الألمان، فكنا نظن أنّهم ينظرون إلى الشرق نظرة خاطئة، لكننا اكتشفنا أنّهم قادرون على الحوار شرط أن نذهب إليهم، إضافة إلى امتلاكهم قلباً طيباً، وهم مهضومون». يذكر أنّ جويللا شاركت في ورشة الحفر على الخشب والطباعة الحريرية.
في الورشة نفسها، جسّدت اليان توما (سنة ثالثة تصميم فني في الفرع الثاني) في مجموعة رسوم، الحياة الألمانية النشطة والحداثة بعين لبنانية. وتمنت لانا بو مطر (سنة ثانية هندسة داخلية في الفرع الرابع) أن تنتقل التقنيات الحديثة إلى الجامعة اللبنانية، لافتة إلى التقارب بين الثقافتين اللبنانية والألمانية. وأكدت أنّها عملت على التواصل الثقافي بين البلدين عبر قصة فلسفية استخدمت فيها الخط العربي «الذي نستطيع أن نضعه في أي مشروع ويعطي نتائج مميزة»وأشارت لانا إلى «أنّ الألمان اعتقدوا أننا متزمتون وصدموا بانفتاح الطلاب اللبنانيين».
أما جمانة حسونة فانخرطت (سنة رابعة هندسة داخلية في الفرع الأول) ورشة الوسائل الحديثة، موضحة «أنّه أتيحت لنا فرصة اختبار مجال متقدم غير ملحوظ في مناهجنا، فتعرفنا إلى تقنيات جديدة في الإخراج والتصوير والتعامل مع الكاميرا...». لكنّ جمانة تتوقف عند «الجهود التي بذلناها لحث زملائنا الألمان على الكلام والخوض معنا في أي موضوع يريدونه، وخصوصاً أنّهم منعوا من الحديث في السياسة والدين والحرب». وتشير جمانة إلى «أننا فوجئنا بانفتاحهم وتفهمهم لكل الأمور، على عكس ما قيل لنا، وإن كنا نعتقد أننا أكثر جنوناً ولدينا أحلام ملونة وأفق أوسع». ولا تنسى جمانة أن تتحدث عن إعجابها «بالنظام المقدّس» في ألمانيا، «إذ اضطررنا لأن نقف مرات عدة في طوابير طويلة لشراء حاجيات من كافيتريا الجامعة».
وجاد رباع (سنة ثالثة غرافيك ديزاين في الفرع الثالث) آثر هو أيضاً الوسائل الحديثة «حيث تعلمنا تحريك الصور الثابتة، وتثبيت الكاميرا والإضاءة، واكتشفنا أموراً كثيرة لا نستطيع أن نختبرها هنا لغياب التقنيات، وخرجنا بفيلم من 4 دقائق يعكس التواصل بين الشعبين». من جهة ثانية، أشار رباع إلى «أننا تحمسنا لننقل، في حواراتنا، صورة جيدة عن بلدهم، ولا سيما حين سئلنا عما إذا كنا جميعاً ننشد النشيد الوطني اللبناني نفسه، وعن وضع الزواج في لبنان!»وأثنى الأساتذة المشرفون على الأداء المميز الذي قدّمه الطلاب اللبنانيون هناك لجهة الأفكار الإبداعية، فرأت رئيسة قسم الفنون الإعلانية والتواصل البصري في الفرع الثاني الدكتورة ليلى الهبر «أنّ أداء طلابنا كان ممتازاً، فهم يملكون أفقاً واسعاً، لكونهم يتقنون أكثر من لغة ويتفاعلون في لبنان مع أكثر من ثقافة، وبالتالي يستطيعون أن يتأقلموا مع أي موضوع يطرح، من دون أن يشعروا بأنّهم غرباء عنهم». يذكر أنّ الهبر أشرفت على ورشة فن التصميم بالحرف.
من جهتها، تابعت رئيسة قسم الفنون الإعلانية في الفرع الرابع الدكتورة عبير عطروني ورشة الوسائل الحديثة، مشيرة إلى «أننا عملنا على تقنية تحريك الصور الفوتوغرافية لإنتاج فيلم يشبه الفيديو، لكن على صور ثابتة. وأوضحت عطروني أنّ العمل يتضمن جزءين: الأول تقني، والثاني إبداعي، ويهدف إلى الوصول إلى فيلم منطقي يقوم على فكرة متسلسلة. ولفتت إلى «أنّ الطلاب اختبروا مجالاً جديداً فتحمسوا له، وما حصل هو الدمج بين الرؤية المختلفة والمقاربة للفكرة الإبداعية». وكشفت التجربة، بحسب عطروني، «كيف نفكر نحن وكيف يفكر الألمان، بمعنى أنّه قد نكون كلاسيكيين، وقد يكونون متفلتين حيال بعض الموضوعات وبالعكس. لكنّ النتيجة أننا أنتجنا أفلاماً صغيرة عدة صيغت في فيلم من 4 دقائق عرض في نهاية الورشة». والأهم، برأي عطروني، «أننا عملنا على تحريك الأشياء، لا التحريك البشري فقط».
وقالت: «لقد مرّ الطلاب بتجارب مختلفة خلال صياغة الأفلام، وخصوصاً أننا لم نجرّب هذا النوع من العمل».
وحول التصوير الفوتوغرافي، شددت عطروني على «أنّ طلابنا اختبروا تقنيات التصوير وتظهير الصور بالأسود والأبيض، فالتقطوا صوراً على الأرض، وتعلموا تقنيات حديثة في العمل لا تستوعبها مختبراتنا.
وعن تقييم التجربة، رأت أنّ الطلاب واجهوا احتكاكاً مباشراً لخلفيات ومنطق مختلف للفن نفتقده في محترفاتنا، موضحة «أننا اكتشفنا أنّ مستوى طلابنا الإبداعي كبير جداً، ولا ينقصهم سوى التجهيزات والمحترفات التقنية، وهو ما نعمل عليه مع جامعة لايبزغ الألمانية، لنقل خبراتهم إلى الجامعة اللبنانية ومساعدتنا على تعزيز هذا الجانب لدى طلابنا».




التبادل المبتور

وقّع معهد الفنون الجميلة في الجامعة اللبنانية اتفاقية تعاون مشترك مع كلية التصميم والفنون في جامعة لايبزغ الألمانية تقضي بتبادل 16 طالباً وطالبة. فبعدما شارك الطلاب اللبنانيون في ورش عمل فنية في ألمانيا، ينتظر أن يستقبل المعهد 16 طالباً وطالبة من ألمانيا من 7 أيلول وحتى 22 منه. إلاّ أنّ الجامعة الألمانية تخشى على طلابها من المجيء إلى لبنان لمتابعة ورش مماثلة بسبب الأوضاع الأمنية الدقيقة، لذا تقرر، بحسب عميد المعهد الدكتور هاشم الأيوبي، «أن نستقبلهم في جامعة البلقاء في الأردن». وهنا يقول الأيوبي: «نشعر بغصة حيال هذا الأمر الذي هو كمن يجري عرساً لابنه عند جاره».
ويشرح الأيوبي المعايير التي اختير على أساسها الطلاب اللبنانيون، ومنها درجات العلامات وشخصيتهم القيادية، وتميزهم في تمثيل بلادهم.