strong> راجانا حميّة
غابوا في ذكرى انتصارهم على العدوان، وبقيت صورهم تخبر عنهم. رحلوا ذات يوم من أيّام الغضب الإسرائيلي في تمّوز الماضي، تاركين أبناءً وآباءً وأمّهات... وتلامذة أحزنهم ذاك الرحيل المفاجئ قبل تسلّم شهاداتهم وشُكر من ناضل لأجلهم تسعة أشهر ورحل في استراحته. ستّة عشر معلّماً أدّوا واجبهم مرّتين قبل أن يهمّوا برحيل اختاروه، مرّة أولى اطمأنّوا فيها إلى تعليم «أبنائهم»، ومرّة ثانية جاهدوا فيها من أجل وطنهم. رحلوا وبقيت ستّ عشرة صورة تحضنها الورود البيضاء، علّها تعوّض من جاؤوا لأجل تكريمهم، أمس، في قصر الأونيسكو بعضاً من ذاك الرحيل.
رحيلهم المفاجئ تمّوز الماضي لم يلغِ وجودهم من وجدان عائلاتهم وتلامذتهم الذين حضروا في الذكرى السنويّة الأولى لذاك الـ«تمّوز»، وتكريمهم بدعوة من تجمّع المعلّمين في لبنان. وقد حضر احتفال التكريم، إضافة إلى عائلات المعلّمين، نائب الأمين العام لحزب الله الشيخ نعيم قاسم والوزير السابق عبد الرحيم مراد وسفير الجمهوريّة الإسلاميّة محمّد رضا شيباني.
كلّهم حضروا، وهي أيضاً، ولكنّها لم تأتِ لتذرف الدموع على «حبيبها»، فقد حضرت زوجة المعلّم الشهيد محمّد علامي الدين، مريم عطوي (مديرة ثانويّة صور الرسميّة) لتشرح باسم من يشبهها «روعة الانتماء إلى عوائل الشهداء». وقفت أمام صورة زوجها والرفاق، لكنّها «لن تذرف الدموع»، لأنّها حضرت من أجل «التأكيد على أهميّة ثقافة الاستشهاد التي هي ثقافة الحياة»، مريم تعرف جيّداً أنّهم رحلوا، لكنّها تدرك أيضاً أنها لن «تبكيه، فاليوم بدء حياته، وشهادته هي من أجل أن نعيش نحن حياة كريمة وحرّة، بعيداً عن الظلم». أشاحت مريم النظر عن الزوج وتوجّهت إلى «من يحرّفون ثقافة الحياة»، مؤكّدة أنّه «مهما حرّفوها، فلن نحيد عنها وهي ثقافة الحياة وعلينا أن نسعى لأجلها أحياءً... وأمواتاً».
أمّا رئيس تجمع المعلمين في لبنان يوسف زلغوط، فلفت إلى أنّ «الانتصار الذي صنعه المقاومون أدّى إلى إحراج الأنظمة العربية وخيّب آمال من يراهنون على فشل المقاومة».
بدوره، أكّد مراد أنّ «المقاومة العربية والإسلامية قد خرجت لتأخذ قضيّة أمّتها بنفسها، وتدافع عن حقوق الأمّة وكرامتها بنفسها»، معتبراً أنّ وجودها «من أهم العوامل الصحّية في نضالنا العربي المعاصر، وهي دليل حياة لا موت».
أمّا الشيخ قاسم، فقد كان أشدّ رغبة في الحديث عن ذاك الانتصار وشهدائه، أشدّ رغبة أيضاً في إمرار رسائل سياسيّة داخليّة وخارجيّة ليست جديدة، لكنّها «ما تزال سارية المفعول إن كانوا يريدون حماية لبنان». وأكّد «أن ثقافة الموت لن تكون نحن الاستشهاديين، فالشهداء هم أبناء الحياة الذين يشهدون على مدانين فرّطوا وعبثوا بتلك الحياة». وتطرّق إلى انتصار تمّوز الماضي، مؤكّداً «أنّنا سنعمل من أجل أن نبقى ونكون أقوياء ونمكّن أنفسنا لنكون مؤهّلين لأيّة مواجهة أخرى، وما انتصارنا اليوم إلا البداية». وعن الوضع السياسي الداخلي، وجّه قاسم رسالة إلى «السلطة وحلفائها» مفادها أنّ المدخل الحقيقي يكون بإعادة أجواء الثقة وتقييدها بالشراكة المفترضة في ما بيننا، مشيراً إلى أنّ إعادتها يكمن في تأليف حكومة وحدة وطنيّة. ولفت قاسم إلى «أنّ المعارضة تطرح حكومة الوحدة نقطة الانطلاق، وإن كنتم تريدون حماية لبنان فلنعمل معاً».