أنسي الحاج
  • عدوّكَ مَن نَبّهك


  • هنيئاً للمغرور!
    كيف لمَن استيقظ على حجمه الحقيقي أن يَمضي في طريقه؟
    هنيئاً لمَن لا يقع في شكّ نفسه! للمحيط ذاتَه بعمى البخور، والساجدين المصفّقين! أعرفُ شخصاً هكذا، حَمَتْهُ عبادته لنفسه من جميع أنواع الموت. لديه القدرة على استنبات المتعة من أفظع المصائب. روحُه خليطٌ من الوحشيّة والذكاء. أليس هكذا يُصوَّر الآلهة الأقدمون؟ هنيئاً لمَن يعرف أن يُصفّح أعصابه!
    كيف لمَن استيقظ على حجمه، على وضعه الحقيقي، أن يمضي في طريقه؟
    عَدوّكَ مَن نَبّهك.
    قد يكون عدوّك هذا أكثر مَن تحب، أكثر من يُحبّك.
    حاول أن لا تحقد عليه. حاول أن تكون له ممتنّاً، فهو باليمين دمّرك، وباليسار حرّرك من
    قيده.
    وهذا هو الخير في الشرّ.


  • رحمة!


  • بعضهم يموت ليُقال في ابنه: رحم الله أباه!
    أمس كان أحد هؤلاء الأبناء يتحدّث في مجلس خاص عن مواهبه. ترحّمتُ على أبيه من دون معرفة، فمن غير الممكن أن يكون أبوه هذا، كائناً مَن كان، أكذب منه وأكثر ادّعاء.
    حتّى لو كان لا يزال حيّاً ويُرزق، مثل ابنه، «مواهب».
    بعضهم يموت نكاية بابنه وبعضهم يموت ابنه نكاية به.
    الشاطر هو مَن لا يجعلك وجوده تترحّم على أحد.
    والأغلب، الأغلب جدّاً، أنّك مع شخص كهذا ستحتاج إلى مَن يترحّم عليك.


  • مساواة في القسوة


  • في الكتابات العقائديّة يُلاحَظ غياب الرحمة. لا يُستغرب ذلك تحت الأقلام الدينيّة، بحكم طبيعة الانتساب إلى الأقصى، أي الله. المستغرب هو غياب الرحمة، لا بل الشفقة وأدنى مشاعر التعاطف الإنساني، تحت الأقلام الأنتي دينيّة. ما الذي يميّز، عندئذٍ، وحشيّة الملحد أو العلماني عن انغلاقية الديني ووحشيّته؟


  • أجوبة ممكنة


  • الأجوبة الممكنة عن المشكلات الجماعيّة، لا تزال فرديّة. نخْلق عوالم ذاتيّة لاحتمال المآزق والتحوّلات العالميّة، الاقتصاديّة ـــــ الاجتماعيّة والسياسيّة، لاحتمال الفوارق الحضاريّة التي تعمّقها العولمة عوض أن تقلّصها.
    الأجوبة الممكنة فرديّة. هل تفضي يوماً، مع التطوّر التاريخي، إلى حلول إنسانية شاملة؟ ربّما جزئيّاً، وعلى السطح.
    سوف تظل الأجوبة الفرديّة، أو الأصحّ الذاتيّة، عن التغيّرات الخارجيّة الضخمة هي الأرقى، وهي الأكثر صداقة للضائعين.


  • بقايا غضب


  • نموت من السكوت لا من الأمراض. من المداهنة، الرضوخ، العمالة، الخيانة. من إيدز الوجدان والأمانة. السرطان هو أيضاً كبت الصدق، بَلْع الانفعال، تزوير اللسان. نموت من شهادة الزور، من الاستسلام للتفاهة، من إذكاء الغباء، من استمناء المعتقدات. من الافتتان بالدجّال، من الشفقة على صاقل خنجره في الخفاء. نموت من فبركة أعذار للجريمة ومدائح للمجرمين. من تسويغ الجلّادين. من اضطهاد المستضعَف حتّى يستقوي بالحقد ويتولّى إدارة اضطهاد الآخرين. نُفَبْرِك قَتَلَتنا كما فَبْرَكْنا آلهتنا. نعيش من هواء يتضاءل ضيقاً بنا ونموت من الاختناق
    بالكذب.
    وهذه الغَضْبة هي أيضاً فُتاتُ مائدة.


  • الذي ينام

  • «الكائن الذي ينام وحيداً، ينام تُهدهده جميع الكائنات التي يُحبّها، والتي أَحبَّها، والتي سيُحبّها». (جاك بريفير).


  • الفارغ الأصيل


  • الفارغ الذي يعيش فراغه بلا عقدة، تُجَوْهره الأصالة حتى ليبدو فراغه فضيلة. وتتوهّج هذه الفضيلة بانعدام زَيفها مثل بلّور يعكس الشمس.


  • تَصوَّر


  • تَصوَّر شخصاً طفولته جحيم وباقي حياته أسف على ضياع طفولته...
    تَصوَّر أن الحلم يرى فيكَ ما يُحِبّ ولستَ أنت مَن يرى خلاله...
    تَصوَّر أنّ أقوى ما عملتَ كان رد فعل على أكثر مَن كرهتَ...
    تَصوَّر أن ما تفعله حاليّاً وتحسبه تَغيّراً هو مجرد متابعة لما دَرَجْتَ عليه...


  • شريكة البستان


  • العواصف المختارة هي التي لا تَكْنُس الذاكرة بل الغبار الذي يعرقل الذاكرة. لا يُحَبُّ من الهدوء غير الإطار الخارجي الذي يستضيف الهبوب.
    هدوء يؤوي الذئب ويُخفي عن العيون الدخيلة زمجرةَ الرياح وجنون البحر.
    تلك عواصف شريكة لنا في البستان. إنها النار تحت الثلج، في ملاجئ الجليد التي يُرتمى فيها كما يُرتمى في كراسي الاعتراف.


  • مناخات


  • تفرّين من دبْق إلى آخر وكلّ الغصون أقفاص. تَعْلَقين على الغصن وكلّ الأقفاص أبواب للهرب.
    ما يجده رَجُلٌ حارّ في امرأة باردة هو ما تجده امرأة حارّة في رجل بارد. ما يبتعد هنا يقترب هناك. ما يعذّب الواحد في الآخر سيعذّب الآخر في آخر يَزيده.
    جسد الباردة هادئ لا بارد. جسد الباردة طعام لا ينتهي للجسد لأنّه وليمة لا تنتهي للرأس.
    الساخنون يرتمون وَقوداً في أفران المواسم العابرة. وأنتِ، المختبئة مطمئنّة تحت ابتسامتها، ترتسم على جبينكِ آفاق رحّالة لامرئيّين سيظهرون أفواجاً عند انتهاء كلّ حريق.
    سخونةٌ تُجفّف الينابيع وبرودٌ يُفجّرها.


  • المظلّة البيضاء


  • يتراءى الحبّ جميلاً لأنّه فلذة افتداء. هكذا في البداية.
    ولكنْ لا أحد يفتدي أحداً. البكاء جزاء مَن لم يعد يسمع البكاء، وجزاء مَن يَكْرهه.
    البكاء أوّلاً، الذهول ثانياً، الهبوط ثالثاً بالمظلّة العميقة البيضاء.


  • مهما حدّقتَ


  • مهما حدّقتَ لن ترى ذلك الكائن المقيم فيك.
    هو الذي يحتلّكَ، لا روحك. هو إرثك، لا دم أجدادك.
    صرتَ تعرف أنه هو مَن يتصرّف لا أنتَ. وغداً ربّما أدركتَ أنّه هو أيضاً لا يعرف لماذا يفعل ما تنفّذه أنت...


  • توائم


  • لا فَرْق بين اللغة والعسل إلاّ كون المتكلّم أكثر خطأً من النحلة.
    لا فرق بين الأمس واليوم، فالموج الذي كان تحت مركب الأمس هو نفسه تحت مركب اليوم.
    لا فَرْق بين الغَيْرة والاستبداد إلاّ أهميّة الجسد للأولى وانعدام أهميته للثاني.
    لا فَرْق بين النهار والليل إلاّ عُريكِ.


  • حيرةُ مفتاح


  • إنْ لم يُرْشَد المُغْلَق إلى مفتاحه، مَن منهما ستكون خسارته أشدّ؟
    قلّما يكمل المفتاح سيره إلى عمق أقداس أسراره. وإذا فعل، قد لا يعود منها.