غسان سعود
عــون يدعــو إلــى محــاربة الفســاد فــي صنــاديق الاقــتراع والمــر يعــد بالنــصر

يتقدم المشاركون ببطء. تصل أصواتهم إلى البحر. يتهامس المنظّمون وعناصر الانضباط متبادلين التقديرات في حجم المشاركة. تطل الرايات البرتقالية، تتحرك بخفة فوق رؤوس غطى الشيب معظمها. وبخفّة أيضاً تتحرك زنود النسوة راقصة بصور المرشح كميل خوري. يدبك الرجال. يفترش أهل «بيت الشعب» أوتوسترادات الضبيّة هذه المرة. تعلو «أغنية العونيين»، تكبر حلقات الدبكة، ترسم الأيادي شارات التيار، وتردّد الحناجر «راجع راجع يتعمّر لبنان».
السادسة مساء، تبدو المساحة أضيق من الاتساع لماكينة التيار والطاشناق والنائب المر في المتن. تطلّ الإعلامية مايدة أبو جودة كاشفة أن أهالي المروج والضهور سمعوا صوت العونيين يختلط بصوت البحر.
ثم تحدث المنسق العام للتيار الوطني الحر الدكتور بيار رفول الذي وجّه تحيةً حارة إلى الجيش قبل أن يؤكد أن المعركة حقيقة هي بين الممانعين للتدجين والذين «رضخوا وكتّروا». وهي ليست بين شخصين بل بين نهجين «نهج قريطم وريثاً لعنجر، ونهج الرابية بما يمثله من كرامة وعنفوان». واستعاد رفول رفض الفريق الحاكم إعطاء «التغيير والإصلاح» وزارة العدل سائلاً «من يخاف من هذا الأمر غير السارقين والزعران والمجرمين؟». وقال: «لماذا استُهدف التيار بعد اغتيال بيار، ولم يسأل أحد من أهله ومحبيه بعدُ عن دور «فتح الاسلام» التي ثبت عليها تقريباً الجرم، وباتت علاقتها بأحد قادة الأكثرية معروفة».
بدوره، تحدث بوب عزام باسم أصدقاء داني شمعون و«نمور الأحرار» فردّ بطريقة غير مباشرة على الرئيس الجميل في ما يتعلق بمعارك تل الزعتر. وأكد أن الذين اعتادوا إحناء رقابهم للجزمة 15 سنة وتعاونوا معهم رغم معرفتهم أنهم قاتلو أقربائهم يكملون المسيرة نفسها مع وصيّ جديد، ويريدون من العونيين أن يتشبهوا بهم».
ثم كانت كلمة مختصرة للمرشح خوري أكد فيها «خوض المعركة الانتخاببية وفق برنامج واضح أمام الناس، فيما الطرف الآخر لديه برنامج يجهله الناس لأنه مخفي وراء الكذب الإعلامي والرياء السياسي»، مشدّداً على أن في كل حبة تراب في المتن، «رائحة شهدائنا وجدودنا من مئات السنين». مشيراً إلى أن التيار ليس لحظة عابرة «نحن البارحة واليوم وغداً».
وبعد النشيد الوطني اللبناني، وفيما كانت الهتافات تعلو والحشود تتدافع لتشاهد العماد عون ،أطل فجأة النائب هاغوب بقرادونيان وتبعه حليفاه المر وعون. وألقى بقرادونيان كلمة الطاشناق فأكد سعادته بالوقوف أمام «هذا الحشد المثالي من أحرار بلادي، مع العماد ميشال عون ودولة الرئيس ميشال المر». وتساءل عن سر وجود الحشد الكبير وهذه المحبة العميقة وبهذا العنفوان الشامخ. سائلاً الجمهور «من ضغط عليه ليجتمع هنا، ومن دفع لهم المال ليرفعوا هذه الأعلام ويهتفوا بهذه الصلابة. ومن طلب منهم ومن عائلاتهم رفع الصوت عالياً والحماسة لأجل هذا التحالف؟». وأعلن بقرادونيان أن الأكثرية الساحقة من الأرمن تقف إلى «جانب حزب الطاشناق وحلفائه الكبار لأن الوفاء بمثابة الشرف بالنسبة للأرمن، يملأ دمهم. وهم لا ينسون من مدّ يده إليهم وتحالف معهم لرفع الظلم والتهميش».
وما إن أمسك المر بالمذياع حتى علت هتافات العونيين «أبو الياس.. أبو الياس..» و«عون.. طاشناق.. وأبو الياس» وبدت الجموع كأنها أمام زعيم تعشقه. فتلقّف المر الكرة ولوح للعونيين على طريقتهم، قبل أن يفصّل ما حصل منذ صدور مرسوم دعوة الهيئات الانتخابية وإعلان العماد عون رفضه له لتعديه على صلاحيات رئاسة الجمهورية، خصوصاً أن الرئاسة «مركز مهمّ ويجب عدم تخطّيه». وأكد «أن من يقترع لمرشح التيار يكون رافضاً للتهميش المسيحي». ووضع المر سببين أساسيين للاقتراع لمصلحة خوري، هما رفض تهميش الموقع المسيحي الأول، والرد على رفض الفريق المنافس للتوافق. وأكد أنه وحلفاءه يعرفون جيداً كيف يعدّون لمعركة خلال 48 ساعة. كاشفاً عن لقائه فعاليات المتن خلال الأيام الثلاثة الماضية وشرحه لهم ما يفترض أن يعرفوه. وختم المر بالقول «أرادوها معركة.. فلتكن. وستأتي النتائج مماثلة لعامي 2004 و2005».
ثم أفسح المر المجال للعماد عون داعياً المؤيدين إلى مهرجان آخر يوم الأحد المقبل.
واختُتم المهرجان بكلمة لعون استهلّها كعادته بعبارة «يا شعب لبنان العظيم» وبرقت عيناه مستعيداً لحظات نفيه من لبنان فجر 29 آب 1990 من هذه المنطقة بالذات، آسفاً لأن «قوى 13 تشرين الأول التي نفته كانت وما زالت هي نفسها، الأمر الذي يزيدنا إصراراً على مواجهتها». ووصف عون الفريق الحاكم بطواحين كذب تملأ كل لبنان من أقصاه إلى أقصاه، مؤكداً أنهم «لا يقدمون سوى الكذب والشائعات والبكاء والنحيب، لا يعطون الأمل. يقولون إن لديهم برامج سياسية، فليقولوا لنا ما هي هذه البرامج، وهم في الحكم، كيف يكون لديهم برنامج وهم في الحكم ولا يحققونه؟ ما هذا الكذب؟ يدعمون حكومة عمرها سنتان ولم تنفذ أيّاً من الوعود التي أطلقتها». وقال: «يعدونكم بالمستقبل، إذا أبقينا الآمال معقودة عليهم فسنبقى إلى الأبد نعيش في الأمل، سنعيش مع الجوع على أمل أن نشبع ونموت جائعين، سنعيش مدى العمر على أمل أن نتحرر ونموت عبيداً، سنعيش مدى العمر على أمل أن ننعم بالكرامة يوماً ما ونبقى محتقَرين». وخاطب عون جمهوره مباشرة مذكّراً بوعده لهم يوم وعد بالتحرر من الإقطاع السياسي والمذهبية المتعصبة والمال السياسي. وأكد احترامه الكبير للشهيد والشهادة، «لكن كيلا تصبحوا أنتم شهداء سنتابع سياسة التوافق والوفاق مع الآخرين، لئلا تصبحوا شهداء الاقتصاد وتغادروا هذا الوطن، بل لتبقوا هنا مع أهلكم وفي ضيَعكم لتبقى مزدهرة، وسنبقى نقاتل من اجل عودة الازدهار إلى لبنان. هذه هي حربنا الحقيقية وليست من اجل تنمية الحقد والكراهية ضد الآخرين من ابناء وطننا. لهذه الغاية صنعنا تفاهماً مع حزب الله».
وأبلغ عون «أولاد الشائعات» أن شائعاتهم لن تنفعهم. مؤكداً أن التجديد لهذه الطبقة الحاكمة أمر مستحيل لأنها تحكم بلا برنامج، وتعيش بغشّ الناس والكذب عليهم، دون تقديم شيء للمجتمع غير النقّ والتشويش والتدجيل». داعياً الناخبين إلى تأكيد محاربة الفساد من خلال صناديق الاقتراع. وحذّر من استخدام العنف يوم الأحد، مبدياً ثقته «بالجيش والقوى الأمنية وسواعد العونيين».
وما إن انتهى عون من كلمته، حتى خرجت المواكب البرتقالية لتطوف الساحل المتني عائدة إلى قراها، وسط نثر الأرزّ وقرع الأجراس وذهول الماكينات الكتائبية التي فوجئت، مثل مواطنين كثر، بتكرار ما يفترض أن يكون استثناء عونياً حصل عام 2005.
وكان عون قد استقبل في الرابية رئيس التنظيم الشعبي الناصري النائب اسامة سعد الذي قال «ان المال السياسي يوازي خطورة الإرهاب الذي يهدّد الأمن الوطني»، داعياً المتنيين الى مواجهته والانتصار عليه. والتقى عون وفداً من حركة الشبيبة اللبنانية ـــــ باش مارون.