strong>بسام القنطار
سنة انقضت على حرب تموز أصدرت خلالها لجنة التحقيق التي أنشأها مجلس حقوق الإنسان في جنيف توصيات تلزم المنظمات والوكالات المختصة في الأمم المتحدة تطبيقها، أهمها إدماج حقوق الإنسان في أعمال الإغاثة وإعادة الإعمار. الأمم المتحدة قدمت جردة حساب، لكن غياب التقارير الرديفة يحجب الصورة الكاملة

اختتم مجلس حقوق الإنسان في جنيف دورته العادية الخامسة التي امتدت من 11 إلى 18 حزيران 2007. وحازت نتائج حرب تموز 2006 حيزاً من النقاش على خلفية متابعة تنفيذ توصيات تقرير لجنة التحقيق المعنية بلبنان الذي يُعدّ أهم وثيقة أممية صادرة عن الأمم المتحدة بعد الحرب.
ووفقاً للفقرة 7 من القرار دإ ـــــ2/1، كُلّفت لجنة التحقيق بما يأتي: «التحقيق في استهداف إسرائيل منهجياً للمدنيين وقتلهم في لبنان، فحص أنواع الأسلحة المستخدمة من إسرائيل ومدى امتثال هذه الأسلحة للقانون الدولي، وتقويم حجم الهجمات الإسرائيلية وأثرها الفتّاك في حياة البشر والممتلكات والهياكل الأساسية الحساسة والبيئةولقد عرضت المفوضة السامية لحقوق الإنسان لويزا آربور متابعة تنفيذ التوصيات الصادرة عن لجنة التحقيق عبر مطالعة موسعة عرضت فيها مجموعة الأنشطة والبرامج التي تنفذها وكالات ومنظمات الأمم المتحدة والخطوات التي اتخذتها المفوضة السامية ومكتبها في هذا الشأن، خصوصاً لجهة التشاور مع الحكومة اللبنانية.
وكان مجلس حقوق الإنسان قد اتخذ القرار الرقم 3/3 المؤرخ في كانون الأول 2006 الذي يطلب من المفوضة السامية أن «تتشاور مع حكومة لبنان بشأن التقرير وما خلص إليه من نتائج، وبشأن ما ورد فيه من توصيات ذات صلة». مع التنويه إلى أن البعثة اللبنانية في جنيف تصرّ دائماً على «الولاية الأصلية للجنة التحقيق على النحو الوارد في قرار مجلس حقوق الإنسان دأ ـــــ2/1»، وتعمل جاهدة لمنع التوسع في تفسير توصيات لجنة التحقيق لتشمل المقاومة اللبنانية.
وترى مسألة ولاية اللجنة من أكثر المسائل التي تثير حفيظة إسرائيل والولايات المتحدة الأميركية. فمن الواضح أن لولاية اللجنة حدودها من حيث الاختصاص الشخصي (أفعال القوات العسكرية الإسرائيلية) ومن حيث الاختصاص المكاني (على الأراضي اللبنانية)، وأن هذه الولاية لا تسمح بإجراء فحص كامل لجميع جوانب الصراع، ولا بالنظر في تصرفات جميع الأطراف. فاللجنة ملزمة بالعمل بمقتضيات الولاية التي أسندها إليها مجلس حقوق
الإنسان.
المساعدة الإنسانية والإعمار
يعرض تقرير «آربور» إنجازات «تعبئة المجتمع الدولي» من اجل مساعدة لبنان، ولا سيما من خلال مؤتمري ستوكهولم الذي عقد في 31 آب 2006 وبلغت مجموع التعهدات التي قدمت خلاله لدعم جهود الإغاثة العاجلة للبنان 1.2 مليار دولار، ومؤتمر باريس 3 الذي عقد في 25 كانون الثاني 2007 وبلغت فيه مجموع القروض والمنح 7.6 مليارات دولار.
كذلك يستفيض في شرح آليات التمويل والتنسيق بالاستناد إلى تقارير حكومية لبنانية تتحدث عن «ضمان الشفافية والمساءلة في ما يخص توجيه استخدام أموال المانحين» ومن ضمن هذه الآليات إنشاء «خلية الإنعاش والإعمار في مكتب الرئيس فؤاد السنيور والتي تتضمن قاعدة بيانات المساعدات الإنمائية بغية تتبع التقدم الحاصل بشأن تخصيص الموارد للمساعدات المتعلقة بالإنعاش وتنفيذ برامجها. وفي خيار إضافي للمانحين، أنشئ «صندوق إنعاش لبنان» وهو استئماني متعدّد المانحين، وتلقّى 17 مليون دولار. كذلك أنشأ المنسق المقيم للأمم المتحدة مكاتب فرعية في أربع مناطق لبنانية تجمع وكالات الأمم المتحدة والمنظمات غير الحكومية الوطنية والدولية ومنظمات المجتمع المدني والبلديات والوزارات التنفيذية على المستويات اللامركزية.
الصحّة
يشير التقرير إلى أن منظمة الصحة العالمية أجرت تقويماً في مجال الصحة بعد الحرب، بمشاركة وزارة الصحة، وبالتعاون مع صندوق الامم المتحدة للسكان ومنظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسيف)، وُضعت على أساسه برامج للمساعدة، تتراوح بين تجديد المستشفيات والمراكز الصحية وإعادة تجهيزها، وإصلاح إمدادات المياه وشبكات الصرف الصحي، وحملات التحصين وخدمات رعاية الصحة الإنجابية. وتحولت الوكالات الثلاث بسرعة من الاستجابة الإنسانية إلى الإنعاش المستدام. وتعمل الآن ثلاثة مستشفيات في النبطية، بما فيها عيادات التوليد وعمليات رعاية حالات الولادة الطارئة، بعد توفير المولدات الكهربائية. وفي ما يخص تقويم المرافق الصحية، استكملت المرحلة الاولى في آب 2006، والمرحلة الثانية، التي تغطي الجنوب والبقاع، في آذار 2007. وفضلاً عن ذلك، قدمت منظمة الصحة العالمية معلومات عن إصلاح 13 مركزاً صحياً في المناطق الأكثر تضرراً، وعن الدعم المقدم من حملتي رش لإبادة الحشرات والقوارض والفطريات في المناطق الأكثر تضرراً، مثل الجنوب والبقاع وضواحي بيروت، قامت بهما وزارة الصحة اللبنانية.
صحّة الأطفال
قدمت اليونيسيف ومنظمة الصحة العالمية معلومات عن الأنشطة المتعلقة بصحة الأطفال التي أنجزت في لبنان، ومنها حملات التحصين العاجلة ضد الحصبة، وشلل الأطفال. وتدعم مبادرات مختلفة لليونيسيف ومنظمة الصحة العالمية تقديم المساعدة النفسية الاجتماعية والمشورة الأساسية لأكثر من 300000 طفل عانوا أشكالاً مختلفة من الصدمات النفسية خلال الصراع. ووظفت اليونيسيف اختصاصيين نفسيين لكي يقدموا الدعم المهني للعاملين في مجال الترفيه عن الأطفال وفي مراكز المشردين داخلياً وفي برامج في مناطق العودة. وشرعت اليونيسيف ومنظمة الصحة العالمية في شن حملات توعية تستهدف المهنيين والآباء، بما في ذلك إنتاج ثلاثة إعلانات متلفزة ودليل يهدف إلى حماية الأطفال من نتائج التعرض للعنف والتشريد. كذلك يجري تقديم الدعم التقني والمالي لعدد من المنظمات غير الحكومية المتخصصة التي تعمل في المناطق الاكثر تضرراً وتعنى بالصحية العقلية للأطفال.
المياه والصرف الصحي
وفّرت وكالات الأمم المتحدة خزانات مياه صلبة ومتنقلة وضعت في المؤسسات العامة التي تؤوي المشردين داخلياً خلال الحرب وفي البلديات بعد الصراع مباشرة. واستكملت تدخلات في حالات الطوارئ حالما سمحت الأوضاع بذلك، بزيادة التعاون المنهجي بين السلطات المكلفة بالمياه في بيروت وجبل لبنان واليونيسيف، بهدف استئناف إمدادات المياه بشكل مستدام لنحو 600000 شخص. ووفرت اليونيسيف المساعدة المالية والتقنية من أجل إصلاح محطات ضخ المياه وخزانات المياه وشبكات التوزيع الرئيسية.
الإجراءات المتعلقة بالألغامتنسق دائرة الأمم المتحدة للإجراءت المتعلقة بالألغام انشطة إزالة الالغام في جنوب لبنان. ووفقاً للدائرة المذكورة، فإن خطة الاستجابة السريعة للإجراءات المتعلقة بالألغام هي الإطار الذي وظّفت الأمم المتحدة في سياقه قدرات متخصصة في مجال إزالة الألغام من القطاع الخاص والمنظمات غير الحكومية معاً، إضافة الى استخدام القدرات القائمة بالفعل داخل القوات المسلحة اللبنانية وقوة الأمم المتحدة المؤقتة في لبنان، وبتعاون وثيق مع «المركز اللبناني للأعمال المتعلقة بالألغام» الذي كان يسمى سابقاً «المكتب الوطني لإزالة الألغام» ويدعمه برنامج الأمم المتحدة الإنمائي ومفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين.
وأفادت تقديرات دائرة الأمم المتحدة للإجراءات المتعلقة بالألغام بتاريخ 14 آذار 2007، انه تم تطهير نحو 11,5 مليون متر مربع من الأرض الملغّمة المقدرة حالياً بنحو 34,7 مليون متر مربع من الذخائر غير المنفجرة.
وبدأت اليونيسيف، بتنسيق مع اللجنة التوجيهية الوطنية للتوعية بخطر الألغام، حملة إعلامية هي جزء من المرحلة الاولى من حملتها للتوعية إلى خطر الألغام.
تجدر الإشارة إلى أن هذا التقرير يقدم إطاراً مجملاً لمجال واسع من الأنشطة والبرامج التي نفذتها وكالات الأمم المتحدة والمجتمع الدولي بعد حرب تموز. وهو على الرغم من محاولاته تسليط الضوء على أهمية إدماج حقوق الإنسان في أي عملية للإنعاش ضمناً لاستدامتها.
لكن غياب التقارير الرديفة عن تقويم أداء وكالات الأمم المتحدة، ولا سيما من خلال الاستبيانات المباشرة مع الفئات المتضررة، وتقارير المنظمات غير الحكومية التي لا تتلقى تمويلاً من الأمم المتحدة يحتم عليها أن تكون مقيدة وغير شفافة في تقويم أداء منظمات الأمم المتحدة في لبنان ونقده.

حدث في 8 آب
عقد مجلس الأمن الدولي جلسة استماع رأى فيها وزير خارجية قطر الشيخ حمد بن جاسم بن جبر آل ثاني، الذي ترأس وفد الجامعة العربية، أن مشروع القرار المعروض على المجلس «يتطلب مراجعة متأنية تأخذ بالاعتبار الموقف العربي»، محذراً من «تداعيات اتخاذ قرارات غير قابلة للتنفيذ تعقد الوضع على الأرض وتكون لها انعكاسات خطيرة على لبنان ودول المنطقة».
وكرّر وزير الخارجية بالوكالة طارق متري مطالب لبنان بوقف فوري لإطلاق النار، مشيراً إلى أن مسوّدة القرار الدولي «قد لا تقدم النتائج التي يريدها المجتمع الدولي».
ميدانياً، استمرّت المقاومة في تسجيل قدرتها على صدّ العدوان، وامتلاكها زمام المبادرة عندما هاجمت إحدى مجموعاتها بالأسلحة الرشاشة والصاروخية موقع جل العلم داخل الحدود الفلسطينية المحتلة.
في هذا الوقت ارتكبت إسرائيل مجزرة جديدة في الغازية وعرسال، وهدمت مبنى إذاعة النور بالكامل، كما عزلت نهائياً منطقة صور الساحلية عن صيدا بعد أن دمّرت الجسر الترابي المؤقت في القاسمية، وفرضت حظراً على كل ما هو متحرّك جنوبي الليطاني. وللمرة الأولى منذ بدء العدوان، قصفت بارجة للعدو مخيم عين الحلوة عند المدخل الشمالي ما أدى الى سقوط شهيدين. ونبّه وزير الصحة الدكتور محمد جواد خليفة إلى أن المستشفيات اللبنانية «يحتمل ان تتوقف عن العمل في غضون يومين أو ثلاثة بعد أن ينفد منها الوقود».


استعادة الحياة وسبل كسب الرزق

يعرض تقرير «آربور» مجموعة من الأنشطة التي نفذتها وكالات الأمم المتحدة ضمن نطاق استعادة الحياة وسبل كسب الرزق، ومنها:
برنامج الأمم المتّحدة الإنمائي
يذكر برنامج الأمم المتحدة الإنمائي أنّه تصدّر جهود مجموعة الإغاثة العاجلة خلال الحرب، مما أدى الى وضع مجموعة من ستة مشاريع عاجلة ليبدأ تنفيذها مباشرة بعد وقف الأعمال العدائية. وركز بعد ذلك على استعادة سبل الرزق بصورة مستدامة في جميع المناطق المتضررة بالحرب مباشرة وغير مباشرة وفي مختلف القطاعات. ويسعى الكثير من هذه الانشطة إلى خلق فرص عمل وفرص كسب الدخل.
واضطلع البرنامج بعمليتي تقييم اجتماعي ـــــ اقتصادي بعد الحرب، استندتا إلى عيّنات فرعية من دراسة استقصائية متعددة الأغراض عن الأسر المعيشية أجريت في عام 2004 والى دراسة استقصائية للمشاريع الصغيرة والمتوسطة الحجم بالتعاون مع منظمة العمل الدولية.
منظمة الأمم المتّحدة للتنمية الصناعية
أجرت منظمة الأمم المتحدة للتنمية الصناعية (اليونيدو) تقييماً بعد الحرب لقطاع الصناعة الزراعية، وقامت بصياغة مبادرة مشتركة مع منظمة العمل الدولية والإسكوا تركز على توليد فرص العمل. وأعدت اليونيدو أيضاً مشروع «دعم سبل الرزق والإنعاش الاقتصادي في المناطق المتأثرة بالحرب في لبنان» تتوقع أن يموّل من صندوق إنعاش لبنان.
صندوق الأمم المتّحدة للسكان
استكمل صندوق الأمم المتحدة للسكان «تقييماً لأثر الحرب على النساء والفتيات في مناطق ما بعد النزاع مع التركيز على الحماية والعنف القائم على نوع الجنس» ويستكمل حالياً «تقييم أثر الحرب على المسنين والمعوقين والنساء ربات الأسر المعيشية».
منظمة الأغذية والزراعة
وأجرت منظمة الأغذية والزراعة بعد الحرب «تقييماً للأضرار واحتياجات الإنعاش المبكر في قطاعات الزراعة وصيد الأسماك والحراجة» كان له دور أساسي في مساعدة المنظمة على وضع برامج للتدخل من أجل الإنعاش.
وتنوي المنظمة، استناداً إلى هذا التقييم، العمل فوراً على تقديم المساعدة الطارئة إلى صغار المزارعين لكي يستأنفوا أنشطتهم الزراعية من خلال تزويدهم بالمدخلات الزراعية الضرورية، تقديم المساعدة الطارئة لمربي الماشية المتضررين من الحرب الذين يفتقرون إلى الموارد؛ تقديم المساعدة الطارئة إلى صغار المزارعين لكي يستأنفوا أنشطتهم الزراعية من خلال تقديم المدخلات الزراعية الضرورية.
اليونسكو
تتمثّل عمليات التدخل الرئيسية لمنظمة اليونسكو في الجنوب حالياً في مشروع تعليمي يركز على تدريب المعلمين والمشرفين في المدارس؛ مشروع يتعلق بالحوار بين الطوائف والأديان؛ مشروع مكتبة متنقلة. وفضلاً عن ذلك، تعتزم منظمة اليونسكو العمل على تنفيذ «مشروع بناء القدرات البشرية للتوثيق الرقمي لمواقع التراث العالمي المتأثرة بحرب عام 2006 في لبنان»، وهو مشروع قد تسعى اليونسكو إلى الحصول على تمويل له من خلال صندوق إنعاش لبنان.
البنك الدولي
وافق البنك الدولي على منحة قدرها 70 مليون دولار أميركي منها 30 مليون دولار معونة للبلديات، إضافة إلى مبلغ 15 مليون دولار لقطاع المياه في منطقة البقاع. ويعمل البنك الدولي حالياً على تنفيذ برنامج تكلفته 700 مليون دولار أميركي (في شكل قروض)، وهو المبلغ الذي تم الالتزام به في مؤتمر باريس الثالث. ومع ذلك، لم يشترك البنك الدولي في جهود الإنعاش المبكر، مركزاً بالدرجة الأولى على عمليات تقييم لعدة قطاعات تتصل بدعم الحكومة في إعدادها للإصلاحات المتوسطة والأطول أجلاً في قطاعي الضرائب والاقتصاد.