عمر نشابة
صدر مطلع شهر آذار الفائت حكم قضائي نادر في لبنان عن الحاكم المنفرد الجزائي في بيروت القاضي هاني عبد المنعم الحجار، دان فيه أحد عناصر مفرزة بيروت القضائية لتعذيبه عاملاً مصرياً خلال التحقيق معه عام 2004، وذلك باستخدام الأسلوب المعروف بـ«الفروج». وتكمن أهمية هذا الحكم في عدة نواح أهمها أنه يعترف بوجود أسلوب تعذيب مستخدم داخل المخافر اللبنانية، وهو ما يسميه الموقوفون والمحققون «الفروج». ولا بد من الإشارة إلى أن الحديث عن هذا الأسلوب، وغيره من أساليب التعذيب كـ«البالانكو» على سبيل المثال، كان ينتقل همساً بين اللبنانيين، لكنه للمرة الأولى يذكر في حكم قضائي صادر عن قاض لبناني يدين من استخدم هذا الأسلوب. ومنذ تعيينه مديراً عاماً لقوى الأمن الداخلي عام 2005 وعد المدير العام لقوى الأمن الداخلي اللواء أشرف ريفي «باهتمام خاص بحقوق الإنسان». وكانت «الأخبار» قد طرحت السؤال التالي بعد صدور الحكم القضائي بحقّ العنصر التابع للشرطة القضائية: هل توقّفت انتهاكات عناصر الشرطة القضائية لحقوق الإنسان؟
وعلمنا أمس أن قيادة وحدة الشرطة القضائية أصدرت مذكّرة خدمة موجّهة الى جميع القطعات الأمنية التابعة لها شدّدت فيها بشكل غير مسبوق على التزام الإطار القانوني لعمل عناصرها. وذكّرت ان عدم التزام الأساليب القانونية قد يعرقل اعتبار المعلومات المستخلصة من خلال التحقيقات الاستنطاقية «قرينة إثبات عند إحالة القضية أمام المحاكم المختصة». وأكّدت القيادة أن الابتعاد عن أساليب العنف خلال التحقيقات يمنع «الطعن بها من قبل المتضررين بذريعة انتزاع الاعترافات بوسائل غير مشروعة كالتعذيب والإكراه والتهديد»، وأشارت مذكرة الخدمة الى أنّ «وسائل التحقيق الحديثة تعتمد التركيز على حقوق الإنسان والمحافظة على كرامته بحسب ما نصت عليه مقدمة الدستور والقوانين»، وذلك بغض النظر عن كون الموقوف مذنباً أو بريئاً.
إن قانون تنظيم قوى الأمن الداخلي أو ما يُعرف أيضاً بالقانون رقم 17 (1990) يحدّد واجبات الضابطة العدلية، وتنصّ المادة 47 من قانون أصول المحاكمات الجزائية على حقوق المشتبه به، وبناءً على ذلك يجب على عناصر الضابطة العدلية: أ ـــــ «الاتصال بأحد أفراد عائلته أو بصاحب العمل أو بمحام يختاره أو أحد معارفه»، إذ لا يجوز قانوناً «إخفاء» موقوف وعدم إبلاغ ذويه بمكان توقيفه وسببه. ب ـــــــ «مقابلة محام يعينه بتصريح يدوّن على المحضر من دون الحاجة الى وكالة منظمة وفقاً للأصول»، فمن حقّ الموقوف عدم الإدلاء بأي تصريح إلا بحضور وكيل قانوني، ومن حقّ الموقوفين الفقراء تعيين محام ضمن برنامج المعونة القضائية. ج ــــــ «الاستعانة بمترجم محلف إذا لم يكن يحسن اللغة العربية»، فالعديد من التحقيقات تشمل عمّالاً أجانب، وينبغي أن يتوافر لهم مترجم محلّف يوضح لهم حقوقهم وواجباتهم. د ـــــ «تقديم طلب مباشر أو بواسطة وكيله أو أحد أفراد عائلته الى النائب العام بعرضه على طبيب لمعاينته»، وقد يتبيّن من خلال المعاينة الطبية أن الموقوف تعرّض للتعذيب ما قد يعرّض المحققين للملاحقة القضائية، كما حصل في الحكم الذي صدر في آذار الماضي.
وتأكيداً على التقيّد بالقانون أمر قائد وحدة الشرطة القضائية العميد أنور يحيى خطياً رؤساء القطعات القائمة بالتحقيق «الإشراف شخصياً على التحقيقات المجراة» وعدم اللجوء الى «أي أسلوب غير شرعي أو عنف بهدف انتزاع الاعترافات أثناء عمليات الاستجواب». وشدّد على تلاوة المحققين حقوق المشتبه به عليه فور احتجازه «بكل دقة»، وتدوين هذا الإجراء في محضر التحقيق.
وأشارت مذكّرة يحيى الى وجوب اعتماد التقنيات الحديثة المتاحة بدل «استخدام العنف للوصول الى اعتراف غير واقعي»، وعدّد منها: تحليل الاتصالات الهاتفية والاستعانة بمكاتب الحوادث والمختبرات الجنائية.
وعلمت «الأخبار» أن قسم المباحث العلمية شهد أخيراً ورشة تطوير وُجهّز بمعدات حديثة لإجراء فحوص البصمة الوراثية DNA وغيرها من التحاليل المخبرية.
وشدّدت قيادة الشرطة القضائية على «عدم توقيف الأشخاص في النظارات لمدة أطول من المذكورة في قانون أصول المحاكمات الجزائية، وهي لا تطول عن «4 أيام على الأكثر بقرار خطي معلل من النائب العام الاستئنافي» (المادة 42).
وأنهى قائد الشرطة القضائية مذكّرة الخدمة بالقول إنه يعلق «أهمية بالغة» على حسن التقيد بما ورد أعلاه وإن «كل مخالفة لبنود هذه المذكرة ستعرض مرتكبها ورئيسه المباشر للمطالبة المسلكية المشدّدة».