strong>فداء عيتاني
  • صلّوخ: لو عدنا عاماً إلى الوراء لفاوضتُ أكثر


  • استعرضت وزيرة الخارجية الأميركية كوندوليزا رايس مع وزير خارجية لبنان فوزي صلوخ خلال زيارتها لبنان إبان الحرب مختلف الملفات المطروحة. وقبيل الانتهاء من اللقاء، سألها وزير الخارجية عن «الجنديين الإسرائيليين الأسيرين» اللذين لم تتطرق المحادثات إليهما، فصمتت رايس، تاركةً لأحد معاونيها إنقاذها من الإحراج

    يقول وزير الخارجية اللبناني المستقيل فوزي صلوخ إنّه لو أتيحت له العودة عاماً إلى الوراء لكان فاوض أكثر، في القضية المحقة التي كان المحامي عنها ضعيفاً. وهو يحاول المناورة للتخلص من رواية تفاصيل الخلافات الداخلية، من دون أن يتمكن من إخفاء «سوء إدارة المعركة السياسية» بشكل عام، وهو ما يردّه إلى «ما تريده الإدارة». وحين تسأل: أية إدارة؟ هل هي اللبنانية أم الأميركية؟ يجيب بما يفيدك بأنهما الاثنان معاً، وأن اللبنانية كانت تتلقى توجيهاتها من هناك. إلا أن الوزير اللبناني يحتفظ بعدد من المعطيات لديه، رافضاً الإفصاح عنها.
    كان الوزير فوزي صلوخ شريكاً في إحدى أكبر المعارك الدبلوماسية خلال حرب تموز عام 2006، إلا أنه لم يواجه دبلوماسية العدو التي أدّت مجريات العمليات العسكرية وانتصارات المقاومة في لبنان ميدانياً إلى انهيارها وضرب إمكاناتها الدعائية والسياسية الدولية وإلى ارتفاع التعاطف العالمي مع لبنان، وخاصة في أوساط الأوروبي، بل واجه صلوخ الدبلوماسية الأميركية التي أخذت مكان تلك الإسرائيلية، التي كان على رأسها وزيرة الخارجية الأميركية كوندوليزا رايس نفسها التي رأت خلال اجتماعاتها مع إيهود أولمرت أنه «لم يحن أوان وقف إطلاق النار بعد».
    التالي هو رواية وزير الخارجية المستقيل فوزي صلوخ عن مرحلة الحرب والمفاوضات التي دارت حينها:
    «ليل 11 تموز توجهت إلى أرمينيا في زيارة رسمية. وهناك علمت ببدء العمليات العسكرية. كان الوضع صعباً. لم تكن هناك طائرة تقلّنا إلى بيروت. قرّرنا متابعة الزيارة، وكنت على اتصال مستمر مع بيروت، فيما الترتيبات قائمة حتى وجدنا الطيران النمساوي الذي نقلنا إلى فيينا، ومنها إلى القاهرة في 16 تموز. كان وزراء الخارجية العرب قد وصلوا، وكانت الأجواء ملبدة، والنفوس متشنجة، والبعض كان يشكو من «المغامرة التي قام بها حزب الله»، فيما بعض آخر يقول إن الوقت غير ملائم لمواجهة عربية إسرائيلية. وشعرت بتململ عند الوزراء، وتحدثت في مسألة الأسيرين، وإن لبنان لطالما عرف مسائل من هذا النوع، وقد قيل صراحة إننا نزمع أسر جنود إسرائيليين لإطلاق أسرانا الذين أمضوا ثلاثة عقود في سجون إسرائيل.
    صباح يوم 17 تموز عقد الاجتماع الوزاري، وجرت المحادثات، وقلت لعدد من الوزراء «إن إسرائيل اليوم تشن حربها على لبنان، وغداً لا نعرف على من سيكون الدور».
    أثناء البحث بدأت الحرارة تنخفض. ووردت إلى الوزراء العرب مواقف من دولهم تخفض مستوى التوتر، واستمر البحث لفترة، وبعدها حصل اتفاق على قرار لدعم لبنان، وهذا القرار أخذ جهداً ومداولات ومداخلات، وأدى عدد من الشخصيات العربية، ومنها وزير الخارجية السعودي سعود الفيصل، دوراً إيجابياً. وهو أصر على رفع الموقف من دعم المقاومة من الخطوات التفصيلية إلى المقدمة.
    وكان البعض يحاجج عكس ذلك. قلت لهم: «إذا كان بعض الإخوان يصر على فتح بعض النقاط، فإنّنا سنفتح كتاب التاريخ ونبحث في بعض فصوله»، وكنت أشير إلى من يتحدث عن المغامرات، بأن من سبق أن غامر لم يؤد إلى نتائج إيجابية، بينما نحن كنا ضحية حرب إسرائيلية منظمة ومحضرة ضد لبنان».
    وقال الأمين العام لجامعة الدول العربية عمرو موسى: «انتهينا من هذا الموضوع (المغامرة)، وأخذنا قراراً مناسباً، وسيتم عقد اجتماع استثنائي في بيروت». وهو الاجتماع الذي سيعقد في السابع من آب 2006.
    يتابع صلوخ: في 26 تموز توجهت إلى روما ضمن وفد يرأسه رئيس الحكومة فؤاد السنيورة، وفي طريقنا، وكان السنيورة في طور إعداد النقاط السبع التي ناقشها مسبقاً مع رئيس مجلس النواب نبيه بري، الذي طلب إدخال تعديلات عليها، وتم الأخذ بنحو 75 بالمئة من هذه التعديلات. كان يهمنا في ذاك الوقت الظهور في صورة موحدة أمام العالم. عقد الاجتماع، وقدم الحاضرون ملاحظاتهم، وأجمع غالبيتهم على ضرورة وقف إطلاق النار، عدا وزراء خارجية أميركا، كندا، بريطانيا وألمانيا، وكان القرار الأميركي هو الأقوى، وكانت الوزيرة كوندوليزا رايس تعتقد بأن إسرائيل ستبيد لبنان والمقاومة خلال أيام وتتخلص من «هذا الشيطان». وبعد الظهر، عقد نائب رئيس الوزراء الإيطالي سيلفيو داليما مؤتمراً صحفياً، وقال إن الذي أفشل قرار وقف اطلاق النار هو أميركا.
    وخلال اللقاءات الجانبية قابلت كل وزراء الخارجية الموجودين تقريباً، وكان 90% منهم مع وقف إطلاق النار.
    أما النقاط السبع فكانت تحوي مطالب لبنانية محقة، وإن تضمنت إزالة سلاح حزب الله. إلا أن القرار الدولي الرقم 1701 اتى لينقض هذه النقطة، حيث اعتبر أن مسألة نزع سلاح المقاومة هي شأن داخلي، وجون بولتون صرح بأن مجلس الأمن كان بصدد إصدار قرار ثانٍ حول سلاح المقاومة، إلا أنه فشل في إصداره.
    ونحن وافقنا على النقاط السبع، لكن عليك أن تعلم من الذي اقترح هذه النقاط، وخلال المداولات اللبنانية الدولية تم التوصل إلى طرح هذه النقاط.
    ويقول صلوخ بكلام مباشر: «كانت واشنطن تسرّع الخطى للقضاء على المقاومة، إلا أنها فشلت. لقد حلت الخارجية الأميركية مكان الدبلوماسية الإسرائيلية. كانت الأخيرة تعاني من الفشل العسكري على الأرض. ومع الأسف كانت هناك جماعة لبنانية مهتمة أيضاً بالقضاء على المقاومة.
    في طريقي إلى ماليزيا للمشاركة في اجتماع منظمة المؤتمر الإسلامي في الثالث من آب عام 2006، يقول صلوخ: وصلنا إلى فندق الشيراتون في دمشق في طريقنا إلى ماليزيا، وفوجئت بوجود 60 صحافياً، وقلت لهم إنه يوجد مقاومة سياسية ودبلوماسية إضافة إلى العسكرية. وقال الرئيس الماليزي عبد الله أحمد بدوي لرئيس الجمهورية إميل لحود خلال زيارة لاحقة له إلى بيروت إن «وزير خارجيتكم أدى دوراً أساسياً في تغيير مواقفنا».
    وزارت رايس لبنان أكثر من مرة. وفي إحداها، تباحثنا معها في جميع الملفات باستثناء الأسيرين. فأثرت الموضوع، وبعدما بحثنا كل الملفات سألتها عن ملف الأسيرين الإسرائيليين، فلم تجب رايس، وتولى إليوت ابرامز الرد، مبدياً اهتمامه بمعرفة وضعهما الصحي. فقلت للوفد الأميركي: «حسناً، لكن الحرب لم تكن من أجل هذين المسكينين؟».
    وفي آخر زيارة لدوست بلازي، قال في نهاية الاجتماع إن هناك فريقين، الأول عسكري ـــــ أميركي ـــــ إسرائيلي، وآخر دبلوماسي ـــــ لبناني ـــــ فرنسي. بعدها، بدأ مجلس الأمن والولايات المتحدة يشعران بالتململ من إسرائيل، وضرورة وقف إطلاق النار، وخاصة مع زيادة التعاطف الدولي مع لبنان.
    وعندما أتى طوني بلير التقيت به جانبياً، وقلت له: لا أحد من اللبنانيين، والشيعة على وجه الخصوص، يكره بريطانيا، إلا أننا نكره الأعمال التي تقومون بها، وأنتم تعرفون عقلية الناس في الشرق الأوسط، ويمكنكم أداء دور كبير في المنطقة، ولا تدعوا أميركا تتقدم عليكم في هذا الدور. لم نشعر بأنكم أديتم دوراً أسهم في وقف إطلاق النار. وكان جوابه: بدأت بالعمل، ولن أتكلم قبل تحقيق نتائج.
    بعد سنة، يراجع صلوخ الموقف قائلاً: اليوم بعد عام يمكن أن نقول إنها كانت تجربة صعبة، حملت الخوف والهلع، والذعر، وما يعوض هو الانتصار. كان يفترض التشبث بموقف سياسي ودبلوماسي يقول إننا لا نهتم بمساعدات أميركية ولا غير ذلك، بل نطالب بعلاقات تقوم على احترام، وهو ما لم يحصل. المفاوضات التي حصلت في الأمم المتحدة كانت ضعيفة. وحاول البعض إلصاق القرار باسم شخص أو باسم آخر، لكن الوفود اللبنانية التي ذهبت إلى نيويورك لم تغير أي فاصلة في هذا القرار. كان من المفترض أن يكون خطابنا أقوى. إلا أن الإدارة لدينا هكذا تريد... كان لدينا قضية رابحة، لكن دفاعنا عنها كان خاسراً، وحاول البعض إصلاح دور المحامي السيئ بكلمات طنانة رنانة للأسف.

    حدث في 14 آب
    مع بدء سريان قرار وقف إطلاق النار عاد النازحون مباشرة إلى قراهم، وأطل الأمين العام لـ«حزب الله» السيد حسن نصر الله، في رسالة متلفزة عبر «المنار» معلناً أننا «اليوم أمام انتصار استراتيجي وتاريخي لكل لبنان والأمة». وقال «إذا حافظنا على عنصري القوة، وهما المقاومة والوحدة الوطنية، نستطيع أن نبني الدولة القوية القادرة بجيشها ومؤسساتها الأمنية ومؤسساتها السياسية والمدنية، وبالتالي تشكّل الحل لكل المشكلات القائمة حالياً في البلد. فلا تضيّعوا عنصر القوة الحالي في البلد». وجاء موقف نصر الله، عشية الجلسة التي سيعقدها مجلس الوزراء من أجل إقرار خطة نشر الجيش اللبناني في منطقة جنوبي الليطاني المقرّر أن تبصر النور في غضون ثمان وأربعين ساعة.
    أما إسرائيل فارتكبت مجزرة أخيرة حين استهدفت باصاً للركاب في طريق الجمالية، ما أدى إلى استشهاد ستة من عناصر الجيش وقوى الأمن.

  • أين 3 من 3؟

  • لاعتبارات ذات طابع سياسي محض. تعتذر «الأخبار» عن نشر الحلقة الثالثة من وقائع المفاوضات السياسية أثناء العدوان الإسرائيلي. إذ يبدو أن للأمر آثاره السلبية على الواقع السياسي للبلاد.