strong>ثائر غندور
  • المدينة الجنوبية حديقة أزهارها تناسب كل الأذواق


  • انتبه لقد دخلت مدينة صور! هنا الحياة تختلف عن محيطها. هي متنفس هذا المحيط، الذي يتألف من قرى الجنوب وساكنيها اللبنانيين أو «الأمميين» من عسكر وناشطين اجتماعيين. هي قرية تملك كل مقوّمات المدينة، أو العكس

    تبدو الحياة في هذه المدينة التاريخية مثل حديقة تجمع مختلف أنواع الزهور. يستطيع كل امرئ أن يختار ما يناسب ذوقه واختياراته الفنية والدينية وإمكاناته المادية بشكل أساسي. وساعات السهر تستمر حتى تلوّن الشمس أمواج بحرها المتوسّط، ومن العوامل الجيدة التي أسهمت في تنشيط القطاع السياحي في صور، أن المدينة الجنوبية سلمت من موجة التفجيرات التي طالت مناطق مختلفة في لبنان. يفتخر أهالي صور، بأن مدينتهم تغسل قدميها في مياه أفضل شاطئ في لبنان، أو «أفضل شاطئ على المتوسّط، برماله الذهبية» هذا ما يقوله «المتيمون» بحب مدينتهم. العلاقة بين أهالي صور وبحرها ليست جديدة. هي علاقة عمرها آلاف السنين، لكن الأساس فيها، أن البحر مثّل دوماً مصدر رزق لهم. تعوّد أن يأتي إليهم بأفضل أنواع السمك وأغلاها، لكن التلوّث في السنوات الأخيرة وزيادة عدد الصيادين، أثّرا سلباً عليهم. هكذا تحوّل عدد منهم من صيادين إلى أصحاب مقاهٍ بحرية.
    أبو طه صياد «قديم». يقف بجوار المطبخ في «الخيمة» البحرية في منطقة الجمل. أول شيء يقوله: «ادخل إلى المطبخ و«شوف» النظافة». عامل النظافة هو الأهم لجذب الزبائن ليتناولوا الوجبة الأساسية التي تقدمها «خيمة صفا قصاب» وتُقدم أطباق السمك على أنواعه. أبو طه يشدد أن «السمك طازج»، وأنه يصطاده بنفسه، «فأنا صيّاد منذ أن وُلدت». ولا تختلف حال «الكابتن بوب» عن جاره أبو طه، فعنده أيضاً «السمك الطازج هو الأساسفي منطقة الجمل تنتشر عدّة خيم ـــــ مطاعم. وروّادها من كلّ الفئات: لبنانيون وأجانب، خصوصاً الجنود الإيطاليين التابعين لقوات اليونيفيل، إضافة إلى الزوار اللبنانيين الآتين من بيروت وصيدا. ففي صور الجلسة هادئة، لأنها بعيدة عن الصخب المديني. البحر هادئ ورقيق، والصخور تدفع بهواة السباحة ومحترفيها إلى النزول إلى المياه قبل وجبة غداء مع «كأس عرق». فالعمل في هذه الخيم يستمر على مدار اليوم، وإن كان لكلّ وقت زبائنه. عند الصباح، أي بين التاسعة والحادية عشرة، تأتي الصبايا لاكتساب اللون «البرونزي»؛ «بزينوا الشاطئ بجمالهم» يقول أبو طه، ويضيف: «لا أحد يجرؤ على الاقتراب منهن». هنا يطرح معادلته الغريبة: «مسموح للصبايا ارتداء المايوه بس ممنوع الشباب يلبسوا مايوه». عبارة صادمة. سؤال يطرح نفسه مباشرة: «أيُسمح للنساء بارتداء مايوه قطعتين؟». «إذا بدن يلبسوا String كمان» يقول أبو طه. ثم يقول إنه يجب على الشبان أن يرتدوا الشورت لا المايوه الضيق الذي يلتصق بالجسد. ويبدو أن هذا القرار معمّم على أغلب الخيم، وإن ضمنياً، فيقول الكابتن بوب إن الشاب الذي يرتدي مايوه «وحده يُلاحظ أنه خطأ».
    يشتكي أصحاب الخيم من أن الحركة لم ترتق إلى المستوى الذي يريدونه، رغم «أن الخيم تمتلئ أيام الجمعة، والسبت والأحد»، هكذا تكون ردة الفعل الأولى، لكن أصحاب المطاعم والمتاجر والمنتجعات السياحية يغيرون «رأيهم» بعد دقائق، إذ يتذكرون أن الحركة سيئة جداً في المناطق الأخرى، في صور يظهر جلياً أن اللبنانيين يريدون الاحتفال بالصيف، عندما يتنبّه أصحاب الخيم إلى الأمر يبتسمون، ثم يشكرون ربّهم.
    على بعد عشرات الأمتار من منطقة الجمل تنتشر عشرات الخيم على طول الشاطئ الرملي لمدينة صور. بين «الجمل» والشاطئ الرملي، تعج الطرقات بالسيارات، وتخنق زحمة السير شارع أبو ديب والكورنيش البحري.
    أهل صور يحفظون جيداً شارع أبو ديب الذي حافظ على «موقعه» المحوري في الحياة التجارية والسياحية في صور، وهذا «الموقع» لم تتراجع أهميته رغم استحداث الكورنيش. على طول هذا الشارع تنتشر المقاهي التي تحضن عشرات الـ «Couples» أي المتحابين أو المخطوبين أو الأزواج، ممن يأتون لتناول الطعام أو شرب القهوة في جلسة حميمة ورقيقة. في المقابل يعيش شارع الكورنيش البحري هذه الحالة. وأغلب المقاهي تم افتتاحها منذ أشهر أو سنتين حدّاً أقصى. يُؤلّف الشبان والصبايا أغلب روّاد هذه المقاهي. في المقابل فإن زبائن المطاعم المجاورة من فئات عمرية مختلفة ويؤلّف المغتربون النسبة الأكبر من الزبائن.
    نيل وستيفان يعملان ضمن فرق نزع الألغام. نيل انكليزي، وستيفان ألماني. يفضلان عادة أن تُوجه الأسئلة الصحافية إلى الناطق الإعلامي باسم اليونيفيل، لكنهما عندما يعرفان أن الحديث سيكون عن مدينة صور ينطلقان في حديث يبدو أنه لا نهاية له. هما يسكنان في هذه المدينة، ويحبانها، «لا بد أن نشرب بيرة أمام البحر» يقول ستيفان. يسكب نيل كأساً أخرى من النبيذ. يلفت إلى أن شعب صور لطيف، «لكنّ بعض المقاهي ترفع الأسعار لأننا تابعون للأمم المتحدة»، ثم يشرح الفارق بين أسعار المقاهي المنتشرة في خيم على البحر، وتلك التي تملك مبناها، «لأن الكلفة ترتفع من مكان إلى آخر». هما راضيان عن سهراتهما اليومية، ولا يريان أن هناك ما يهدّد أمنهما، «لا بل أقمنا علاقات جيدة مع السكّان، وبعض زملائنا أقاموا علاقات مع نساء لبنانيات». ويقول نيل بفخر: «الناس يحبوننا لأنهم يعرفون أننا نخدمهم».
    على الكورنيش المقابل لهذه المقاهي، تقوم سهرات من نوع آخر. روادها ليلاً من الشباب، وعند «العصر» يرتادها هواة الرياضة وتخسيس الوزن.
    عباس وأدهم «مُداومان» يومياً على الرصيف، «لأن المقاهي غالية ولا يُمكن أن تدفع كلّ يوم مبلغاً معيناً من المال». المزعج على الكورنيش مثل غيره، هو الانقطاع المستمر للكهرباء، «عم اتمشى مع صاحبي ومش شايفو، فكيف بدي شوف الصبايا؟» يقول عباس، وهو يحاول إقناع صديقه بالذهاب إلى منطقة الجمل، «شوف الضوء كيف مشعشع». فهناك يُمكن التعرف إلى الصبايا، بعيداً عن نوع السيارة التي تملكها، لأنها لا تراها، يقول أدهم.
    يلتقي شارعا أبو ديب والكورنيش البحري عند الـ «Rest House». هذا المنتجع الذي تحوّل في الصيف الماضي إلى مركز تجمّع الصحافيين خلال الحرب، يستضيف كل صيف عدداً من الفنانين. هيفاء وهبي وأيمن زبيب كانا ضيفي هذا الصيف. لا يختلف المنتجع كثيراً عن الخيم الخشبية، لكن المنامة فيه متاحة.
    تقدم «خيم» صور المأكولات والمشروبات بأسعار رخيصة، وتتميز هذه الخيم بـ«طبيعيتها»، حسب ما يقول أحمد الزائر اليومي منذ أكثر من خمس سنوات. ويؤكد أن هذا الصيف، مثّل «صدمة إيجابية» لأصحاب الخيم فـ«هي ملآنة كل يوم، خصوصاً مع إعادة السماح بممارسة لعبة كرة المضرب على الشاطئ»، فهذه اللعبة تجذب الشباب إلى المكان. هنا يمكن أن تجد فتاة ترتدي الثوب الاسلامي الشرعي تسبح بجانب فتاة ترتدي «البكيني». كل شيء موجود هنا. حتى إمكان أن تأتي بالطعام والمشروب وتجلس على طاولة مع عائلتك مقابل عشرة آلاف ليرة لليوم. ويتميّز هذا الشاطئ بالحفلات الليلية والنظافة الفائقة.
    على صعيد آخر يعاني الكورنيش الشمالي لمدينة صور مشكلة انقطاع الكهرباء، خصوصاً أن لمبات الشوارع لا تُضاء حتى عندما تكون الكهرباء متوافرة. كذلك فرض البلدية مبلغ ستمئة ألف ليرة سنوية بدل إيجار للفانات «الإسبرسو»، إضافة إلى الدراجات النارية، التي يستعرض أصحابها على الرصيف.




    قرار «تشجيعي»

    في صور عدد من الحانات والملاهي الليلية. لكل واحد منها هويته لجهة نوع الطعام والموسيقى. ويُعتبر عناصر اليونيفيل والعاملين مع الجمعيات اللبنانية والدولية، الذين أتوا بعد حرب تموز، أهم رواد هذه الأماكن. «لكن بعد استهداف اليونيفيل انخفض عددهم»، بحسب أحد العاملين في حانة «Divers INN»، الأمر الذي يؤكّده نائب رئيس بلدية صور محمود حلاوي.
    يلفت حلاوي إلى أن أغلب زوار صور من المغتربين والسياح اللبنانيين (من المناطق اللبنانية) الذين يشكّلون 30 في المئة من روّاد صور. ويشير إلى نية المجلس البلدي «إعفاء أصحاب الخيم من رسوم نصف شهر آب، تضامناً معهم».
    علي، ومروان، ورنا، وسامر، ومها، وسارة، وليال... مجموعة من سكّان بيروت الذين يزورون صور دائماً. يسكنون في بيروت، لكن ذلك لا يمنعهم من زيارة صور دورياً. «ونذهب أحياناً خلال الأسبوع، لا في نهاية الأسبوع فقط»، يقول مروان. تعرّفوا بصور خلال الشتاء الماضي عندما أتوا لحضور حفلة للمغني زياد سحّاب في صور. «وجدنا أن الأسعار أرخص من بيروت بكثير، وأن هناك العديد من أماكن السهر من حانات ومقاه». وهكذا تحوّلت المدينة إلى مقصد للبيروتيين في هذا الصيف، «لأن البحر جميل وغير ملوّث» يقول سامر، وتُضيف رنا: «أجمل شيء أن تبتعد عن بيروت وصخبها وأن تختار السهر في صور، فهي مدينة وقرية في الوقت نفسه». وجد الشباب أن الطعام في صور أطيب، والناس أصدق، وخيارات السهر أوسع وبطبيعة الحال أرخص.
    ارتباطهم بمدينة صور أصبح ارتباطاً عاطفياً. يدفعون أصدقاءهم إلى أن يتذوقوا السمك مع العرق البلدي، أو تناول «كأس» مقابل «شواطئ صور المتعدّدة». وتبقى اللذة الأساسية في السباحة الليلية على شاطئ صور. هذه لذّة لا يُمكن أن تمارسها في مكان آخر، «فشاطئ صور أكيد غير شاطئ بيروت».