عرفات حجازي
عواصـــم القـــرار تدعـــم حركـــة بـــري للاتفاق على تســـوية منصفـــة للطرفيـــن

بانتظار أن تأتي الأجوبة الأميركية المتوقعة نهاية هذا الأسبوع رداً على أسئلة سبق لرئيس المجلس النيابي نبيه بري أن طرحها على السفير الأميركي جيفري فيلتمان وتتعلق بقراءة الإدارة الأميركية للأزمة اللبنانية وآليات حلها، فإن الرئيس بري بدأ عملياً حراكه السياسي لاستطلاع مواقف المرجعيات السياسية والروحية والكتل النيابية من الاستحقاق الرئاسي والأفكار المتقدمة التي يطرحها مخرجاً للأزمة على قاعدة التلازم والتوازي بين تأليف حكومة وحدة وطنية تؤدي إلى إنهاء القطيعة وتسهل الوصول بالحوار الهادئ إلى إنجاز الانتخابات الرئاسية في موعدها الدستوري. وهو ينطلق من اقتناعه بأن اللبنانيين محكومون بالتوافق على رئيس جديد للجمهورية، وأن عملية الإنقاذ يجب أن تتم بسرعة قبل أن تدهم الصراعات في المنطقة جميع الأفرقاء، وهو ما يستدعي التفاهم على الحد الأدنى الذي يسمح بحماية لبنان وإبعاده عن الارتدادات المترتبة على مواجهة المحاور ونزاعاتها، جازماً بأن أيّاً من الفريقين لا يستطيع حسم المعركة المقبلة ويفرض حلاً أحادي الجانب، لأن هذا لا يكون حلاً، بل انتحار سياسي، ويجاريه في هذا الاعتقاد اللاعبون الإقليميون والدوليون الذين أعلنوا مواقف صريحة بوجوب اعتماد التسوية معبراً للخروج من الأزمة، وأن السير بمنطق الغلبة وفرض الحلول سيفتح الطريق أمام سلوك الخيارات الصعبة والمدمرة، وهو ما يحذر المجتمع الدولي من الوصول إليه. وتوحي حركة المشاورات والاتصالات الإقليمية والدولية التي تتم بعيداً عن الأضواء بأن شيئاً ما يحضر لطرحه في التداول السياسي عما قريب، وهذا ما يفسر وفق المراقبين الكلام العالي الوتيرة لوليد جنبلاط وحديثه عن الإعدام السياسي والمعنوي، ونعته كل من يحاول المساومة والتسوية من فريق 14 آذار بالخيانة. فالرجل، كما يقول عارفوه، صاحب قدرة على استشراف الأمور والتقاط الإشارات، والمعلومات التي وفرتها له المراصد والمصادر جعلته يستبطن خوفاً وتخوفاً من صفقة دولية إقليمية تتم على حساب الأكثرية، ومن محاولات لفرط هذه الأكثرية وتحول قوى في داخلها لمصلحة خط المعارضة. ولم يكن من قبيل الصدفة أبداً أن تلتقي واشنطن ودمشق على الإشادة بالدور المحوري والإيجابي للرئيس بري، كما التقى على ذلك وزيرا خارجية فرنسا وإسبانيا اللذان أبديا ارتياحهما للجهد الذي يقوم به والأفكار المتقدمة والتوفيقية التي طرحها لمقاربة الاستحقاق الرئاسي، وهو ما يشكل في نظرهما قاعدة يمكن البناء عليها لصياغة مبادرة متكاملة ترسي حلاً مقبولاً عند الطرفين.
وإذ بات في حكم المؤكد أن فكرة عقد مؤتمر عربي دولي إقليمي لحل الأزمة التي سبق أن طرحها وزير الخارجية الفرنسي برنار كوشنير قد طويت في ضوء ما واجهته من تحفظات عربية وأميركية، فإن من غير المستبعد أن يشهد الأسبوعان المقبلان حركة فرنسية وعربية متسارعة ومنسقة حيال الوضع في لبنان. فموفد الخارجية الفرنسية جان كلود كوسران تُتوقع عودته إلى بيروت في أواسط الأسبوع المقبل وسيحمل معه رزمة أفكار لعرضها على عواصم المنطقة ذات التأثير في الملف اللبناني، كما على الأطراف اللبنانية، وذلك في إطار المسار الدائم الذي يهدف إلى تسهيل الحوار بين القوى اللبنانية وتجاوز العقبات الدستورية.
أما سفير المملكة العربية السعودية عبد العزيز خوجة الذي استدعي لوضع وزير الخارجية سعود الفيصل في صورة ما انتهت اليه مشاوراته مع الفعاليات اللبنانية وما كونه من انطباعات ومعطيات عن الحل، فإنه سيعود هو الآخر محملاً بأفكار توفر برأي الدبلوماسية السعودية مخرجاً للأزمة، وهذه الأفكار تلتقي بشكل أو بآخر مع ما كان قد طرحه بري لجهة التلازم بين عقدتي الحكومة والرئاسة والاتفاق على رئيس يشكل عنواناً للتوافق الوطني وإنهاء الاعتصام في وسط بيروت مع إقرار حكومة الوحدة الوطنية لقانون جديد للانتخابات. وكان لافتاً موقف السفير فيلتمان الذي أبلغه لقيادات ومراجع لبنانية بأن بلاده تدعم التحرك الفرنسي والعربي وترى في التحركين آلية جيدة للتعامل مع تعقيدات الملف اللبناني، وإن أميركا تدفع بالجهود التي يقوم بها بري للتوفيق بين اللبنانيين، وإنها تدعم ما يتم التوافق عليه وما يهمها إنجاز الاستحقاق الرئاسي في موعده وإنها ليست في وارد التدخل في أسماء المرشحين والاقتراع لهم. وتكشف أوساط دبلوماسية متابعة للملف اللبناني أن الاتصالات العربية والدولية بدأت مع بري للوقوف على الآلية التي سيعتمدها لمقاربة الاستحقاق الرئاسي والأفكار التوفيقية التي سيطرحها في مشاوراته مع الأفرقاء، وأن عواصم القرار ستعمل على توفير مناخات دولية وإقليمية لإنضاج مبادرته والنجاح في تسويقها وتحصينها وحمايتها من القنص السياسي كي تؤتي ثمارها، وأن عواصم القرار على بينة من التفاهم العلني بين الرئيس بري والبطريرك صفير على أمرين أساسيين: الأول إنجاز الاستحقاق الرئاسي في موعده ووفق الأصول الدستورية، والثاني أن يتم البحث على قاعدة الرئيس التوافقي الذي لا يكون طرفاً، بل حكماً، كما التوافق على قاعدة التوازي بين الحكومة والرئاسة، وهذا ما يوفر الفرصة لتغيير الأوضاع الداخلية ويعطي الجميع فرصة المشاركة في صياغة المستقبل.