عصام نعمة إسماعيل
من المستغرب، وغير المفهوم، إطلاق أحاديث وتصريحات مطوَّلة متشكّكة في جواز دفع تعويضات عن الأضرار التي أحدثها العدوان الإسرائيلي على لبنان، والتي أصابت في القسم الأكبر منها مناطق الجنوب والبقاع والضاحية الجنوبية، بحجة أن اللبنانيين من المناطق الأخرى غير مجبرين على تحمل هذه التعويضات.
المستغرب في هذا الكلام هو أن التعويض يأتي بسبب الخسارة الفادحة التي حلَّت بأبناء هذه المناطق، بصرف النظر عن مسبباتها. وإذا عدنا إلى التاريخ نجد أن التزام الدولة بدفع التعويضات يهدف فقط إلى إزالة آثار نكبة أصابت المواطنين، فيعمد إلى التخفيف قدر الاستطاعة عن كاهلهم، من دون أي اعتبارات أخرى.
فعلى سبيل المثال، وبعد فيضان نهر أبو علي في 18 كانون الأول سنة 1955، تدخَّل المشترع فوراً وأصدر قانون 24 كانون الأول 1955 فتح بموجبه اعتماداً لتغطية نفقات إسعاف وإيواء المتضررين من هذه الفيضانات في منطقة لبنان الشمالي.
إضافة إلى ذلك، أنشئت مصلحة التعمير في التاسع من نيسان سنة 1956 إثر زلزال 16 آذار 1956 في لبنان. وهدف المشترع من إنشائها إلى تعمير القرى المنكوبة والمصابة، وإيواء المشردين والمعوزين من المناطق المنكوبة. ولا يزال اللبنانيون حتى اليوم يدفعون رسماً يسمى ضريبة التعمير.
وعلى أثر الحركة المسلحة التي قامت ضد الحكم عام 1958، والتي نجم عنها أضرار بالغة بممتلكات المواطنين، حرصت الحكومة على تعويض المتضررين، فأصدرت المرسوم الرقم 20131 تاريخ 13 آب سنة 1958 بإنشاء لجنة لقبول طلبات التعويض، وأعطي مجلس الوزراء الحق بتقرير التعويض لمن يتعذر عليه تقديم طلب إلى اللجنة لسبب معنوي أو قاهر. ويومها قضى مجلس الوزراء، بتعويض رئيس وزراء سابق (شخص متضرر واحد) بمبلغ خمسمئة ألف ليرة لبنانية (ما يوازي مليون دولار بعملة اليوم)، على أن يدفع له هذا المبلغ من أصل ثمن القمح الأميركي الذي كان معروضاً للبيع في عنابر وزارة الاقتصاد الوطني.
وبعد حوادث عام 1975 صدرت قوانين لمنح قروض ميسّرة للمحامين والتجار المتضررين بسبب هذه الأحداث، كما كُلِّف مجلس الإنماء والإعمار بإعطاء قروض للمؤسسات الصناعية والسياحية والاستشفائية المتضررة.
وبعد انتهاء الحرب الأهلية، أنشأ المشترع وزارة وصندوقاً للمهجرين، وكلِّفا دفع التعويضات المالية للمهجرين، ولم يتحدث أحد عن طائفة المستفيدين من كل هذه التعويضات.
وأحياناً، ومن دون حوادث، تدرك الدولة أنها أخطأت بحق مواطن فتعوِّض عليه نتيجة القرار الذي اتخذته، وهذه حالة صاحب كسارتين منحه القضاء تعويضاً قيمته ربع مليار دولار عن توقيف كسارتيه الاثنتين مدة زمنية قصيرة. وهذا التعويض الذي أقرّه القضاء لشخص واحد يوازي المبالغ التي قبضها آلاف المتضررين من العدوان الإسرائيلي.
نماذج التعويضات المذكورة دُفعت لمتضررين ينتمون إلى مختلف المناطق اللبنانية، ولم يُسمع اعتراض حول المستفيدين منها، باستثناء الحالة الأخيرة، ذلك أن من حق المواطن اللبناني على الدولة مساعدته إن احتاج إليها، ويقرر هذا الحق بالمساعدة مبدأ دستوري، هو مبدأ المساواة أمام الأعباء العامة.