«لحظة من فراغ». هي لحظة كشف طلاب المسرح في جامعة البلمند زياد نعمه، باتريسيا سرحان، وعبير فطايرجي ما نضمره في داخلنا من تناقضات. تتخطى فتاة في صراع مع نفسها واقع موت عشيقها. تعود كل ليلة إلى المنزل وتسترجع لحظات من الماضي متمنّية أن تراه أو تسمع صوته. هو حوار بين الموت والحياة، بين الإنسان وضميره، في لحظة من فراغ، لحظة غياب. كل ذلك في غرفة يملؤها الغبار والذكريات إلى أن تدقّ ساعة الرحيل وينتهي كل شيء. يعدّ هذا العمل المسرحي الذي أخرجه الطلاب أنفسهم دراما «الغياب»، يعيشها كل من بقي ليتحمّل لوحده ثقل الوحدة. إنه مأساة من يستمر حاضراً بعد ذهاب الآخر تاركاً فراغاً من ذكريات وبصمات. فـ«الفراغ» و«الغياب» هما في نهاية الأمر صراع داخلي، بل انفصام يمزّق الشخصية في العمق. وقد تمكّنت سرحان وفطايرجي من إبراز هذه الإشكالية الشيزوفرينية بلغة مسرحية من خلال لعبة المرآة حيث وقفت كل واحدة على جانب منها، فأتت حركة الواحدة تكراراً عكسياً ـــــ انعكاسياً ـــــ للثانية. فاعتقد الجمهور للوهلة الأولى أنه فعلاً أمام مرآة. الحوار داخلي، وتصارعي في آن. حتى إنّ دخول اللاعب الثالث، زياد نعمه، زاد من حدة هذا التحاور الصراعي، متفاعلاً مع واحدة دون الأخرى.ينتهي العرض بأغنية لفيروز «ما في حدا، لا تندهي، ما في حدا»، الذي أدّاه زياد نعمه ـــــ وهو المغني الأول في جوقة البلمند للغناء الشرقي ـــــ بطريقة خاصة متخلياً عن الأداء المتقن ما أضفى على الحالة الدرامية مأساوية خاصة.
قام بهذا العمل المسرحي الطلاب لوحدهم من دون توجيه ومراقبة من قبل أستاذ المسرح، ففجّروا كل طاقاتهم وخيالهم وإبداعهم المسرحي. ربما يعني هذا الأمر أن الطاقة المسرحية تكون أكثر ابتكاراً وصدقاً كلما ابتعدت عن الأطر المدرسية الكلاسيكية.
وكان هذا العرض عربون شكر وتقدير للدكتور شارل ديك الذي واكبهم خلال السنوات الماضية ووجّه طاقاتهم المسرحية تمثيلاً وإخراجاً، فأتى تقديرهم لأستاذهم، علامة تحرّر بقدر ما عبّر عن امتنانهم لكل ما
تعلّموه.