القدس المحتلة ــ نجوان درويش
يسعى كاهن رعية اللاتين في القدس، المصري إبراهيم فلتس إلى جمع شباب لبنانيين وفلسطينييـن وإسرائيلييـن للبحث في «حواجز الخـوف والكراهية» وبناء الجسور عبر مشاريع سلام
وفق معظم المعطيات المعروفة لا توجد حتى الآن أية مشاريع تطبيع للعلاقات بين لبنانيين وإسرائيليين، فالقانون اللبناني يجرّم تعامل مواطنيه مع أي جهة إسرائيلية، كما أن الرأي العام اللبناني كالرأي العام الشعبي العربي رفض فكرة التطبيع من أساسها. لكنّ الأخبار من إيطاليا تقول إنّ مشاريع لقاءات تجمع بين طلاب مدارس لبنانيين وإسرائيليين وفلسطينيين في إيطاليا ضمن «مشروع التربية على السلام». وقد نشرت صحيفة القدس الفلسطينية الفلسطينية خبراً بعنوان «وفود شبابية من فلسطين ولبنان وإسرائيل تختتم لقاءً في إيطاليا عن مفاهيم الديموقراطية وحقوق الإنسان». ومع الخبر صورة لـ«الحبر الأعظم خلال استقباله الوفد المشترك الفلسطيني اللبناني الإسرائيلي». وبحسب الخبر، فإن البابا بنيدكتوس السادس عشر «أكد أهمية هذه اللقاءات وبارك الجهود». المشاركون بحسب تصنيف البرنامج «خمسة شبان فلسطينيين وخمسة شبان من داخل الخط الأخضر وخمسة إسرائيليين ودروز وستة لبنانيين».
المبادر إلى هذا المشروع وراعيه هو «الأب إبراهيم فلتس كاهن رعية اللاتين في القدس»، وهو مصري الجنسية وقد برز اسمه في الإعلام قبل سنوات حين تصدر التغطية الإعلامية لحصار كنيسة المهد الشهير ودوره في الوساطة بين الجيش الإسرائيلي والمحاصرين داخل الكنيسة.
في حزيران الماضي منحت إيطاليا فلتس وسام «نجمة التضامن الإيطالية»، وقد سلمه إياها القنصل الإيطالي في القدس في حفل رسمي، مثنياً على الدور الذي يقوم به الأب إبراهيم فلتس في بناء الجسور ما بين إيطاليا والأرض المقدسة عبر مشاريع وبرامج السلام ما بين الفلسطينيين والإسرائيليين واللبنانيين التي ينفذها بالتعاون مع المؤسسات الإيطالية، من دون أن يوضح بالضبط علاقة «جسور إيطاليا بالأرض المقدسة»، مع جمع فتية لبنانيين وإسرائيليين وفلسطينيين.
هذه اللقاءات التي أسهمت في إحراز الأب فلتس سمعة واسعة بوصفه رجل سلام، حتى سمعنا أنّ البعض رشحه لجائزة نوبل للسلام، تنفصل عن الواقع وتتجاهل ما يحدث على الأرض بما يساوي بين الضحية والجلاّد. حين يُصوَّر الماضي كأنّه خطأ من الطرفين ويجري الحديث عن «حواجز الخوف والكراهية» وكأنه لا يوجد احتلال ولاجئون وإرهاب احتلالي لا يتوقف، كأن عدواناً لم يشن على لبنان.
«صناع السلام» يتحولون هنا إلى «خيميائيين» لا يعرف أحد كيف سيحوّلون الاحتلال إلى سلام. وعند مزج الدين بالأمر، تتحول أدبيات السلام إلى غيبيات! والمحرج في هذه اللقاءات هو زج رجال دين أنفسهم في نشاطات لا تعود بالنفع على قضايانا وتصب في النهاية في كرنفال السلام الذي تتحول فيه كل كلمة إلى نقيضها. في فلسطين ازدهرت صناعة مشاريع السلام مع اتفاقية أوسلو، وأهم ما تمخضت عنه هو ابتذال كلمة السلام وتحولها إلى مرادف للانصياع للرؤية الإسرائيلية للصراع. «طوبى لصانعي السلام» في المأثور المسيحي تبدأ بقول الحق أمام القوى الغاشمة وليس مجاملتها على حساب الضحية... أليس كذلك؟