عبدو سعد*
61% من اللبنانيين: لن يكون توافق على انتخاب رئيس
69% مع انتخاب رئيس مباشرة من الشعب
48% من المسيحيين وأكثرية وطنية يرشّحون عون للرئاسة
64% يؤيدون حكومة انتقالية برئاسة سليمان

أجرى مركز بيروت للأبحاث والمعلومات استطلاعاً للرأي عن الموضوعات السياسية الراهنة منها: إمكان التوافق بين الفرقاء اللبنانيين لانتخاب رئيس للجمهورية، انتخاب رئيس الجمهورية مباشرة من الشعب، المرشح المفضّل للرئاسة لدى اللبنانيين، وموضوعات أخرى. نُفِّذ الاستطلاع بين 22 و24 آب 2007، وشمل عيِّنة من 800 مستطلَع، واعتمدت منهجية إحصائية تلحظ التوزع الطائفي والمناطقي، بالإضافة إلى الفئات العمرية المختلفة من الجنسين

قراءة في نتائج الاستطلاع


يأتي الاستحقاق الرئاسي في ظل تصلّب حاد في المواقف لدى فريقي السلطة والمعارضة. فالمعارضة تتمسك بتأليف حكومة إنقاذ وطني قبل بدء البحث في الاستحقاق الرئاسي، والموالاة تصرّ على إجراء الانتخابات الرئاسية حتى لو اقتضى الأمر اعتماد النصف زائداً واحداً، ولا تبدي أي استعداد للنقاش الجدي في تأليف حكومة قبل الانتهاء من الاستحقاق الرئاسي.
وقد انعكست هذه المواقف السياسية المتشنجة على آراء المستطلَعين، فأبدت غالبية كبيرة من اللبنانيين عدم اعتقادها بإمكان التوافق بين الموالاة والمعارضة على انتخاب رئيس جديد للبلاد، كما أبدت غالبية كبيرة من مؤيدي المعارضة تشاؤمها من إمكان التوافق على الرئيس، في مقابل تفاؤل أكثرية من مؤيدي فريق 14 آذار.
ويبدو أن آراء المستطلَعين هذه انعكست على الإجابات عن السؤال المتعلق بانتخاب رئيس مباشرة من الشعب، إذ عبّر أكثر من ثلثي المستطلَعين عن تأييدهم لانتخاب الرئيس مباشرة من الشعب. وأظهر الاستطلاع أن الأكثرية الساحقة من مؤيدي المعارضة أيّدوا هذا الأمر، في مقابل أقلية لدى فريق السلطة، خصوصاً بين مؤيدي مسيحيي السلطة. ويُعتقد أن التأييد والتأييد المضاد مردّهما إلى أن اقتراح الانتخاب من الشعب أتى من النائب العماد ميشال عون. ولكن، على رغم ذلك، فإن غالبية سنّية كبيرة (64%) أيدت انتخاب الرئيس من الشعب، ويبدو أن ذلك سببه أن السنّة يُعدّون من المذاهب الكبيرة في لبنان التي سيكون لها رأي أساسي في انتخاب الرئيس. (في كل الدول ذات النظام الرئاسي أو شبه الرئاسي، يُنتخب الرئيس من الشعب، اما انتخاب الرئيس من البرلمان، فيُعتمد في الدول حيث صلاحيات الرئيس محدودة مثل ألمانيا وإيطاليا وتركيا وغيرها).
وكشفت نتائج الاستطلاع أن العماد عون أحرز تقدماً كبيراً على منافسيه، مقارنة مع آخر استطلاع أجراه مركز بيروت في شباط الماضي (نشر في «الأخبار» في 7/2/2007) حيث بلغت نسبة التأييد له آنذاك 34,4% من المسيحيين و39,3% من اللبنانيين كنسبة عامة. وبلغت نسبة التأييد التي حصل عليها عون في هذا الاستطلاع نحو 48% مسيحياً، و47% وطنياً، متقدماً على منافسيه مجتمعين، مسيحياً ووطنياً، وهي أعلى نسبة تأييد يحصل عليها منذ أكثر من ثلاث سنوات. وكانت أعلى نسبة حقّقها عون في استطلاع أجراه مركز بيروت ونشر في صحيفة السفير بتاريخ 3 آذار من عام 2006، حيث نال 46,4% عند المسيحيين و46,6% وطنياً. ويعتقد أن هذا التقدم يعود إلى أسباب عدة منها:
أولاً، حصر أسماء المتنافسين للرئاسة في الاستطلاع بالذين أعلنوا ترشحهم.
ثانياً، النسبة المنخفضة نسبياً (11%) للذين لم يحددوا مرشحهم المفضل للرئاسة.
ثالثاً، (وقد يكون الأهم) فوز مرشحه في الانتخابات الأخيرة في المتن، التي حازت تغطية إعلامية كبيرة جداً، خصوصاً عبر شاشة lbc، إذ تمكّن من إيصال خطابه إلى معظم البيوتات المسيحية، مركّزاً على شعار «الحفاظ على صلاحيات رئيس الجمهورية»، وتصوير الانتخابات بأنها استفتاء على خياراته السياسية. وكانت النتيجة كما هو معروف أن أكثر من 46% من المسيحيين (من غير الأرمن) في انتخابات المتن (الذي يعدّ الأكثر تنوّعاً سياسياً من بين جميع الأقضية ذات الأغلبية المسيحية) اقترعوا لمرشحه، على رغم الحملات القوية جداً التي شنّها خصومه السياسيون ضده. ويبدو أن المؤيدين المسيحيين للمعارضة، وحتى قسماً من المستقلين، رأوا أن نجاح عون في انتخابات المتن بمثابة انتصار واضح له، وهذا ساهم، على ما يبدو، في تعزيز نسبة تأييد المستطلَعين له كمرشح للرئاسة. (الجدير ذكره أن تراجع شعبية عون في قضاء المتن، كما أظهرت الانتخابات الأخيرة، اقتصر على التأييد الذي تلقّاه سابقاً من كتلة المستقلين، لكن هذا التراجع لم يُصِب كتلة التيار الذاتية، بل حصل تقدم على هذا الصعيد، كما بيّنت نتائج الاستطلاع الذي أجراه مركز بيروت قبل الانتخابات بيومين).
والملاحظ أن نسبة تأييد الشيعة لعون بلغت في هذا الاستطلاع نحو 87% (فقط) في مقابل تجييرهم نحو 98% من أصواتهم لمرشحه في انتخابات المتن الأخيرة. والفارق قد يعود إلى أن المرشحين المنافسين لعون يعدّون من المعتدلين في الفريق الآخر. واللافت أيضاً أن الشيعة أبدوا أعلى نسبة من الاهتمام بتسمية مرشح الرئاسة، إذ بلغت نسبة «لا أحد» حوالى 4% فقط، في مقابل حوالى 15% عند السنّة.
وتجدر الإشارة إلى أن النائبين، السابق نسيب لحود والحالي بطرس حرب، أحرزا تقدماً ملموساً عما كانا عليه في الاستطلاع الذي أجري في شباط الماضي، إذ تقدم لحود نحو عشر نقاط مئوية من 9.1 إلى 19.4، فيما تقدم حرب نحو ست نقاط مئوية من 12.3 إلى 18.4. ويُعزى هذا التقدم إلى السببين الأول والثاني المذكورين أعلاه (حصر أسماء المتنافسين، والنسبة المنخفضة للذين لم يحددوا مرشحهم المفضل).
وبيّنت نتائج الاستطلاع أنه في حال التوافق على مرشح محايد، فإن قائد الجيش العماد ميشال سليمان حصل على أعلى نسبة تأييد من بين الشخصيات التي لم تعلن ترشحها للرئاسة، وهي عموماً لا تنتمي إلى الموالاة أو المعارضة، إذ بلغت حوالى 42% من المستطلَعين، وذلك على رغم النسبة العالية نسبياً للذين لم يختاروا أياً من المرشحين المحددين في الاستمارة، وقد يكون مردّ هذه النسبة من التأييد إلى تعاطي الجيش المحايد مع التحركات الشعبية التي جرت منذ عام 2005، وبقائه بعيداً من النزاعات السياسية بين المعارضة والسلطة، إضافة إلى تقديمه تضحيات كبيرة في أحداث نهر البارد. وليس مستغرباً أن يحوز سليمان أعلى نسبة تأييد من الشيعة (حوالى 67%) الذين يبدون رضى عن دور الجيش سابقاً وحاضراً تجاه المقاومة، كما أنه ليس مستغرباً أيضاً نسبة التأييد الضئيلة نسبياً التي نالها عند الدروز والسنّة، خصوصاً بعد تصريحه الأخير الذي برّأ فيه الاستخبارات السورية من أي ارتباط بـ«فتح الإسلام».
وحلّ ثانياً حاكم مصرف لبنان رياض سلامة بنسبة عالية نسبياً بلغت حوالى 20%، فنال عند السنّة نسبة أعلى من تلك التي حصل عليها سليمان. وتُعزى نسبة التأييد العامة التي نالها إلى دوره في المحافظة على العملة المحلية، وإلى سمعته الدولية. وقد بلغت نسبة الذين لم يسمّوا أياً من المرشحين (لا أحد) عند الدروز حوالى 54%، وهي النسبة الأعلى بين الطوائف الأخرى، في مقابل حوالى 14% عند الشيعة.
(ملاحظة: حُصرت أسماء المرشحين المحايدين في الاستمارة فقط بالمرشحين الأربعة: سليمان وسلامة وجان عبيد وفارس بويز، إلا أن بعض المستطلَعين أصرّ على تسمية آخرين كدميانوس قطّار وجوزف طربيه، وكذلك من غير المحايدين كأمين الجميّل وسمير جعجع).
وكشف الاستطلاع أن نسبة عالية من المستطلَعين (حوالى 64%) أيّدت تأليف حكومة انتقالية برئاسة العماد سليمان، وأيّد الشيعة ذلك بأكثريتهم الساحقة (88%)، والمسيحيون بأغلبية كبيرة (63%)، وذلك لاعتبارات معروفة مفادها أن الشيعة هم الأكثر حماسةً لتأليف حكومة غير حكومة فؤاد السنيورة، وأن المسيحيين يخافون من تداعيات عدم انتخاب رئيس للجمهورية، ويفضّلون حكومة انتقالية يكون على رأسها مسيحي، حتى لا تذهب صلاحيات رئيس الجمهورية إلى جهة تسبب قلقاً لهم.
كذلك أظهرت نتائج الاستطلاع أن أكثر من 70% من اللبنانيين، يرفضون أن تُناط بحكومة السنيورة الحالية صلاحيات رئيس الجمهورية إذا تعذر انتخاب رئيس جديد للجمهورية. وكانت نسبة الرفض الأعلى بين الشيعة، حيث لامست الإجماع (95%)، وكذلك ظهر الرفض عند الأكثرية الساحقة من المسيحيين (81%). وتعود هاتان النسبتان إلى الأسباب المذكورة أعلاه. وفي المقابل، أيدت أغلبية كبيرة من السنّة والدروز أن تناط بحكومة السنيورة صلاحيات رئيس الجمهورية، وهذا أمر متوقّع.
التفاصيل
* مدير مركز بيروت للأبحاث والمعلومات