أنطوان سعد
منذ توقيع مذكرة التفاهم بين «التيار الوطني الحر» و«حزب الله»، تتساءل الأوساط المسيحية عما إذا كان العماد ميشال عون سيحظى، مقابل التغطية اللبنانية المهمة التي أمّنها للحزب، بدعم هذا الأخير وحلفائه في انتخابات رئاسة الجمهورية. وطوال هذه الفترة، كان أغلب ظن مختلف هذه الأوساط أن هذا التفاهم الذي بلغ حدود التحالف، وتخطاه في بعض الأحيان، لن يبلغ مطلقاً حد دعم «حزب الله» وحلفائه لوصول العماد عون إلى سدة الرئاسة الأولى، نظراً الى ما يفصل بينهما من اختلافات عميقة على المستويات الإيديولوجية والسياسية، والنظرة إلى لبنان ودوره الإقليمي وقدراته، وشكل الدولة فيه، إلى ما سوى ذلك من إشكاليات أساسية تجعل من هذا الترشيح أمراً مستبعداً.
وقد عزّزت هذا الانطباع المواقف الرمادية لقيادات الحزب حيال هذه المسألة. إذ أبعد التزام في هذا المجال لم يتعد حدود اعتبار رئيس تكتل التغيير والإصلاح «مرشحاً جدياً»، أكان ذلك إبان جلسات الحوار والتشاور، أو في المرحلة التي تلتها. وغني عن البيان أن هذه المواقف الرمادية، إضافة إلى تحالفات الحزب وارتباطاته مع إيران وسوريا، وتمسكه بالسلاح وببنيته القتالية، ومواقفه من مخيم نهر البارد وغيرها من القضايا، كلّفت «التيار الوطني الحر» ثمناً باهظاً، ظهرت فداحته في انتخابات نقابة الأطباء والانتخابات الفرعية في المتن الشمالي، التي كشفت عن تراجع كبير في الدعم الشعبي والنخبوي المسيحيين لخيارات الجنرال. وكان في إمكان الحزب أن يظهر بعض المراعاة للتيار في تشديده على مسائل حيوية مثل قوانين الانتخاب واللامركزية الإدارية الموسعة والتوازن في الإدارات والمؤسسات العامة.
مع اقتراب موعد الاستحقاق الرئاسي، أصبح السؤال ملحاً عن موقف «حزب الله» من ترشيح العماد عون خصوصاً أنه لم يعلن موقفاً واضحاً من هذه المسألة حتى الآن. وقد طرحت شخصية سياسية مسيحية مستقلة على بعض قيادات الحزب سؤالاً حول استعدادته للسير بالعماد عون مرشحاً عن المعارضة، وحول تمسكه بهذا الترشيح إن بدا أن ثمة صعوبة للتفاهم على اسمه مع «الأكثرية النيابية»، فجاء الجواب بأن الحزب متمسك بدعم هذه الترشيح إلى النهاية، وذلك للأسباب الثلاثة الآتية:
1ـــ الشعور العام لدى قيادات الحزب عموماً وأبناء الطائفة الشيعية خصوصاً بالجميل لرئيس تكتل التغيير والإصلاح لوقوفه، مع كوادر تياره، معهم خلال فترة العدوان الإسرائيلي الأخير على لبنان والذي استهدفهم بشكل خاص، وأيضاً في الفترة التي تلتها حين حاولت بعض القوى السياسية اللبنانية في فريق «الأكثرية» عزلهم سياسياً. فهذا الموقف الذي فاق توقعاتهم لا تجوز مقابلته بالتخلي في معركة انتخابات رئاسة الجمهورية.
2ـــ إن الإحجام عن دعم العماد عون في الاستحقاق الرئاسي سيؤدي إلى خصومة مع الجمهور المسيحي المؤيد لـ «التيار الوطني الحر» الذي لا يزال، باعتراف الجميع، القوة المسيحية الأولى من حيث التمثيل، وإن كان قد فقد جزءاً منه بسبب الأسباب المشار إليها آنفاً. وبالتالي في الفترة التي يعاني فيها الحزب من محاولة العزل ومن خصومة النسبة الكبرى من أبناء الطائفتين السنية والدرزية، ليس من الحكمة إضافة خصومة النسبة الكبرى من المسيحيين.
3ـــ ثمة حاجة وطنية لإعادة الدور المسيحي إلى فاعليته ليلعب دوراً مهماً في عملية التوازن ومنع الصدام بين السنة والشيعة، ولا مجال لاستعادة هذا الدور من دون إعادة تفعيل موقع الرئاسة الأولى. وتخشى هذه القيادات في «حزب الله» من أن يؤدي وصول رئيس ضعيف للجمهورية إلى انهيار هذا الموقع الذي من دونه لا إمكانية لاستعادة الدور المسيحي المنشود.
أما إذا بدا متعذراً التوافق بين المعارضة والموالاة على العماد عون كمرشح توافقي، فإن «حزب الله»، وفق ما نقلته الشخصية المسيحية المستقلة، لن يتخلى عن دعمه. وسيظل يبذل ما في وسعه إلى أن يبادر رئيس تكتل التغيير والإصلاح بنفسه إلى مفاتحة قيادة الحزب بوجوب البحث عن مرشح توافقي من أجل إنقاذ البلاد من الفراغ، وما يمكن أن ينجم عنه من فوضى وتداعيات خطيرة على العيش المشترك ومستقبل العلاقات بين الطوائف المكونة للبنان.
وفيما أكد مصدر مسؤول في «التيار الوطني الحر» لـ «الأخبار» أن عون قد تبلغ موقف «حزب الله» الداعم لترشيحه لرئاسة الجمهورية، تشير مصادر مطلعة أن موعد إعلان هذا الدعم لم يعد بعيداً وأنه ينتظر الظرف الأنسب لإعلانه.