بسام القنطار
مواقف منددة من الرئيسين السنيورة والحص وتوضيح من العريضي ولقاء لدعم المقاومة في نقابة الصحافة اليوم

حسناً فعلت منظمة «هيومن رايتس ووتش» حين اتخذت قراراً بإلغاء المؤتمر الصحفي الذي كانت قد اعتزمت عقده اليوم في فندق كراون بلازا في بيروت، لإطلاق التقرير المعنون «مدنيون تحت الهجوم: هجمات حزب الله الصاروخية على إسرائيل أثناء حرب 2006»، وهو تقرير من 128 صفحة ينتقد سلوك حزب الله أثناء حرب تموز 2006، وعلى الأخص «إطلاق الصواريخ عمداً وعشوائياً على المناطق المأهولة بالمدنيين في إسرائيل».
قرار إلغاء المؤتمر ليس ناتجاً فقط من الخطوة التي اتخذتها إدارة الفندق «لدى معرفتها بمضمونه». كان باستطاعة منظمة عالمية كمنظمة «هيومن رايتس ووتش» أن تحجز فندقاً آخر لعقد المؤتمر، كما أن جهات لبنانية عديدة كانت سترحب جداً في استضافة هذا الحدث والترويج له. لكن حجم ردود الفعل المستنكرة للخطوة، واعتبارها استفزازية، والتلويح بتظاهرة ضخمة أمام أي مقر سيعقد فيه المؤتمر، حدا المنظمة إلى أن تكتفي بإطلاق التقرير عبر موقعها الإلكتروني.
«لا أظن أن من المفيد أن يشعر الرأي العام اللبناني بأننا ألغينا عقد المؤتمر نتيجة الضغوط، أعتقد أن ما حدث سلط المزيد من الأضواء على التقرير، ونأمل أن يتعزز النقاش الموضوعي والهادئ حوله». بهذه العبارة تختصر سارة ليا ويتسن المديرة التنفيذية لقسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في هيومن رايتس ووتش موقف المنظمة مما حدث، وذلك أثناء زيارتها برفقة مدير مكتب بيروت في المنظمة نديم حوري إلى مبنى «الأخبار» لتسليم التقرير ولإجراء مقابلة ستنشر غداً.
مزيج من الغضب والقلق ارتسم على وجه ويتسن أثناء اللقاء، فهي من جهة تؤكد أن هذا التقرير هو واحد من سلسلة تقارير لهيومن رايتس ووتش عن التزام أطراف حرب 2006 بالقانون الإنساني الدولي. كما تعتزم هيومن رايتس ووتش في 6 أيلول المقبل إصدار تقرير ـــــ في القدس ـــــ ينتقد سلوك إسرائيل أثناء هجماتها على لبنان، وهو تقرير يأتي تتمة لتقرير صدر وقت الحرب بعنوان «الضربات القاتلة: هجمات إسرائيل العشوائية ضد المدنيين في لبنان».
ربما هو خطأ في التوقيت وفي المسار، إذ إن حجة ويتسن كانت ستكون أقوى بكثير لو كان مؤتمر اليوم معقوداً في فندق الملك داوود في القدس، وكانت الضغوط اللبنانية ستكون بدون شك أقل بكثير مقارنة مع السيل الكبير من النقد الذي ستواجهه المنظمة من المنظمات والهيئات الإسرائيلية والصهيونية حول العالم التي ما فتئت تتهم المنظمة بأنها معادية للسامية، وأنها منحازة وغير موضوعية. وتورد ويتسن مثالاً على ذلك مقتطفات صحفية، تقع في 33 صفحة، للهجمة التي تعرضت لها المنظمة بعدما أطلقت تقريرها الأولى عن حرب تموز في آب 2006.
ومن أبرز الشخصيات الأميركية والإسرائيلية التي شنت حملة على المنظمة، تعدد ويتسن: غيرالد شتاينبرغ، آلان دورشويتز، إيفي بل، جوناثن كوك، جاشوا مارفشاك وإبراهام فوكسمان وغيرهم.
ويتسن اتهمت حزب الله في بيان صحفي صدر أمس بأنه «يحاول إسكات الانتقاد الموجه لسلوكه أثناء حرب 2006»، وتابعت قائلة: «إلا أن عدالة تقاريرنا ودقتها تتحدثان عن نفسهما، سواء أعقدنا مؤتمراً صحفياً أم لا».
لكن مروحة المواقف المنددة والشاجبة لخطوة المنظمة بدءاً من المكتب الإعلامي لرئيس مجلس الوزراء فؤاد السنيورة وتوضيحات وزير الإعلام غازي العريضي والبيان الذي أصدره الرئيس سليم الحص، والخطوة القانونية التي اتخذتها المحامية مي الخنسا، وصولاً إلى الاجتماع الذي عقد في مقر الجمعية اللبنانية للأسرى والمحررين، وتقرر إثره عقد لقاء موسع في نقابة الصحافة اليوم جعل من الحدث قضية رأي عام بامتياز، لدرجة أن شركات الإعلان أرسلت استطلاع رأي عبر الـ SMS تحث الناس على الإجابة عن السؤال التالي: هل أنت مع عقد المؤتمر؟ أرسل نعم أو كلا.

موقف الرئيس السنيورة

المكتب الإعلامي في رئاسة مجلس الوزراء علق على التوصيات التي أصدرتها المنظمة، والتي طالبت الحكومة اللبنانية بالتحقيق مع أعضاء «حزب الله» وملاحقتهم قضائياً لارتكابهم ما سمّته جرائم حرب. وجاء في توضيح المكتب الإعلامي الملاحظات التالية: «أولاً: مع احترامنا للمنظمة الدولية ولطرق عملها، لكن صدور توصيات تطالب الحكومة اللبنانية بالتحقيق مع أعضاء في «حزب الله» لارتكابهم جرائم حرب لا يستند إلى أي أسس قانونية، وهو مطالبة غير مقبولة، ولم يكن من المفترض أن تصدر عن منظمة كهذه تحترم القوانين الدولية ويجب عليها أن تلتزم الحياد والموضوعية وعدم التسرع.
ثانياً: مع تقديرنا للمنظمة الدولية التي تدافع عن حقوق الإنسان، لكننا لم نر هذا الاندفاع تجاه الجرائم الإسرائيلية التي ارتكبت في حق المدنيين اللبنانيين.
ثالثاً: كنا ننتظر من المنظمة أن تبادر أولاً إلى إصدار تقريرها عن الجرائم الإسرائيلية وتطالب بمحاكمة إسرائيل على ارتكابها لجرائمها ومجازرها، لكن يبدو أن عين العدالة لدى المنظمة (...) كليلة ».

موقف الرئيس الحص

الرئيس سليم الحص رأى أن خطوة المنظمة «وقاحة فاجرة في أبشع صورها». وقال في بيان أصدره أمس: «إنهم يتناسون أن إسرائيل أساساً كيان عدواني إرهابي قام على تهجير وقتل مئات الألوف من الفلسطينيين، واحتلال بيوتهم وديارهم. وعجباً، إنهم لا يذكرون أن قتلى لبنان في حرب صيف عام 2006 تجاوزوا ألفاً ومئتين وجرحاه كانوا عشرات الألوف، وطاول التهجير أكثر من ربع الشعب اللبناني، ولا يذكرون أن أسر الجنديين الإسرائيليين ما كان إلا لمبادلتهما بأسرى لبنانيين مكتوب لهم أن يحتضروا في معتقلاتهم الصهيونية دون أن يسأل عنهم أحد، ولا سبيل لتحريرهم سوى بالمبادلة». أضاف: «ويتجاهل أدعياء حقوق الإنسان أن إسرائيل، بعد صدور القرار 1701 لوقف الحرب، ألقت ثلاثة ملايين ونصف مليون قنبلة عنقودية في جنوب لبنان لقتل الأبرياء». وأشار إلى «أن الرئيس السنيورة أحسن بالتعليق قائلاً: يرضى القتيل ولا يرضى القاتل».

نفي الوزير العريضي

إلى ذلك، نفى وزير الإعلام غازي العريضي الاتهامات التي طاولت وزارة الإعلام في شأن المؤتمر الصحافي لمنظمة «هيومن رايتس»، وقال في تصريح أمس: «وردني اتصال في الليل من السيد نديم حوري أحد أعضاء المنظمة وشرح لي شرحاً تفصيلياً أهدافها ودورها والاستعدادات لعقد مؤتمر أيضاً في إسرائيل وشرح كل وجهة نظر المنظمة، وجوابي كان واضحاً، هذه وجهة نظركم. الأمر لا يعنيني كوزارة إعلام لجهة هذا الموقف ولا يغير من اقتناعاتي السياسية، باستطاعتكم أن تعلنوا ما تشاؤون من توضيح حول هذه المسألة وهذا حق لكم، لكن أنا بالنسبة إلي أبني على المعطيات والوقائع وأقول رأيي في السياسة بناء عليها».

فرانكلن لامب: يجب أن يعتذروا

وفي تصريح خاص بـ«الأخبار»، أكد الباحث الأميركي فرانكلن لامب أن منظمة «هيومن رايتس ووتش» تجاهلت الكثير من الحقائق في تقريرها وأنه ناتج عن ضغوط وتهديدات كبيرة تعرضت لها المنظمة من قبل منظمة إيباك الصهيونية والعديد من الجمعيات اليهودية المتطرفة التي أطلقت تهديدات بتفجير مقر المنظمة في نيويورك. وأشار لامب إلى أن «الدافع الرئيسي لإطلاق هذا التقرير ناتج عن خوف المنظمة من توقف تدفق المساعدات الصهيونية إليها، إضافة إلى تحذير الحكومة الإسرائيلية من احتمال إغلاق مكتب المنظمة في تل أبيب». وختم لامب «إذا كانت فعلاً هذه هي الأسباب، فعلى المنظمة أن تسحب تقريرها وتعتذر».

دعوة المحامية الخنساء

وكانت المحامية مي الخنساء قد تقدمت صباح أمس من قاضي الأمور المستعجلة في بيروت «بطلب رجائي» رأت فيه أن «عقد المؤتمر سيؤدي إلى نتائج خطيرة منها: إضعاف الشعور القومي للبنانيين بشكل عام ودس الدسائس لدى العدو الصهيوني لمعاونته على فوز قواته على المقاومة اللبنانية». وطلبت من القاضي اتخاذ القرار الرجائي بأمر على عريضة لإثبات حالة المؤامرة وبالتالي اتخاذ قرار بوقف عقد المؤتمر وإبلاغ إدارة الفندق هذا القرار.
وبناء عليه، أصدر القاضي فادي النشار قراراً بتكليف كاتب المحكمة إبلاغ نسخة من المستدعى بوجههم لإبداء الملاحظات خلال مهلة ست ساعات، ولقد توجه الكاتب إلى فندق كراون بلازا، لكن إدارة الفندق أبلغته أن النزلاء من أعضاء المنظمة المذكورة قد أخلوا الفندق وأن الإدارة اتخذت قراراً بإلغاء عقد المؤتمر.

لقاء في نقابة الصحافة اليوم

واستنكاراً لخطوة المنظمة، دعت الهيئات الشبابية والمنظمات الأهلية والحزبية للمشاركة في «اللقاء التضامني الوطني لدعم حق المقاومة المشروع بالدفاع عن أهلها وشعبها»، وذلك اليوم عند الساعة الحادية عشرة صباحاً في نقابة الصحافة اللبنانية. الدعوة التي تبنتها الأحزاب والقوى والمنظمات الشبابية وهيئات ومنظمات المجتمع المدني جاءت عقب لقاء عقد في مقر الجمعية اللبنانية للأسرى والمحررين حيث صدر عن الاجتماع بيان تلاه رئيس الجمعية الشيخ عطا الله حمود أشار فيه إلى أن «خطوة منظمة هيومن رايتس ووتش ليست الأولى منذ وقف العدوان في 14 آب 2006، فلقد سبقها وللأسف الشديد خطوات شبيهة من بعض الجهات السياسية اللبنانية التي تتلطى في إطار جمعيات تدعي الدفاع عن حقوق الإنسان ، ولقد أصدرت هذه الجهات تقاريرها، لا بل تجرأ بعض أعضائها أن يلتقي بالصهاينة في جنيف ليقدم شهادته ضد المقاومة اللبنانية وبحضور حاخام يهودي ورئيس بلدية مستوطنة صهيونية. لكن الجديد اليوم هو أن تتجرأ هذه المنظمة في وضح النهار وتحت رحاب وطننا الحبيب لبنان، وتعلن بكل وقاحة وصلافة أنها تريد أن تعلن تقريرها عن انتهاكات المقاومة لحقوق الإنسان».
وتابع البيان: «ها هم أسرانا الأحباء ينتظرون أن تقال كلمة حق في اعتقالهم غير المشروع وفي إصرار قوات الاحتلال على الاحتفاظ بهم رهائن لأغراض المساومة والمقايضة».
وأضاف البيان: «إن شعبنا الأبي الذي واجه الاحتلال وصمد في وجه أعتى عدوان ينتظر أن توثق منظمات حقوق الإنسان تقاعس الحكومة الفاقدة للشرعية عن تلبية احتياجاته العاجلة في المأوى والمسكن وفي التأكيد على تطبيق حقوق الإنسان في عملية إعادة التأهيل والأعمار».