أنطوان سعد
تبذل القوى المسيحية في فريق الرابع عشر من آذار أكبر الجهود من أجل الحفاظ على تماسكها مع اقتراب موعد الاستحقاق الرئاسي بعدما تمكّنت من صيانته والمحافظة عليه منذ فترة طويلة نسبياً تمتد منذ ما قبل النداء الأول للمطارنة الموارنة في أيلول سنة 2000. وباستثناء الاحتكاكات التي حصلت بينها إبان الانتخابات الفرعية في المتن الشمالي سنة 2002، واجهت هذه القوى مجتمعة الاستحقاقات الخطيرة التي عرفها لبنان في السنوات والأشهر الأخيرة، بالتنسيق في بعض الأحيان مع «التيار الوطني الحر» الذي كان دائماً شديد الحرص على استقلاليته.
غير أن هذا التماسك اليوم مهدد نتيجة إصرار رئيس تيار «المستقبل» النائب سعد الدين الحريري ورئيس «الحزب التقدمي الاشتراكي» النائب وليد جنبلاط حتى الآن على عدم التدخل لحسم هوية مرشح الأكثرية للانتخابات الرئاسية، وبسبب تأخر القوى المسيحية في «الأكثرية» عن تحديد الآلية التي ستتّبعها في عملية التوصل إلى مرشح واحد تخوض به الانتخابات. وثمة من يعتقد أن التأخير مقصود ريثما يتّضح ما إذا كانت الانتخابات ستُجري بنصاب الثلثين أو بالأكثرية المطلقة، باعتبار أن مواصفات المرشح ينبغي أن تختلف بين الحالتين. إذ إن إجراء الانتخابات بغير نصاب الثلثين يقلص كثيراً خيارات الموالاة إن لم يحصرها بمرشح واحد لأن المرشحين العاديين المطروحين في كل انتخابات لا يبدون متحمسين لهذه المغامرة وقد لا يكونون قادرين عليها.
وفي متابعة لتطورات الأيام الأخيرة، يبدو أن توالي المحطات يقابله تقليص لعدد المرشحين. فلقاء معراب، الأسبوع الماضي، كما قال النائب فؤاد السعد لـ«الأخبار» «لا يجوز فصله عن نغمة الجماعة التي كانت تكوّن «لقاء قرنة شهوان» القائلة لا نقبل بمرشح ينتمي إلى كتلة نيابية يرأسها محمدي أو درزي، بما يعنيه ذلك من تحييد بعض الأسماء المطروحة عن السباق إلى الرئاسة الأولى».
وفي ظل التصعيد الكلامي الحاصل، يضيق النطاق الذي سيخرج منه مرشح الموالاة شيئاً فشيئاً لتقفل الدائرة تاركة خارجها الأسماء التي على غرار النائب بطرس حرب لا تظهر حماسة لخوض مواجهة قاسية مجهولة التداعيات مع المعارضة الرافضة لانتخاب مرشح من الأكثرية.
وفي وصفه للحال التي وصلت إليها الموالاة في مسألة اختيار مرشحها، قال السعد: «نحن أكثرية مبعثرة غير متفقة على مرشح واحد، عندما يطرح اسم سيلعب المرشحون الآخرون لقطع الطريق عليه. في المقابل، فريق الأقلية موحّد اليوم حول اسم العماد ميشال عون، لكنه غداً سيتوحّد حول أي اسم تقترحه سوريا، أكان عون أو غيره». ويرى نائب عاليه أنه «حتى هذه الساعة لا يمكن اختيار مرشح الموالاة لأن الوقت لا يزال باكراً ولا قدرة على تحديد هويته اليوم. إن الاتفاق داخل إطار الأكثرية على مرشح سيتأثر حكماً بالظروف ومجريات الحياة السياسية اللبنانية في لحظة الانتخابات وسيرتبط ارتباطاً وثيقاً بالمعطيات التي ستكون سائدة في ذلك الحين. وأعتقد إذذاك أن لا الأكثرية ستظلّ متماسكة ولا الأقلية».
وفي إطار الحديث عن انتخاب رئيس الجمهورية بالأكثرية المطلقة، أكد نائب عاليه أنه سيشارك في جلسة الانتخاب حتى لو لم يتوافر الثلثان «بكل اقتناع وبضمير مرتاح لأننا لا نستطيع أن نستمر على قاعدة أننا أمّ الصبي ونتركه لهم كما في كل مرة. وقضية النصاب ليست قضية مزاج بل انصياع لأحكام الدستور الذي لم يحدّد في المادة 49 نصاباً مميزاً وبالتالي يفترض اتّباع النصاب المحدد لاجتماعات مجلس النواب العادية وفق ما نصت عليه المادة 34 من الدستور. فضلاً عن أن الدساتير لا توضع لكي توصل الأوطان إلى حائط مسدود أو إلى تحكّم الأقلية بالأكثرية. حتى لو سلّمنا جدلاً أن المادة 49 أتت غير مكتملة لأنها لم تحدد نصاباً مميزاً لجلسة الانتخاب، غير أن من الواجب تطبيقها كما هي الآن على أن تُعدّل في المستقبل ولا مانع عندي من أن تنص صراحة على ضرورة التئام الثلثين».
وفيما يصف السعد سيناريوهات قيام حكومتين وحكومة العسكريين وبقاء الرئيس إميل لحود في بعبدا «بضروب الجنون والغباء السياسي»، لا يخفي قلقه من أن تؤدي إلى تعميق الهوّة بين الفرقاء اللبنانيين وصولاً إلى تقسيم البلد إلى قسمين. من كان يتصور أن العراق سينقسم إلى ثلاثة أقسام كما هو الآن؟».