عرفات حجازي
«الأفق السياسي للقضية اللبنانية لم يصل إلى مرحلة الانسداد بعد، وهناك جهود أخرى سبذلها على المستويات اللبنانية والإقليمية والدولية»، هذا ما أعلنه الأمين العام للجامعة العربية عمرو موسى. واضح من كلام الرجل أنه ما زال متمسكاً بنظرية مبنى أزمة الطبقات الأربع للمعالجة، وهناك استحالة في الفصل بينها. من هنا فإن عودته لاستئناف مبادرته العربية مرهونة بأمرين: الأول تغيير في مواقف القيادات اللبنانية من خلال مساعٍ أوكل القيام بها إلى النائب ميشال المر، والأرجح أن لا يطرأ أي تعديل عليها، لأن طرفي النزاع ينتظران ما ستؤدي إليه لقاءاته واتصالاته العربية والإقليمية والدولية بعد أن اصطدمت مهمته بعقدة صعبة في بيروت هي ظل للعقدة الأصلية في العواصم الإقليمية والدولية، بحيث بات من المتعذر معاودة المبادرة في الإطار نفسه، لأنها ليست ضماناً للتوصل إلى نتائج مختلفة، لذا فهو يبحث في العواصم الخارجية عن الإطار الممكن للفصل الجديد من مهمته التي تحتاج إلى تفاهم عربي وإقليمي ودولي، وهو أنهى حتى الآن جزءاً من اتصالات بلقاءات عقدها مع مسؤولين دوليين وفرنسيين وأميركيين في العاصمة الفرنسية، ويخطط حالياً لزيارة كل من سوريا وإيران كي يبني على نتائج هذه المشاورات الموقف الذي عليه اتخاذه، فإما أن يمضي في مبادرته معتمداً على أجواء مشجعة، وإما أن يتوقف عن متابعة مساعيه إذا لم يتوصل مع أصحاب الحل والربط من غير اللبنانيين إلى اتفاق على رؤية واضحة لحل الأزمة اللبنانية. وما زال البعض في لبنان على اعتقاده بأن مفتاح الحل هو بعودة الحرارة إلى الاتصالات السعودية السورية التي توقفت منذ قمة الرياض لأنها وحدها الكفيلة برسم الإطار الصحيح للمعالجة. فالقمة التي عقدت بين الملك عبد الله والرئيس الأسد لم تحصل متابعة مفترضة لها لأسباب بعضها معلن وبعضها غير معلن، على رغم أن الرئيس السوري وجه دعوة الى وزير الخارجية السعودي لزيارة دمشق، وكرر وزير خارجيته وليد المعلم هذه الدعوة لدى اجتماعه على هامش اجتماع وزراء الخارجية العرب أخيراً في القاهرة. وترددت معلومات مؤكدة أن الفيصل سيزور طهران لاستكمال التشاور في شأن لبنان في ظل تعثر المبادرة العربية، وستحاول طهران وفق مصادر مطلعة أن تقنع الفيصل بزيارة سوريا لما ستتركه هذه الزيارة من انعكاسات إيجابية على أطراف الصراع في لبنان حيث للبلدين صداقات وتحالفات أساسية يمكن أن تتأثر بتفاهمهما ومقاربتهما للحلول التي باتت مستحيلة في ظل أوضاع سياسية وأمنية متفجرة واقترابهما من لحظة الخيارات الصعبة والحاسمة.
صحيح أن القوى السياسية المتصارعة توحي من خلال مواقفها بإبقاء نافذة الأمل مفتوحة أمام التفاهم والتسويات، لكنها في الخفاء تعمل على تجميع الأوراق وتحصين المواقع استعداداً للمواجهة عشية انطلاق العد العكسي في هذا الشهر الذي ينظر إليه الجميع على أنه مساحة زمنية سياسية فاصلة بين بداية الانفراج أو بداية الانفجار.
فالموالاة، مستفيدة من الدعم الخارجي الذي حصده رئيس الحكومة فؤاد السنيورة من جولاته الخارجية، ترى أن بقاء الحكومة بات محسوماً إلى ما بعد الاستحقاق الرئاسي، وبالتالي فهي تتحاشى الانخراط في عملية الوفاق وتتهرب من مقتضيات ولوج بابه وتعتقد بأن الغطاء الدولي للحكومة وبقائها والحصول على تأييد مسبق للخطوة التي تخطط لها بانتخاب رئيس جديد للجمهورية وفق صيغة أكثرية النصف زائداً واحداً قفزاً فوق الدستور ونصوصه والأعراف يشكل رصيداً لتغطية خياراتها وما تخطط له للمستقبل. وإذ تقلل الأكثرية من أهمية تلويح المعارضة بورقة الحكومة الثانية وتراها بمثابة عمل انتحاري، ومن باب التهويل ترى المعارضة أن الأكثرية في سياستها المستندة إلى الاحتضان الدولي والارتباط بالمشاريع الخارجية تدخل البلد في نفق مظلم وتضعها أمام خيارات صعبة، وهي لا تسقط من حسابها احتمال الحكومتين، وإن كان أحد أقطابها الأساسيين، الرئيس بري، يرى أن من السابق لأوانه الدخول في لعبة تشكيل حكومة ثانية، محذراً من أن إمعان الفريق الآخر في خرق الدستور وارتكابه المعصية الكبرى بانتخاب رئيس للجمهورية بمعزل عن المعارضة سيرتب على الآخرين المعاملة بالمثل وسيتحملون هم مسؤولية أخذ البلد إلى الانقسام والفوضى.
إلا أن رئيس المجلس ما زال متمسكاً بتأليف حكومة وحدة وطنية، والتفاهم عليها يشكل الممر الإلزامي للدخول في انتخابات رئاسية من خلال التوافق الذي لا يزال مفتوحاً ولم يقفل لمصلحة الخيارات المؤلمة والقاتلة.
وحتى الرئيس العماد إميل لحود اعترف أخيراً بأن تشكيل حكومة ثانية يؤدي إلى التقسيم، لكنه استدرك قائلاً إن بقاء الحكومة الحالية بدعم أميركي أوروبي يجرنا إلى وضع أسوأ، مشيراً بدوره إلى أن حكومة الوحدة الوطنية وحدها هي الحل، وإذا تعذرت، فإنه يملك الخيار الذي يتيحه له الدستور من دون أن يكشف عن طبيعته.
ومن غير المؤمل أن تنتج حركة المشاورات السياسية الدائرة في أكثر من عاصمة عربية ودولية وإقليمية ما يفتح الطريق أمام تسوية، ولو مؤقتة، وخصوصاً في ظل انهيار العمل العربي المشترك وتراجع دور الجامعة العربية وقدرتها على احتواء النزاعات والأزمات العربية، سواء في العراق أو فلسطين أو في لبنان والخوف أن يكون ظهور العجز والانكشاف العربي أمنياً وسياسياً مدخلاً إلى التدويل، ومن هنا مطالبة القوى السياسية بوقفة جادة لمنع الانهيار وفهم المخاطر المحدقة بلبنان والتبصر بما آلت إليه الأوضاع في العراق وغزة.