strong>طارق ترشيشي
توقّفت أوساط المعارضة طويلاً عند الصورة التاريخية التي ظهر فيها رئيس الهيئة التنفيذية في «القوات اللبنانية» سمير جعجع وهو يقبل يد الزعيم الروحي لطائفة الموحدين الدروز الشيخ أبو محمد جواد ولي الدين، الذي يُعدّ فوق الخصام السياسي داخل الطائفة وخارجها، ووجدت فيها محاولة لمحو ما كانت قد ارتكبته «القوات» من قتل وتدمير ضد أهالي الجبل، في مقابل إعلان مسامحة لرئيس «اللقاء الديموقراطي» ورئيس الحزب التقدمي الاشتراكي النائب وليد جنبلاط عما كان قد ارتكبه من تهجير للمسيحيين من الجبل خلال الحرب الماضية.
وترى هذه الأوساط أنه بعد هذه «الزيارة الروحية» انتقل جعجع في زيارة عائلية وسياسية الى قصر المختارة، ليؤكد حلفه السياسي مع «عدو الأمس» جنبلاط، لأن الظروف السياسية تحتّم وحدة الصف داخل قوى 14 آذار ليصمد تحالف قريطم ـــــ المختارة ـــــ بزمار، بعدما بدأت تتهاوى الأعمدة التي كانت ترغب في الوصول الى سدة رئاسة الجمهورية مقابل انضمامها الى هذه الجبهة، أمثال النائب بطرس حرب وغيره ممن سيغادرون نادي 14 آذار.
ويفيد بعض المصادر المعارضة أن تحرك جعجع في اتجاه موضوع رئاسة الجمهورية يمكن أن يكون تحركاً تكتيكياً غايته «التوازن في التطرف» مع المعارضة التي تطرح تأليف حكومة ثانية، فتشهر الموالاة في وجهها مسألة انتخاب جعجع رئيساً للجمهورية بأكثريتها النيابية، اعتقاداً منها بأن ذلك سيدفعها (أي المعارضة) الى الانكفاء للقبول بأي شخصية سياسية غير جعجع.
واذا ما استكملت الموالاة تجاوزها للدستور معتمدة على الفيتامين الخارجي، حسبما صرح الوزير مروان حمادة، بعد زيارة رئيس الحكومة فؤاد السنيورة الأخيرة لباريس وجولته الأوروبية والعربية، وبعد «نزوح» نواب الأكثرية وسفرهم الى الخارج تحت عنوان «حفظ سلامتهم الشخصية وادّخارهم لتمرير الاستحقاق الرئاسي»، فإن بعض المعلومات يفيد أن السيناريو المهيأ لانتخابات رئاسة الجمهورية هو أن يعمد مجلس الأمن الدولي الى إصدار قرار يؤكد فيه اعترافه ورعايته لإجراء الانتخابات الرئاسية خارج الأراضي اللبنانية، أو في مقر قيادة القوات الدولية (اليونيفيل) في الناقورة، لظروف أمنية معتمدين على ثلاث سوابق في انتخاب الرئيسين الراحلين الياس سركيس والياس الهراوي في فندق «بارك اوتيل» في شتورة، والرئيس الراحل رينيه معوض في مطار القليعات تحت عنوان «الضرورات تبيح المحظورات»، وأن حفظ رئاسة الجمهورية وعدم حصول فراغ رئاسي يحتم أن تجرى هذه الانتخابات خارج العاصمة أو خارج مقر المجلس.
وترى أوساط المعارضة أنه بعد التجاوزات وخرق الدستور في لبنان منذ أكثر من سبعة أشهر بعد استقالة الوزراء الشيعة، وبعد تمنّع رئيس الجمهورية عن ترؤس جلسات مجلس الوزراء، وبعد الخرق الفاضح في مسألة المحكمة الدولية وإقرارها في مجلس الأمن تحت الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة، وبعد الفضيحة القانونية في مسألة عرقلة إطلاق الضباط الأربعة بعدما أجاز المحقق الدولي سيرج براميريتس للقضاء اللبناني إطلاقهم لعدم ثبوت أي دليل جرمي ضدهم. بعد كل هذا ليس مستغرباً أن تعمد الإدارة الأميركية الى سلوك هذا «الاتجاه التدميري» معتمدةً على تجربة رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس وقراراته التي تجاوزت الدستور الفلسطيني والمجلس التشريعي المنتخب ديموقراطياً، وبعدما تجاوزت هي نفسها شرعة حقوق الإنسان والنظم الديموقراطية وحق الناس في الرأي السياسي الحر من خلال قرارها بمنع بعض الشخصيات اللبنانية من دخول الأراضي الأميركية بتهمة «زعزعة» استقرار حكومة الرئيس فؤاد السنيورة «بما تمثّل من مرتكز يغطي ويُسهل المشروع الأميركي في لبنان والمنطقة».
وتقول الأوساط نفسها إن المعارضة ترى في ضوء هذا الواقع أن «الأميركي يخطط والأدوات تنفذ»، لكنها «في المرصاد»، وترى أنه «كما سقط المشروع الشرق أوسطي في تموز 2006، سيسقط هذا المشروع المتعدد الرؤوس قبل نهاية السنة، وسيرحل ممثلوه في لبنان كما رحل آباؤه جاك شيراك وتوني بلير وعمير بيرتس ودان حالوتس»، كما سيرحل الرئيس الأميركي جورج بوش «الأب الروحي» لهذا المشروع ، «وستبقى رئاسة الجمهورية حلماً عند البعض ولن تكون حتماً».