صيدا ـ خالد الغربي
يتثاقل الفلسطيني أبو محمد بمشيته، يتكأ تارة على عكازه، وطوراً يمسك بعمود كهربائي، وبدا كمن يدير ظهره لتلك الشعارات الفلسطينية المتنوعة للفصائل وبألوانها المتعددة على «جدار» عند مدخل مخيم عين الحلوة، ويرد على سؤال عن مدى اقتناعه بالإعلان عن حل ما يسمى «جند الشام»، فيجيب هذا الفلسطيني العتيق الذي يعتمر الكوفية بإجابة تدل على «خضرمته» في معايشة الأحداث: «المياه يا عمي بتكذب الغطاس وخللي الوقت يحكم على الأمور»، وعندها «يتبين الخيط الأبيض من الخيط الأسود»، فإما أن تكون الخطوة حقيقية أو مجرد دعاية إعلامية.
فقد شُغلت الأوساط اللبنانية والفلسطينية على حد سواء بالتصريح الذي أدلى به للإعلاميين الناطق الإعلامي باسم «عصبة الأنصار الإسلامية» أبو شريف عقل، وفيه أنه لم يعد هناك من وجود لما يسمى «جند الشام» وأن هذه المجموعة حُلَّت وعناصرها وضعوا تحت أمرة القوى الإسلامية، وهذه التسمية ليست موجودة منذ سنوات وكل ما هناك أنهم مجموعة من الشباب يتراوح عددهم بين ثلاثين وخمسين عنصراً، لكنهم لم يعودوا يشكلون تنظيماً، كما قال عقل، مضيفاً: إن ما تعرض له الجيش قبل أيام من اعتداء بالقنابل بالقرب من مخيم الطوارئ مدان ومستنكر، لكن التحقيقات مع «أخوين» حول هذا الحادث قالا إنهما بريئان، ونريد أن نعرف من قام بالعمل لسببين: الأول أن لا يتحول هؤلاء إلى «شماعة» وإلصاق التهم بهم، وثانياً كشف من يريد العبث بأمن المنطقة وإشعال أتون فتنة.
وتوقيت إعلان حل جند الشام جاء في وقت يدور فيه السجال السياسي في مدينة صيدا حول جهات لبنانية تقوم بدعم عناصر «جند الشام». وجند الشام كان قد أعلن تأسيسها قبل أعوام على يد «الأمير» أبو يوسف شرقية الوافد من نهر البارد قبل أن يعلن تخليه عن مسؤولياته أميراً للجند وحلها بعد أشهر معدودة من إعلانها باندماج مجموعات وعناصر أصولية متنوعة.
وسجل جند الشام الأمني حافل على مدى السنوات السابقة، حيث خاضت هذه المجموعة عدة اشتباكات متفرقة مع فصائل فلسطينية، منها حركة فتح، ومع الجيش اللبناني، وأهالي حي التعمير الذي دخل الجيش اللبناني القسم الأكبر منه في كانون الثاني الماضي، لتنكفئ هذه المجموعة إلى مخيم الطوارئ والربع الخالي. لكن الأبرز كان الاشتباك الذي وقع مطلع الشهر الماضي حيث جرت معركة عنيفة بين الجيش والجند على خلفية معارك نهر البارد لتنتهي بانتشار قوة أمنية إسلامية فلسطينية.
والمعروف أن «عصبة الأنصار الإسلامية» شكلت على الدوام القوة التي «تمون» على تلك المجموعات من جند الشام، وأواخر الأسبوع المنصرم أوقفت عصبة الأنصار اثنين من جند الشام اتهما بإلقاء قنبلتين على نقطة للجيش في التعمير، حيث سارعت العصبة إلى الرمي بثقلها لمنع تطور الأمور. وما سرّع بإعلان أبو شريف عقل «أنه لم يعد هناك من وجود لجند الشام» قد يكون مرتبطاً أيضاً بقيامهم أخيراً برفع متاريس ودشم في قبالة دشم أقامتها حركة فتح، ما أحدث قلقاً لدى السكان الذين نزحوا من المنطقة. وقامت عناصر مسلحة بإشراف القوى الإسلامية بإزالة هذه المتاريس عصر السبت، لتتبدل صورة هذه المتاريس من مسرح محتمل لمواجهة ما إلى مسرح للهو الأطفال الذين راحوا يلعبون على أطلال الدشم المبعثرة، وبين هذه الدشم المبعثرة واحدة تستظلها رسمة بخط اليد للقدس وبجوارها أسما عمر بن الخطاب وأسامة بن لادن.
أحد عناصر جند الشام السابقين صالح أبو السعيد قال: «تم اعتقال شقيقي يحيى وصديق له على خلفية إلقاء قنابل على الجيش، وأؤكد أنهما ليسا من قام بهذا العمل». وفي جولة على بعض أحياء التعمير التي عادة ما كان «الجنديون» ينتشرون فيها بأسلحتهم، تبين أنهم «خارج الظهور والسمع»، ولم يظهر أحد منهم، لكن أبناء التعمير يبقون، بالنظر إلى تجارب سابقة عاشوها، على خوفهم وينتظرون أن يكون الحل حقيقياً، وأن لا يكون اسم جديد يُفَصَّل على هذه المجموعة وعندها يكونون أمام «تعددت الأسماء والجهة واحدة»، اللهم إلا إذا قرر من يعنيهم الأمر الانتهاء من «خدمة» هؤلاء و«تسريحهم».