طارق ترشيشي
تتناقض المعلومات في ما يدور في الكواليس من بحث في سبل إنهاء الأزمة بين «الأكثرية» والمعارضة، فيما يبدو أن عامل الوقت يؤدي دوراً دافعاً لأصحاب المساعي الحميدة من أجل التوصل إلى حلول قبل موعد الاستحقاق الرئاسي في 23 أيلول المقبل.
وعلى رغم كل المساعي الجارية، فإن صورة مستقبل الوضع تبدو سوداوية، أو رمادية على الاقل، لأن كلا الفريقين يخوض معركته على أساس أنها «معركة وجود»، وخصوصاً أن التطورات المقبلة في لبنان والمنطقة تشير إلى أن الأطراف الإقليمية والدولية تخوض هي الأُخرى معركة وجود من كابول إلى دارفور. وبديهي القول إن مجمل هذه المعارك ستنتهي بأحد أمرين: انتصار أطراف على أطراف أخرى، أو حصول تسويات بين مجمل هذه الأطراف، تكون بديلاً من الحروب.
ويقول قطب سياسي إن مصير لبنان والمنطقة في المرحلة المقبلة متوقف على ما سيؤول إليه «الصراع» الدائر في الإدارة الأميركية بين فريق متشدد يقوده نائب الرئيس ديك تشيني ويدعو إلى استكمال مشروع «الفوضى الخلاقة» القائم على شن الحروب على سوريا وإيران وكل قوى الممانعة الحليفة لهما، وفريق يدعو إلى اعتماد سياسة الاحتواء للأزمات القائمة في المنطقة عبر الدخول في تسويات بين أطرافها. ويشير القطب إلى أن كلا الفريقين قوي، وهذا الأمر يحول دون الخروج بتوقعات محددة لمستقبل الأوضاع
الإقليمية.
وفي انتظار توافر الظروف الملائمة لجلوس الأطراف المتنازعين إلى طاولة التفاوض والبحث في مشاريع التسوية، فإن الولايات المتحدة، تحديداً، تسعى إلى تعزيز أوراقها التفاوضية، وهي تشعر بأنها إذا حققت مكاسب في لبنان فسيكون في إمكانها أن تمنن النفس بنجاح ما يغطي الفشل الذريع الذي أصاب مشروعها الشرق أوسطي في أفغانستان عام 2002 وفي العراق عام 2003 وفي فلسطين عام 2006 عندما فازت «حماس» في الانتخابات التشريعية وتولت رئاسة الحكومة الفلسطينية بغالبية وزارية، وفي لبنان عام 2006 عندما فشل العدوان الإسرائيلي في إنهاء المقاومة.
وتعتقد الإدارة الأميركية بأن مناسبة الاستحقاق الرئاسي اللبناني يمكن أن توفر لها فرصة لتحقيق انتصار سياسي، لذا فإنها تضع كل ثقلها للنفاذ برئيس جمهورية جديد يكون مطواعاً لمشروعها الشرق أوسطي الذي تريد للبنان أن يكون من ركائزه البارزة. وقيل في هذا المجال إنها لا تريد أن يكون الرئيس اللبناني الجديد بعيداً عن فريقي الموالاة والمعارضة، بمعنى أنها لا تريده أن يكون من فريق 14 آذار ولا من فريق 8 آذار، ولا ضير في أن يكون على مسافة واحدة من الفريقين شرط أن يكون ذا مضمون أميركي. كما قيل إن واشنطن استبعدت حتى الآن أسماء خمسة مرشحين رئاسيين جديين، بحجة أن بعضهم ضعيف الشخصية السياسية، والبعض الآخر غير قادر على الخروج من خيارات والتزامات قطعها مع أطراف سياسية داخلية متحالفة معه، وبعض ثالث لم ينجز بعد اختباراً يخضع له الآن، وتفترض واشنطن أن ينتهي هذا الاختبار باكتساب هذا البعض تأييداً شعبياً واسعاً يزكي
ترشيحه.
وفي انتظار الوصول إلى موعد الاستحقاق الرئاسي، فإن اللافت كان الحديث الذي تجدد أخيراً عن التسويات، مترافقاً مع بعض الخطوات الميدانية التي حملت دلالات كثيرة على سيناريوات، فبينما تحدث رئيس اللقاء الديموقراطي النائب وليد جنبلاط عن تسوية داخلية محتملة، متراجعاً عن شعار «يا قاتل يا مقتول» الذي كان قد أطلقه أخيراً، أعلنت منظمة «جند الشام» حل نفسها شكلياً في مخيم عين الحلوة لينضوي نصف عناصرها الخمسين تحت لواء «عصبة الأنصار»، ويذهب النصف الآخر «إلى بيوتهم». وبدا أن هذا الحل «بروفة» أو مقدمة لإعلان منظمة «فتح الاسلام» حل نفسها، شكلياً أيضاً، توطئة لحل أزمة مخيم نهر البارد، بحيث تذوب هذه المنظمة ببعض الفصائل الفلسطينية وتنتهي بهدوء على غرار «جند الشام»، من دون إسقاط احتمال لجوء القيِّمين على هاتين المنظمتين إلى إطلاقهما مجدداً باسمين جديدين إذا رأوا ضرورة العودة إلى التصعيد للضغط في المفاوضات السياسية، أو في حال فشل هذه المفاوضات، وخصوصاً أن المعلومات التي تسربت عن زيارة رئيس الحكومة فؤاد السنيورة لجدة والقاهرة كشفت أنه تلقى نصيحة سعودية ومصرية بإعادة فتح الأبواب المغلقة مع دمشق، مع استعداد الرياض والقاهرة للعب دور مساعد في هذا الاتجاه، لأن الأحداث أثبتت أنه لا يمكن توافر حلول في لبنان وفلسطين من دون الشراكة السورية، وخصوصاً بعدما أُقصي الدوران السعودي والمصري عن التأثير في الوضع الفلسطيني بعد سيطرة حركة «حماس» على غزة، في مقابل ازدياد حضور القرار السوري على الساحة
الفلسطينية.