جان عزيز
تخوّف النائب أنطوان زهرا من أن يؤدي الوصول بالأزمة الراهنة حتى نهاية الولاية الرئاسية، إلى ما هو أسوأ بكثير من قيام حكومتين في البلاد، لم يولد على ما يبدو من مجرّد الفراغ أو الحاجة إلى إيقاد الاستهلاك الإعلامي بالتصاريح السياسية. إذ يؤكد مواكبون لحركة فريق السلطة، أن كلام إميل لحود عن احتفاظه بخيارين اثنين، فضلاً عن اعتبار حكومة فؤاد السنيورة مستقيلة، أُخذ لدى الآذاريين بحديّة كاملة. حتى إن حلقات بحثية وتحليلية ومعلوماتية عدة، عُقدت لسبر أغوار هذا الكلام، ولطرح الاحتمالات والفرضيات.
ويشرح المواكبون أنفسهم أن ثمة هامشاً باقياً في مزاج أهل الموالاة، كما المعارضة، لحل توافقي يولد في اللحظة الأخيرة السابقة للانفجار. ويرتكز هذا الهامش المتخيّل إلى اعتبارين اثنين: أوّلاً، ألّا يكون أطراف الأزمة من اللبنانيين على هذا القدر من التهوّر والتعنّت الانتحاريين، وثانياً، ألاّ تكون واشنطن مستعدّة للتفريط بإنجازها الوحيد في المنطقة، وهو لبنان ما بعد الجلاء السوري، بحيث يتزاوج الاعتباران المذكوران في الوقت الضائع لتوليد تسوية معقولة، تؤجل الانفجار في حدها الأدنى، وتفتح كوّة في جدار الصدّ عن الحلول الثابتة في حدها الأعلى.
غير أن الهامش المفترض في «التفكير المأمول» للبعض من أهل السلطة ومناوئيها، يضيق أكثر فأكثر مع مرور الوقت، ومع تحوّل المواقف المختلفة إلى أطر آسرة لأصحابها، وخصوصاً مع بروز الحساب التالي للسياق التصادمي المحتوم، بدءاً من الصورة التي ظهّرها تعثّر عمرو موسى ومبادرته الأخيرة:
فريق السلطة بات ـــــ بعد زيارة الأمين العام لجامعة الدول العربية ـــــ أمام الجدلية الآتية: إمّا أن يقبل بتأليف حكومة وحدة وطنية، غير مشروطة بضمان إجراء الانتخابات الرئاسية، وبالتالي إعطاء الفريق المعارض السلاح اللازم والكافي لتعطيل هذا الاستحقاق وللتحكّم بعدها في مفاصل الحكم، وإمّا أن يرفض تأليف حكومة الوحدة، ويذهب بالتالي إلى احتمال الشغور الرئاسي، على قاعدة دستورية حكومة السنيورة، في مواجهة لادستورية أي خطوة أخرى مقابلة. وإزاء هذه المقابلة اختار فريق السلطة عدم تأليف حكومة الوحدة، انطلاقاً من حسابات منطقية مفهومة وفق مصالحه.
ومن جهة أخرى، كان تفاهم المعارضة بعد زيارة موسى، أمام الجدلية الأخرى المقابلة: إمّا أن يقبل بتأليف حكومة وحدة، متلازمة مع تسليمه المسبّق والمطلق بتأمين النصاب الرئاسي، وبالتالي إهدائه إلى خصومه كل السلطة طيلة 6 سنوات، في مقابل وهم سلطة لمدة أسابيع، وإمّا أن يرفض تأليف حكومة مشروطة كهذه، فيذهب إلى الفراغ الرئاسي في ظل احتمال الفوضى التي ستستدرج حتماً تسويات خارجية، تظل أفضل من خيار الاستسلام اليوم والمؤجل السداد.
هكذا تقاطعت حسابات الموالاة والمعارضة على خيار رفض الحكومة الوفاقية، والإقبال على خيار ثانٍ متخيّل لكل من الطرفين. تماماً كما تقاطعت حساباتهما قبل نحو سنة على خيار استمرار إميل لحود في سدة الرئاسة. يومها كانت جدلية الموالين: إمّا بقاء لحود وإمّا وصول ميشال عون، فاختاروا الأول. وصارت جدلية المعارضين: إمّا بقاء لحود وإمّا اختيار رقم ماروني من مجموعة الـ72، فلم يتردّدوا في اعتماد الأول.
غير أن السؤال يكمن في احتمال أن يؤدي التقاطع الثاني بين الموالين والمعارضين، تماماً كما نتج من تقاطعهما السابق، إلى بقاء إميل لحود أيضاً، ولكن هذه المرة خارج الحدود الزمنية للولاية الرئاسية. ذلك أنه بعيداً عن محاولة التهويل أو التسويق، ثمة مَن يعتقد لدى فريق السلطة، أن لحود سيتّجه في اليوم الأخير من ولايته إلى إصدار مرسوم «اجتهادي»، مستند إلى الفقرة «ي» من مقدمة الدستور والمادة 95 منه، معطوفتين على نظرية الظروف الاستثنائية والفقرة 5 من المادة 53، ويقضي باعتبار حكومة السنيورة مستقيلة، ثم يرفق ذلك بعدم تأليف حكومة أخرى، والاكتفاء بروح المادة 49 من الدستور، وخصوصاً لجهة كون رئيس الجمهورية «القائد الأعلى للقوات المسلحة»، في غياب «سلطة مجلس الوزراء» المستقيل، كما لجهة التأكيد أن رئيس الجمهورية هو مَن «يرأس المجلس الأعلى للدفاع»، وذلك من أجل إقامة واقع جديد، مغاير لكل ما هو متصوّر أو متخيّل.
مصادر بعبدا تشدد على نفي كل ما سبق، لكن نفيها لا يغيّر على ما يبدو من مخاوف أهل السلطة، ولا يخفّف خصوصاً من استعداداتهم العملانية والميدانية، داخلياً وخارجياً، لمواجهة هذا السياق.