strong> غسان سعود
تفاعلت، أمس، في الوسط السياسي، المسيحي خصوصاً، «صرخة» المطارنة الموارنة في بيانهم، أول من أمس، فيما أكّد أحد المطارنة لـ«الأخبار» أن الكنيسة هدفت من بيانها إلى «تخطي الكلمات الهادئة التي يزنها صفير بميزان الذهب عادة، بعدما شعرت بالإهانة من لامبالاة الأكثرية النيابية بها». وكشف أن ما أثير في البيان كان غيضاً من فيض، وأن نقاطاً إضافية كان مقرراً أن يتضمنها، لكنها أسقطت، من بينها مرسوم إلغاء يوم الجمعة العظيمة، وذلك بعد تدخل أحد المطارنة، مؤكداً أن هذه المسألة عولجت ولا داعي لإثارتها من جديد، فيما غض الطرف عن باقي النقاط إفساحاً في المجال أمام بعض الاتصالات.
ويؤكد المطران استغراب الكنيسة إصرار معظم الأطراف السياسية على التعامل مع المرحلة المقبلة من منطلق شغور موقع رئاسة الجمهورية، ومحاولة بعض سياسيي «الأكثرية» التذاكي على البطريرك نصر الله صفير، إلى درجة إبلاغه أن اعترافات موقوفي «فتح الإسلام» عن إقامة إمارة إسلامية واستهداف الكنائس والإرساليات المسيحية، إنما أتت بتكليف من المخابرات السوريّة. كما يكشف عن استياء بطريركي من عبارة «الأمر ليس بيدنا»، التي يرددها المسؤولون الحاليون ــ كما في زمن الوصاية السورية ــ كلما فاتحهم صفير بمواضيع تخص الإصلاح الإداري والهجرة والمشاركة، وغيرها من المواضيع التي تعني المسيحيين.
وفي السياق نفسه، يشير النائب ابراهيم كنعان إلى أن الكنيسة «شعرت بمضي الحكومة قدماً في المسار الانحداري، من دون أخذ تحذيراتها في الاعتبار، وخصوصاً في بياناتها الشهرية التي تضمنت في السنتين الماضيتين عشرات الفقرات المتعلقة بتهميش المسيحيين، والمنتقدة لطغيان فئة على أخرى». ويحمّل كنعان «الأكثرية» النيابية «محاولة إلغاء القرار المسيحي عبر استعمال الأقلية المسيحية التي تدين لهم في وجودها. والدليل عدم إثارة أي من الوزراء لمواضيع تعني الكنيسة، وفي مقدمها قانون الانتخابات، والمشاركة الفاعلة في الحكومة، والشراكة الحقيقية في صياغة مستقبل النظام اللبناني». ويلفت كنعان إلى «عدم نسيان بكركي بعد لتجاهل الفريق المسيحي المشارك في الحكم سلة الحل المتكامل التي قدمتها لإعادة تكوين السلطة، ولجوء مسيحيي السلطة إلى محاولة استيعاب البطريرك والقفز فوق رؤيته»، مشيراً إلى أن دوائر الفاتيكان «تراقب بدورها ما يحصل في لبنان، وتبلغ عبر وسائلها الدبلوماسية كل من يعنيهم الأمر، رفضها مضي الحكومات بتهميش المسيحيين»، مؤكداً أن الوصول إلى نتائج في التحقيقات مع الإسلاميين المتشددين الموقوفين والكشف عن هوية مموّليهم «حقيقة أساسية بالنسبة للفاتيكان وبكركي ولن يتراجعا عن المطالبة بها».
ويعزو القيادي في «التيار الوطني الحر» آلان عون، الذي ينسق بشكل شبه يومي بين بكركي والرابية، «غضب المطارنة إلى استخفاف الفريق الحاكم بالمسيحيين وتدجين وزرائهم». ويدعو للنظر إلى هذا الموقف «كصرخة تحاول إنعاش الوزراء الغائبين عن الوعي».
من جهة أخرى، يقول أحد المقربين من الصرح البطريركي إن «غضباً كبيراً يعتمل في نفس البطريرك من أداء الفريق الحاكم، وخصوصاً ممن يكذبون عليه ويقدمون إليه مبررات غبية». ويروي المقرب أن سيد الصرح توقّع أمام المطارنة صباح الأربعاء أن يحظى بيانهم بـ«دويّ يشبه ما تلا بيان أيلول 2000»، لكنه يأسف لأن «سمع الفريق الحاكم يبدو أخف من سمع السوريين في أكثر مراحلهم إمساكاً بالحكم، أو ربما لأن الرايح يكثر من القبايح».
إلى ذلك، سجّلت ردود فعل على بيان المطارنة، فرأى رئيس «الكتلة الشعبية» النائب الياس سكاف أنه «لامس شؤوناً وطنية مصيرية لا يجوز التغاضي عنها»، متمنياً «أن تلقى هذه الصرخة آذاناً صاغية لدى المسؤولين لتصحيح بعض من الخلل الذي أساء إلى صيغة العيش المشترك والدستور».
ورأى عضو تكتل «التغيير والإصلاح» النائب وليد خوري أن «بكركي أجبرت على الحديث عن هذه الأمور كي تبين الغبن في الوضع المسيحي في الدولة، والذي أشرنا إليه منذ سنتين».
وتوقف رئيس «جبهة العمل الإسلامي» الداعية فتحي يكن عند البيان «وما حمله من هواجس ومخاوف على المصير المسيحي في هذا البلد»، مشدداً على أنه «ليس في الإسلام ما يسمح بممارسة أي ضغط على المسيحيين لمغادرة لبنان، فهم أهل هذا البلد ومن مؤسسيه ومحققي استقلاله، شأن كل الطوائف الأخرى»، مؤكداً «أن العمل على إلغاء أي طرف من الأطراف اللبنانية هو إلغاء للنسيج اللبناني، وبالتالي إلغاء للبنان كله».
ورأى النائب السابق فيصل الداوود أن البيان «رسالة تحذير إلى هذه الحكومة التي تعمل بعقلية الاستئثار والكيدية والفئوية».
من جهته، أكد وزير الداخلية والبلديات حسن السبع، في مداخلة تلفزيونية، أن «مؤسسة قوى الأمن الداخلي لجميع اللبنانيين من دون أي تمييز أو انحياز»، لافتاً إلى أن «الظلم السياسي يلاحق هذه المؤسسة بطريقة غريبة، ربما لأنها بدأت بتحقيق نجاحات معينة، ما جعل البعض يقوم بتسييس هذه النجاحات». ودافع السبع عن التعاقد في قوى الأمن، لأنه «الحل الوحيد المتوافر»، موضحاً أنه زار بكركي «ثلاث مرات لشرح هذا الوضع، وأن المدير العام لقوى الأمن الداخلي اللواء أشرف ريفي زار بكركي أكثر من مرة أيضاً». وقال إن ريفي سيزور بكركي «في الساعات الـ24 المقبلة، وسيشرح الوضع لغبطته».
ودعا النائب بطرس حرب، بعد لقائه صفير، أمس، الحكومة إلى أخذ الملاحظات التي وردت في البيان بالاعتبار، واسترداد مشروع قرار انضمام لبنان إلى عهد حقوق الطفل في الإسلام، في انتظار بحثه في ظروف ملائمة. لافتاً إلى «ورود خطأ لغوي في البيان وهو أنه رفع الحظر عن تملك الأجانب، الأمر غير صحيح»، موضحاً أن قرار تملك الأجانب، يحتاج في ضوء ملاحظات بكركي إلى الدراسة من جديد. وأكد حرب رفضه المرور على ملاحظات بكركي مرور الكرام ومناقشتها للطلب من الحكومة اتخاذ التدابير التي تطمئن بكركي ومجلس المطارنة، مذكراً بالتزامه المحافظة على التوازن الوطني بما تدلي به بكركي «لأنها تعبر عن رأينا».
أما النائب غسان مخيبر فقد رحّب ببيان المجلس، مؤكداً من موقعه كمقرر للجنة حقوق الإنسان النيابية أن هذا الاتفاق «يضرب مبدأ الدولة المدنية في لبنان لأنها تضع قيوداً مرتبطة بدين على مواضيع لا ترتبط بالأحوال الشخصيّة».
وظهراً، زار الأمين العام للمجلس الأعلى للطفولة إيلي مخايل، الصرح البطريركي، موفداً من وزيرة الشؤون الاجتماعية نائلة معوض لتقديم توضيحات حول مرسوم انضمام لبنان إلى عهد حقوق الطفل في الإسلام. وأكد مخايل بعد اللقاء عدم مس المرسوم حقوق الأطفال غير المسلمين.