إبراهيم الأمين
الاتصالات المكثفة التي جرت في الأيام الاخيرة بين أركان المعارضة والرئيس إميل لحود نظمت المواجهة السياسية المقبلة وفق إيقاع أقل توتراً من المرحلة السابقة. ويبدو ان خيار الحكومة الثانية او اي خطوة اخرى لن يتم اللجوء اليها الان، برغم أن في المعارضة من يعتقد انه لا يمكن رهن الامور كلها بجدول اعمال الفريق الآخر، وخصوصاً ان اصحاب هذا الرأي يعتقدون ان المبادرات الجارية عربياً او دولياً ليست من النوع الذي يقود الى نتائج سريعة، وبالتالي فهي شكل من اشكال تضييع متعمد للوقت من جانب فريق 14 آذار وداعميه الخارجيين، وان الهدف منها ايهام الرأي العام الداخلي والخارجي بأن هناك رغبة في التوصل الى حل سريع. وهذا ما يفرض حسب هؤلاء المبادرة الى خطوة مضادة تقوم على قاعدة قطع الطريق على لعبة تضييع الوقت وتعزيز اوراق المعارضة من خلال تشكيل اطار يفرض مشاركة في ادارة الدولة.
وحسب معنيين، فإن الجدل الذي قام منذ اسابيع حول هذه الخطوة، انتهى الى تفهم لوجهة نظر الرئيس نبيه بري التي تقول بترك امر الرد «على استئثار فريق 14 آذار بالسلطة الى اللحظة الاخيرة، أي الى حيث لا تعود هناك من مبادرات».
ومع ان النقاش الثنائي القائم بين قوى المعارضة لم ينته الى تصور متكامل لآلية العمل في المرحلة المقبلة، الا ان النقاش حول اصل الفكرة كما يقال يتركز على ان الفريق الاساسي الذي يتحكم بمسار الامور على مستوى فريق 14 آذار يعاني مأزقاً متنقلاً في المنطقة، وهو الامر الذي يترجم تراجعاً تدريجياً في النفوذ الاجمالي في المنطقة وفي النفوذ الجزئي على مستوى الدول. وبالتالي فإن في المعارضة من يخشى بقوة ان تدفع الدول الخارجية الداعمة لفريق 14 آذار ولا سيما الولايات المتحدة، نحو صدام سياسي وغير سياسي اشد عنفاً مما هو قائم الان، وأن يكون هدفه تخيير اللبنانيين بين «فوضى خلاقة» وبين ترك الامور تسير وفق ما تراه واشنطن مناسباً للبنان. وهذا العامل يتحكم بكثير من تحركات المعارضة، لأن القرار هو عدم تحويل الصدام السياسي الى صدام امني او الى نوع من الفوضى الامنية التي تقود البلاد عملياً نحو حرب اهلية. وبالتالي فإن المعارضة ليست بوارد استعجال اي نوع من المبادرات من النوع الذي يحقق هدف الولايات المتحدة التي لا ترى لبنان بصورة منفصلة عما يدور من حولنا ومن حولها، على الرغم من الترويج المتخلف لفريق الاكثرية لعبارة «لبنان اولاً».
وبحسب هذه القراءة فإن قوى المعارضة الرئيسية لا تريد المبادرة الى اي خطوة تحت ضغط الحدث الذي يبادر إليه فريق الاكثرية، وهذا ما عزز الرأي القائل بتأخير اي خطوة ذات طابع اجرائي. وهو امر كان مدار نقاش خلال الايام الاخيرة بين عدد من قادة المعارضة، من بينها من كان يستعجل تشكيل حكومة ثانية، وعند التدقيق في ما يمكن القيام به على هذا الصعيد برزت صعوبة انتاج وضعية قيادية تحدث خرقاً جدياً في الوضع القائم. وهذا بحد ذاته يمكن ان يترك آثاراً سلبية لخطوة بهذا الحجم. وثمة اسئلة منطقية لدى الفريق المتأني عن معنى القيام بخطوة من شأنها تعزيز الانقسام الداخلي وإفساح المجال امام اوضاع ليست مطلوبة الان من احد. بينما هناك امكانية لدرس الامر بمزيد من التروي والتأني قبل الوصول الى قرار. وهو الامر الذي يقترب منه الرئيس لحود برغم توافقه مع قادة أساسيين في قوى المعارضة على أنه لا يجوز ترك البلاد للفريق
الآخر.
وأكثر من ذلك فإن رئيس الجمهورية يقول صراحة انه لن يسلم البلاد الى حكومة الرئيس فؤاد السنيورة الحالية، ولكنه يقول ايضا انه لن يترك موقعه قبل اتخاذ الخطوات الواجب اتخاذها لمواجهة استئثار فريق بالسلطة. وإذ بات النقاش متأخراً حول هذه الخطوة، فإن الاجتماعات الاخيرة لقادة المعارضة بما في ذلك الحوارات مع الرئيس لحود، لم تتطرق الى برنامج او آليات او مهل زمنية بحسب مصادر القصر الجمهوري، التي تقول إن الدستور يتيح لرئيس الجمهورية القيام بأشياء كثيرة لحفظ البلاد من الانقسام او لمنع فريق من اخذ لبنان الى مزيد من الانقسام.
الامر الاخر يتعلق بالموقف من الملف الرئاسي، لأن فريق 14 آذار صار مقترباً أكثر من اي وقت مضى من التوافق على النائب نسيب لحود مرشحاً اول للرئاسة، باعتبار ان الرجل يتمتع بحضور محلي جيد ويحظى ايضاً بدعم جهات عربية بارزة مثل السعودية ودولية أيضاً مثل الولايات المتحدة الاميركية، وأن في جعبته برامج سياسية اصلاحية ولا سيما على المستوى الاداري، ما يخوّله لعب هذا الدور، كما يشار ايضاً الى مواصفات اخرى تتصل بالنزاهة وعدم الفساد وعلاقات داخلية واسعة، علماً بأن فريق 14 آذار يعتقد ان نسيب لحود قد يواجه مشكلة انه سبق ان خسر الانتخابات النيابية وأن وضعه الشعبي وتمثيله على مستوى الشارع المسيحي اولاً والاسلامي ثانياً لا يمنحه فرصة التقدم على غيره من المرشحين في الفريق نفسه.
ومع أن لحود نفسه لا يتحدث عن الامر كثيراً الا انه لا يتصرف خارج اطار المرشحين، وهو ربما كان يملك الكثير من الاوراق التي يعتقد انه تجعله مقبولاً عند المعارضة اكثر من غيره. وهو في هذا المجال يهتم اكثر بمواقف قوى مثل حزب الله وحركة امل. وربما يعود الى اوراق سابقة في ما خص مسائل ذات طابع استراتيجي مثل مستقبل سلاح المقاومة وآلية توفير مناخ وخطوات لعلاقات مختلفة عما هو الآن مع سوريا.
ولكن المشكلة انه الى جانب الخلافات التي تزداد يوما بعد يوم داخل فريق 14 آذار، إزاء الملف الرئاسي نفسه، فإن المشكلة تبدو اكثر تعقيداً مع فريق المعارضة، حيث تقف قوى بارزة في الجهة المقابلة، ليس أقلها حزب الله والتيار الوطني الحر وتيار المردة وشخصيات بارزة وذات حضور سياسي عام. وهذا من شأنه ان يفتح المواجهة على حدود اوسع إذا ما اعلن فريق 14 آذار تبنّيه المرشح نسيب لحود بصورة علنية، وهو موقف سوف يتأخر بعض الشيء من باب التكتيك والدراية السياسية لا من باب آخر، لأن القوى الفاعلة في فريق 14 آذار لا تتجه صوب فكرة التوافق التي تعني التخلي عن مرشح مباشر من الفريق نفسه، علماً بأن فريق المعارضة ليس عنده الآن سوى مرشح واحد هو العماد عون. وهذا يعني ان المعركة على الرئاسة سوف تكون أشد قساوة مما يفترض كثيرون. وهو بيت القصيد بالنسبة إلى طرفي النزاع الآن.