strong>تقوم الأجهزة الأمنية والعسكرية بالتحقيق الاستنطاقي مع الموقوفين لديها.يستخدم البعض وسائل لا تخلو من الشدّة، ويعتمد فرع المعلومات على البوليغراف لكشف الكذب. ما مدى فاعلية هذا الجهاز وأخلاقيته؟
تتوافر للمواطنين عبر وسائل الإعلام تسريبات عن التحقيقات القضائية الجارية في مختلف الجرائم، وخصوصاً الإرهابية منها، لكن في أكثر الأحيان لا تتوافر معلومات عن كيفية إجراء التحقيقات الاستنطاقية. علمت «الأخبار» أن أحد أكثر أجهزة التحقيق نشاطاً ـــــ فرع المعلومات في قوى الأمن الداخلي ـــــ استقدم أجهزة «بوليغراف» لكشف الكذب خلال الاستنطاقات. ما هي فاعلية هذا الجهاز بحسب الدراسات العلمية؟
استقدم فرع المعلومات أجهزة البوليغراف من الولايات المتحدة، وهي أجهزة من المفترض أن تساعد على كشف الكذب خلال استنطاق المشتبه فيهم والشهود. وخضع عدد من المحققين لدورات في الولايات المتحدة في كيفية استخدام الجهاز. لكن البوليغراف يثير جدلاً واسعاً في الأوساط العلميّة والقانونيّة في دقّته ومدى انتهاكه لحقوق الإنسان، وخاصة أنه لا يوجد حتى الآن أي إثبات حسّي أو علميّ دقيق يؤيّد صحة فاعليته في كشف الكذب. وبالرغم من جميع المشاكل التي يعانيها جهاز البوليغراف والانتهاكات الإنسانية التي قد يسببها، ما زال استخدامه شائعاً في العديد من دوائر الشرطة وفي أجهزة الاستخبارات الأميركية، وذلك ربما لفاعليته بإخافة الأفراد المشتبه فيهم وترهيبهم. وكانت الأكاديمية الوطنية للعلوم في الولايات المتحدة الأميركية national academy of science قد أصدرت عام 2003 تقريراً مفصّلاً انتقدت فيه الأهمية والدّقة العلمية للجهاز، مشيرة إلى أن معظم الأبحاث التي أجريت لم تتمكن من تحصيل دليل كاف لإعطاء البوليغراف الشرعية العلمية اللازمة لاستخدامه من العلماء والاختصاصيين في الدوائر الحكومية والقانونية.

كيف يعمل البوليغراف

يعمل البوليغراف على كشف الكذب عبر قياس المؤشرات الحيوية والفيزيولوجية لدى الفرد، كضغط الدم، التنفس والنبض، و ذلك لتقدير مستوى القلق والتوتر عند إجابته عن أسئلة معينة. وبالتالي يعتمد الجهاز على هذه المتغيرات الفيزيولوجية ليفترض أن الشخص المستجوب قد كذب.
لكن، حتى إذا سلّمنا جدلاً بأنّ البوليغراف قادر على تقدير حالة القلق عند الإنسان، فلا يمكن الجزم علمياً بأنّ هذه الحالة سببها الكذب. فالمتغيرات الفيزيولوجية لدى شخص ما قد تكون ناتجة من شعوره بالإحراج، الغضب، الحزن أو الخوف من عملية الاستجواب. هناك أيضاً عدة أمراض عضوية، كالزكام أو الصداع، التي قد تسبّب تقلّباً في ضغط الدم والتنفس. لذلك فإن المعضلة الأساسية وراء هذا النوع من الأجهزة هي أنها بسبب المنطق الضمنيّ التي تعمل به ستؤدي حتماً إلى اتهام العديد من الناس الأبرياء ظلماً.
أيضاً تتصاعد المخاوف من سوء استخدام البوليغراف على المواطنين، وخاصة إذا كانت الأسئلة المستعملة تتضمّن معلومات خاصة وشخصية عن حياة الفرد، ما قد يهدد أمنه أو كرامته. لذلك يحظر عادة استعمال الجهاز من دون موافقة الشخص المستجوب، وذلك حفاظاً على حقوقه المدنية وخصوصيته.

الاحتيال على البوليغراف

من ناحية أخرى، أثبت العديد من الأفراد والحالات المختلفة أنّ إمكان الاحتيال على الجهاز والنفاذ بالكذب هو أمر سهل وبسيط، حيث يستطيع أي فرد الاطلاع على صفحات الإنترنت لمعرفة الوسائل المتعدّدة للغش خلال استجواب بواسطة البوليغراف، وذلك عبر التحكم بمؤشراته الحيوية والمراوغة في الإجابة عن الأسئلة أو ترك انطباع إيجابي لدى المستجوب.
بسبب جميع هذه الأسباب، فقد البوليغراف شرعيته العلمية، القانونية والإنسانية في البلدان الغربية، حيث أقرت قوانين وتشريعات مشددة لتحديد الحالات المعينة لاستخدامه، ولتقدير مدى فاعليته في كشف الكذب. ففي العديد من الولايات الأميركية يمنع استعمال التقارير الناتجة من البوليغراف بوصفها دليلاً قانونياً في المحكمة، في حين أن في الولايات الأخرى يمتلك القاضي حق نقض التقارير المبنية على البوليغراف، أو اعتبارها دليلاً قانونياً متماسكاً. أما في معظم الدول الأوروبية، فقد حظّر استعمال البوليغراف في أي من المحاكم أو دوائر الشرطة بسبب عدم دقته علمياً واعتماده على مؤشرات نسبية ومتقلبة لاكتشاف الكذب.
(الأخبار)