عرفات حجازي
تنبئ جملة مواقف ومعطيات مستجدّة من خلال الحراك النشط على أكثر من محور داخلي وخارجي بأن تحولات مهمة ستطرأ على المشهد اللبناني تفسح لفرصة أخرى جادة قد تكون حظوظها معقولة من النجاح لإخراج لبنان من حال التأزم السائدة. ويسجل المتابعون لخصائص الأزمة المعطيات التالية التي تشير إلى تبدّل في مسار الأزمة.
أولاً: التفاؤل الذي أبداه أخيراً الرئيس نبيه بري بالاقتراب من الحل وتأكيده على إجراء الانتخابات الرئاسية في موعدها وباحتمال تشكيل حكومة الوحدة الوطنية. وبري الذي يحمل منذ سنوات أسرار الأزمة لا يبني تفاؤله من فراغ، فهو يملك معطيات جديدة عن تبدّل في المناخ الإقليمي والدولي لمصلحة تسهيل حل الأزمة، ويبدي ارتياحه إلى التنسيق القائم بين السعودية وإيران، ويأمل قريباً أن يشمل هذا التنسيق سوريا. واقتناعه لم يتبدّل بأن الوفاق السعودي ــ السوري بشأن لبنان سيسرّع في الحل وإنضاجه، من دون أن يُسقط من حسابه أن القوى اللبنانية محكومة بالتوافق وفتح مرحلة جديدة تقوم على مبدأ الشراكة، مضيفاً أن الحل جاهز، وليس المطلوب أكثر من العودة إلى الدستور والتزام نصوصه، أمّا الإمعان في خرقه وتجاوز مضامينه فإنه سيدخل البلد في المجهول.
ثانياً: إن إصرار الأمين العام للجامعة العربية عمرو موسى على متابعة مساعيه رغم أن زيارته للرياض ودمشق لم تحمل جديداً يسعفه على إحداث أي اختراق في جدار الأزمة، ملمّحاً بأنه سيظل يعمل على خط الرياض ــ دمشق ــ القاهرة لأنه مقتنع بأن تفاهم هذا الثالوث يشكل رافعة حقيقية لإخراج لبنان من أزمته، وبدون هذا السقف العربي سيستمر الدوران في الحلقة المفرغة.
ثالثاً: الآمال المعلّقة على مؤتمر الحوار في باريس بعد أن مهّدت له الدبلوماسية الفرنسية بمروحة لقاءات واتصالات مكثفة مع عواصم القرار المعنية بالقضية اللبنانية، وهذا من شأنه أن يوفّر حاضنة دولية للمؤتمر وللنتائج المتوقع أن تنجم عنه، علماً بأن المتابعة اللبنانية التي ستلي المؤتمر ستكون في حجم المؤتمر نفسه وستشكل قوة دفع للحوار اللبناني على مستوى قيادات الصف الأول بعد أن تكون لقاءات سان كلو قد نجحت في إذابة الجليد وتطبيع العلاقة بين فريقي الموالاة والمعارضة.
رابعاً: مع مواكبة لقاءات الثقة والحوار في باريس شكّل اتصال سعد الحريري بالعماد ميشال عون واتفاقهما على لقاء قريب خرقاً في الجدار الفاصل بين الموالاة والمعارضة وكسر قطيعة بدأت منذ أشهر. وبعيداً عن التأويلات والتفسيرات و«النقزة» التي أحدثها الاتصال لدى الجانبين، فإن الخطوة مهمة في توقيتها، وجاءت في سياق متغيّرات كثيرة وتبدّلات قد تغيّر في المشهد السياسي وتعيد تموضع تيار «المستقبل» بعد أن تحقّق هدفه الأساسي بإقرار المحكمة الدولية، ما يحتّم مقاربة جديدة لمواضيع الخلاف وفتح حوار جدي حولها، وبخاصة حول موضوع الرئاسة الأولى، كما أن الاتصال واللقاء الموعود هدفه أيضاً استيعاب الاستياء المسيحي الذي عبّر عنه المطارنة الموارنة، الذي شكّل صدمة للحكومة ولفريق 14 آذار في عزّ احتدام المواجهة بينه وبين فريق الثامن من آذار واقترابها من نقطة الحسم سواء بالتوافق أو بالتصادم. وبغضّ النظر عن ردات الفعل التي تلت بيان بكركي، فإنه خفّف من غلواء الأكثرية وسكب مياهاً باردة على الرؤوس الحامية لبعض صقورها وصبّ في اتجاه تعزيز الظروف والاحتمالات لقيام حكومة وحدة وطنية وفتح الاستحقاق الرئاسي وتأمين إنجازه في موعده الدستوري لتصحيح الخلل والتوازن الذي اختلّ على يد هذه الحكومة.
خامساً: التحفّظات التي خرجت إلى العلن من نواب في فريق 14 آذار حول مسألة اعتماد نصاب النصف زائداً واحداً بحيث بات اللجوء إلى هذا الخيار مستبعداً، وهذا يفترض إعادة قراءة المرحلة الماضية بشيء من الهدوء لأن الكثير من شعارات المرحلة الماضية سقطت وأصبحت من الماضي ولم يعد ممكناً الاستمرار بها. إضافة إلى أن العمل جارٍ بعيداً عن الأضواء لتظهير كتلة نيابية وازنة سيكون لها مشروعها المستقل والمنطلق من محاولة فتح ثغرة في جدار التصلّب الناجم عن عدم قدرة طرفي النزاع على الخروج من مواقفهم المتحجّرة، والكتلة ستنطلق من أربعة نواب ينضم إليها لاحقاً نواب موالون، الأمر الذي سيُحدث تحوّلات مهمة ويعيد خلط الأوراق ويحرم الطرفين، الأكثرية والأقلية معاً، التحكّم بمسار الاستحقاق الرئاسي، ويفرض عليهما التوافق لمصلحة لبنان، لا لمصلحة طرف دون آخر.