أنطوان سعد
اتهام السنيورة بـ «أسلمة» لبنان أهون عليه من القول إنه «يلبس ويتصرف بخلاف الشريعة الإسلامية»!

يعلم البطريرك الماروني مار نصر الله بطرس صفير أن مواقفه وبيانات مجلس المطارنة الموارنة غالباً ما تكون عرضة للاستغلال من جانب القوى السياسية المتنازعة في لبنان. لذلك لطالما بدا حريصاً على اعتماد صياغة دقيقة، كثيراً ما تزعج المراقبين، لأن المعنى فيها قد يقبل أكثر من تفسير. أما حين يكون المعنى واضحاً ومباشراً، فلا بد إذّاك من تسليط الضوء على مسألة أخرى يتحقق من خلالها نوع من التوازن، لأن أكثر ما يستاء منه سيد بكركي أن يدرج موقفه في خانة كائن من كان غير المصلحة الوطنية الجامعة لتطلعات كل اللبنانيين. وقلّما همّه، خصوصاً بعد خبرة السنوات الأولى من حبريته، ردود فعل السياسيين على كلامه، إذ إنه على يقين من أن «السياسي بيزعل شوي وبيرجع بيمشي حاله»، ولذلك لم يكلف نفسه، يوماً، عناء الرد على أي رجل سياسي أو غير سياسي، أو الدخول في أي نوع من المهاترات والسجالات أو حتى تبرير موقفه.
من هذا المنطلق، بدا لافتاً أن يخصص البطريرك صفير، بعد أن يعيد تعداد المسائل الثلاث المشكو منها للدلالة عن عدم تراجعه عنها، جزءاً من عظة الأحد لإبداء أسف بالغ من جراء استغلال بيان المطارنة الموارنة من جانب بعض القوى السياسية، على رغم أن المعارضة لم تبالغ في الاستفادة منه. وفي اعتقاد شخصية سياسية حيادية، لها موقع خاص في الحياة العامة اللبنانية، أن سبب هذا التوضيح يعود، بالدرجة الأولى، إلى معلومات جرى تداولها يومي الجمعة والسبت من الأسبوع الفائت مفادها أن رئيس الجمهورية العماد إميل لحود في صدد الاستناد إلى بيان المطارنة، لجهة تمثيلهم الشعور المسيحي العام بعدم تمثل المسيحيين في الحكومة والإدارات العامة بالقدر الكافي، وإلى استقالة الوزراء الشيعة من الحكومة، لإصدار قرار إما بقبول استقالة الحكومة وتكليف شخصية سنية بتأليف حكومة ثانية، وإما إعلان حال الطوارئ ووضع السلطة في يد مجلس الدفاع الأعلى الذي يرأسه.
أما ما استغربته الأوساط المراقبة القريبة من بكركي فهو الحملة التي شنتها، بعيداً عن الأضواء، بعض القوى المسيحية المنضوية في فريق الرابع عشر من آذار. وقد بلغ البطريركية المارونية ما قاله سياسي مسيحي بارز أمام صحافيين عن رأيه بالبطريرك صفير، وقد بدا أقرب إلى رأيه الذي كان يسرّ به إلى خاصته قبل 21 عاماً، على رغم ما قام به سيد بكركي من أجله في العقد الماضي.
وأعربت هذه الأوساط عن أمنيتها أن تقف الأمور عند هذا الحد لأن لبنان صغير من حيث المساحة وعدد السكان والجميع يعرفون بعضهم بعضاً، وبالتالي لا أسرار فيه. كذلك استغربت أن تر الأكثرية بيان المطارنة الموارنة مسيئاً الى تيار «المستقبل» والى المسيحيين الموالين لحكومة الرئيس فؤاد السنيورة والممثلين فيها. ففي وقت تواجه فيه الحكومة، ومن ورائها تيار «المستقبل» برئاسة النائب سعد الدين الحريري التيارات الأصولية السنية السلفية المتطرفة على المستويات السياسية والأمنية والإعلامية والاجتماعية، ليس مضراً لها على الإطلاق اتهامها بالتساهل في بيع الأراضي من الأجانب، وهم في غالبيتهم الساحقة من العرب الخليجيين، وبعدم احترام حصة المسيحيين في قوى الأمن الداخلي وسائر إدارات الدولة وبارتكابها خطأ إقرار مشروع قانون الانضمام إلى عهد حقوق الطفل في الإسلام وإحالته إلى المجلس النيابي. وقد يكون لهذه الاتهامات تأثير على الرأي العام السني في لبنان عموماً، وعكار والضنية خصوصاً، أكثر من التحقيقات المتلفزة اليومية عن عائلات الشهداء السنة في الجيش، وتعرّض القرى السنية للقصف من جانب «مسلحي عصابة العبسي».
ولا بد من الإشارة أيضاً إلى أن فائدة بيان المطارنة الموارنة تطال القوى المسيحية الممثلة في الحكومة على رغم الإحراج الذي أصيبت به أمام الرأي العام المسيحي. فهذه القوى أصبحت قادرة على التذرع، في أية لحظة، بما جاء في البيان لتعزيز موقفها والتمسك بما تراه ضرورياً للحفاظ على التوازن الوطني. وهي تدرك ذلك لأنها تخوض نزاعاً مريراً بعيداً عن الأضواء منذ أكثر من ثلاثة أشهر مع وزير الاتصالات مروان حمادة وأيضاً مع الرئيس السنيورة حول طائفة رئيس مجلس إدارة «ليبان تيليكوم» المزمع تعيينه. وفي أية حال، فإن اتهام الرئيس السنيورة، ومن ورائه تيار «المستقبل»، بما جاء في بيان المطارنة وحتى بـ «أسلمة» لبنان، أهون بكثير عليه من القول بأنه «يلبس ويتصرف بخلاف الشريعة الإسلامية»!