البقاع ــ عفيف دياب
تثير المواقع العسكرية الفلسطينية في البقاع إشكالات سياسية وأمنية لم يسبق أن عاشتها المنطقة وأهلها. فطوال فترة الوجود السوري في لبنان، لم تكن هذه المواقع محط اهتمام، وكان موضوعها خارج البحث، ولو همساً.
اليوم تغير المشهد اللبناني، حلفاء الأمس هم أشد الأعداء اليوم، والخطوط الحمراء لم تعد موجودة، وبندقية «فلسطين الثورة» أصبحت حصرماً يضرس منه حلفاء الأمس الذين «اكتشفوا» في ما تبقى من بندقية فلسطين على أرض لبنان «أداة» تسهم في «حياكة» مؤامرات على كيانٍ جلّ طموحه أن يصبح وطناً سيداً حراً مستقلاًّ يوماً ما.
لم تعد بندقية الثورة الفلسطينية محل ترحاب في بعض مناطق البقاع، إذ تحولت «مأجورة» كما يقول مسؤول يساري دفع حزبه كثيراً من الدماء من اجل «عروبة لبنان ووحدته، ودفاعاً عن المقاومة الفلسطينية».
يتحدث المسؤول اليساري، المنشقّ حديثاً عن حزبه الأم الى حزب جديد بلون سياسي جديد، بفخر واعتزاز عن تاريخه «المجيد» من اجل فلسطين ومقاومتها. وقبل أن يتابع حديثه في المقهى «الزحلاوي»، يرمي السلام على «صديق» له في «القوات اللبنانية»، مخاطباً إياه: «أهلاً رفيق... تفضل اشرب قهوة»! ويردف متابعاً: «لم يعد من قيمة للمواقع الفلسطينية في البقاع، لقد أصبحت عبئاً كبيراً علينا وعلى فلسطين (...) إنها مجرد مواقع للمخابرات السورية يجب قصفها وتدميرها»!
لم يعد للكلام من قيمة، يقول اليساري من لون «14 آذار»، ويضيف: «لا أدري لماذا لم يدخل الجيش بعد الى المواقع الفلسطينية في البقاع. لم يعد مسموحاً بقاء هذه المواقع التي تضم نخبة من الوحدات الخاصة السورية، يجب تحرير هذه المواقع اليوم قبل غد لأنها مفارز أمنية سورية لم تنسحب بعد من لبنان، يكفينا ما فعلته «فتح الإسلام» في البارد (...) وأهل البقاع عانوا ما عانوه من سوريا ومخابراتها، يجب أن نوقف مهزلة ما يسمى تحرير فلسطين من قوسايا و كفرزبد ودير الغزال او حلوى ودير العشاير والسلطان يعقوب(...)». ويتابع متهكماً: «حماس حررت غزة، ولا نعرف متى ستحرر الجولان، لقد عادت القدس وخالد مشعل يصلي الآن هناك»!
هذا الكلام، أو النقاش الذي تلاه من «ندماء» طاولة المقهى، كان «يطيّب» له «قواتي»، كان في يوم من الايام «يتقاتل» بالرصاص على محور رأس النبع في بيروت مع المسؤول اليساري الذي كان مستعداً للتضحية بحياته من اجل «فلسطين، كل فلسطين». ويقول «القواتي» بعد أن يشعل سيجارته الفرنسية النكهة: «معو حق الرفيق بو يوري، يخلصونا بقى... شو بدن بعد الفلسطينيي. دمروا البلد وهلق بدن يدمروه مرة تانية. ودخلك لشو احمد جبريل بعدو قاعد بجرد قوسايا تحت الارض. ليش اللي بدو فلسطين بيقعد تحت الارض او بيروح على غزة اللي حررتها حماس»! ويتابع موجهاً كلامه الى «الرفيق» أبو يوري ضاحكاً: «دخلك ليش ما كنتو معنا بالخمسة وسبعين؟» فيردّ «اليساري» نافثاً دخان سيجارته الاميركية: «ما نحنا كنا مع لبنان وانتو كنتو ضدنا. شو نحنا اللي جبنا السوريين على البلد، من ورا سياستكم بعدنا عم ندفع ثمن دخول السوريين إلى لبنان، لو كنتو معنا ضد الدخول السوري ما كنا اليوم نعاني من المواقع الفلسطينية بقوسايا وغيرها».
تنتهي «الجلسة» على اتفاق يقضي بنسيان الماضي والتطلع الى المستقبل، ويقفل المقهى ابوابه بعدما ضجر صاحبه من حوار الحلفاء الجدد، ليفتح الباب امام نقاش سياسي ـــــ أمني من نوع مشابه. فحديث الناس في قرى سهل البقاع لا يختلف في معظمه عن حوار اليساري مع رفيقه «القواتي». فالأبواب اليوم مشرّعة على مواقع عسكرية يجد فيها البعض مدخلاً لاستهداف آخر ما تبقى لسوريا من قوة عند تخوم حدودها مع لبنان. والشارع البقاعي (وسطاً وجنوباً تحديداً) أصبح أكثر اقتناعاً بوجوب إقفال المواقع الفلسطينية، أو ما تبقى منها. فالانتشار العسكري الفلسطيني عند تخوم الحدود مع سوريا أصبح «عبئاً» يجب إزالته. ويقول أحمد حمود من البقاع الغربي: «هذه المواقع لم تعد فلسطينية، إنها مواقع سورية على أراض لبنانية، يجب على الأمم المتحدة أن تتأكد ما اذا كان عناصر هذه المواقع فلسطينيين او سوريين»!
بقاعيون كثر، اليوم، يؤيدون هجوماً عسكرياً على هذه المواقع، و«وقف تدفق الاسلحة والمقاتلين منها الى داخل لبنان». ويقول مختار احدى القرى المتاخمة لموقع فلسطيني في البقاع الاوسط: «يجب اقفال هذه المواقع اليوم قبل غد، لقد حرمونا من استثمار أراضينا الزراعية، والجيش يحاصر المواقع القريبة من البلدة فلا نستطيع جني مواسمنا».
جني المواسم الزراعية بدأ قبل أوانه في المناطق القريبة من المواقع الفلسطينية. فحصاد القمح في كفرزبد وقوسايا وسهل غزة ـــــ السلطان يعقوب يتم بسرعة كبيرة و«البلديات أبلغونا وجوب الإسراع في حصد القمح، لأن الامور قد تفلت عندنا». أكثر من مزارع بقاعي بدأ بتنفيذ «توصيات» البلديات التي نقلت الأمر عن جهات أمنية. ويؤكد مصدر أمني في البقاع لـ «الأخبار» أنه تم إبلاغ بلديات محددة وجوب الطلب من المزارعين «الإسراع في حصد مواسمهم وجنيها احترازاً من أي تطورات أمنية». ويتابع «لا داعي للخوف أو الهلع، الناس يتناقلون خبريات عن قرب الحسم العسكري وهذا امر مستغرب، ونعلم أن قوى تقف وراء توزيع أخبار ومعلومات غير دقيقة كهذه».