إبراهيم الأمين
بعد ظهر اليوم السبت، يفتتح وزير الخارجية كوشنير في حضور الموفد الخاص جان كلود كوسران اللقاء الحواري اللبناني. وتوجه أمس الى العاصمة الفرنسية قسم من المدعوين الذين يمثلون قوى المعارضة والموالاة، ويلحق بهم اليوم القسم الآخر، على أن يصار إلى وضع ترتيبات خاصة لحيثيات اللقاء والاجتماعات الجانبية، ويصار الى ترتيب الحوار في آلية تشرف عليها وزارة الخارجية مباشرة، وفق برنامج عمل يحدّد اليوم للجلسة الافتتاحية، مع خطاب لكوشنير تليه دورة من الكلمات للحضور من اللبنانيين بحيث لا تتجاوز كلمة كل رئيس وفد أكثر من 8 دقائق. ثم ترفع الجلسة ليتناول الجميع العشاء في المقر نفسه على أن تعقد غداً جلسة صباحية تليها جلسة ثانية وختامية بعد الظهر، دون الاتفاق مسبقاً على بيان ختامي أو على ورقة نوايا أو خلاصات من النوع الذي لا يحولها الى نص ملزِم، رغم أن في باريس من يرغب بدمغ مستقبل الحوارات اللبنانية بـ«وثيقة باريس». وبحسب ما هو مقرر فإن كوشنير يتولى الإشراف على الأعمال كاملة، وينوب عنه من يختاره إذا اضطر إلى المغادرة.
وحسب البرنامج الرسمي فإنه لا خطط لعقد لقاءات سياسية رسمية للقيادة الفرنسية مع أي من الحضور. حتى إن مصدراً مسؤولاً في وزارة الخارجية الفرنسية نفى رسمياً وجود برنامج لقاءات للرئيس نيكولا ساركوزي مع المتحاورين أو مع غيرهم. وعند التدقيق، قال المصدر إنه لم يحدَّد أي موعد للنائب سعد الحريري أو لشخصيات لبنانية أخرى. كذلك لفت هؤلاء الى أن جدول الأعمال الفرنسي يستند إلى الفكرة الرئيسية في مقالة الوزير كوشنير التي نشرت سابقاً في بيروت، والتي تركّز على سبل إعادة تنشيط عمل مؤسسات الدولة اللبنانية الدستورية. وهو كلام يقصد منه إعادة تفعيل العمل الحكومي والنيابي، وإتاحة المجال أمام انتخابات رئاسية مستقرة وفي موعدها الدستوري.
ووفق مصادر لبنانية متوجهة إلى فرنسا للمشاركة في اللقاء، فإن الفريقين تفاهما على آليات وخطوط عامة للحوار، منها أن تصرّ قوى المعارضة على أن يكون مدخل الحل من خلال تأليف حكومة وحدة وطنية توفّر المشاركة الكاملة وتتولّى إنهاء التوتر السياسي القائم ووقف الحملات التحريضية وإشاعة مناخات من التهدئة التي تساعد على توفير مناخات أفضل لإجراء الانتخابات الرئاسية في موعدها، بينما تريد الموالاة إنتاج حل يستند أساساً إلى ضمان إجراء الانتخابات الرئاسية في موعدها دون ربطها بأي تفاهم مسبق على الحكومة وعلى شخصية الرئيس. لكن المعارضة تريد أن يبدأ الحوار من حيث انتهت إليه الحوارات السابقة، سواء تلك التي جرت بين الطرفين مباشرة أو من خلال الخلاصات التي انتهى إليها الأمين العام للجامعة العربية عمرو موسى.
ويلفت المصدر إلى أن الأمور واضحة، إذ إن المعارضة تريد حكومة مؤلفة وفق قاعدة 17 مقابل 13 مع إعادة النظر في القرارات التي صدرت عن الحكومة بعد استقالة الوزراء، وضمان توسيع الحكومة دون المسّ بالبيان الوزاري. بينما تريد الموالاة أن يكون تأليف الحكومة وفق قاعدة 19 مقابل 11 مع تعهّد المعارضة ضمان استمرار عمل الحكومة (أي عدم اللجوء إلى الاستقالة) ورفض إعادة النظر في كل قراراتها والاكتفاء بإعادة قراءة بعض هذه القرارات دون المساس بأي شيء يخص المحكمة الدولية الخاصة بجريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري. كذلك فإن الموالاة مستعدة للسير بحكومة تراعي كل طلبات المعارضة مقابل تعهد الأخيرة أن تحضر جلسة 25 أيلول الخاصة بالانتخابات الرئاسية، وهو العرض الذي ترفضه المعارضة علناً، لأنه يعني ببساطة أخذ حكومة لمدة شهرين مقابل رئيس لست سنوات.
وفيما الجميع يذهبون إلى باريس وسط مناخات لا توحي بأن أزمة الثقة سوف تحلّ، فإن كوسران وآخرين تحدثوا عن أن الوقت والمكان يتيحان فتح الباب أمام حوارات جانبية من شأنها كسر الجليد من جهة، وفتح آفاق للمرحلة المقبلة، وأن ذلك يمكن أن «يحصل في أروقة المكان وفي حديقته»، علماً بأن باريس «تعوّل بقوة على وجود ممثلين مخوّلين لقادة الحوار في لبنان». ويبدو ذلك في سياق جهود كوسران لمنع تعطيل اللقاء كما كان يريد كثيرون في لبنان وفي الغرب أيضاً. حتى إنه قال صراحة إن زيارته مرة جديدة إلى بيروت لم تهدف إلى ترتيب بروتوكولي للدعوات بقدر ما أراد منها الرد على التشكيك في حتمية انعقاد اللقاء وحمايته بوصفه مشروعاً قابلاً للنجاح والاستثمار.
وجاء الاختبار الذي كاد يهدّد المؤتمر عندما صدر كلام عن لسان الرئيس ساركوزي بما خص حزب الله، ليكشف عن أمور عدة، بينها التوحد الإضافي في موقف قوى المعارضة، إذ ما إن أبلغ حزب الله الرئيس نبيه بري والعماد ميشال عون قراره عدم الذهاب إلى المؤتمر ردّاً على كلام ساكوزي، حتى أكّد الجانبان وقوفهما الى جانب الحزب. وهو أمر ترافق مع تطور في موقف كل القوى المؤثرة في المعارضة حيال الاستحقاق الرئاسي، حيث لم يعد هناك أي طرف يعارض تبنّي ترشيح العماد عون لهذا المنصب. وهو الموقف الذي بات يشمل الآن الرئيس بري. وجاء هذا التوحد ليساعد على ترتيب موقف واحد وجدول أعمال واحد للقاء باريس. كذلك كان له الأثر الكبير في المحادثات التي جرت مع الجانب الفرنسي قبل أن يصدر التوضيح، الذي تجاوز مسألة نفي كلام إلى حدود إعلان رسميّ صادر عن أعلى هيئة فرنسية، أن باريس لا ترى حزب الله تنظيماً إرهابياً وهي ليست في وارد اعتباره كذلك برغم الضغوط التي تمارسها عليها الولايات المتحدة .
أما الجانب الآخر، فهو المتصل بموقع ودور السفير الفرنسي في بيروت برنارد إيمييه الذي عاتبه رؤساؤه في باريس، وجهات لبنانية معارضة، على خلفية موقفه الذي أطلقه في المختارة على هامش تكريمه من النائب وليد جنبلاط. وفي وزارة الخارجية، قال مسؤولون إن إيمييه عجّل في قرار نقله من بيروت، وهو بدا غير منسجم تماماً مع التوجه الجديد للإدارة الفرنسية الجديدة التي تريد أن تحتفظ بعلاقات جيدة مع جميع الأطراف. وأضاف هؤلاء أن إيمييه «ارتكب الخطأ المهني الذي لا ينسجم البتة مع قرار حكومته توجيه الدعوات لجميع الأطراف اللبنانية إلى الحوار في باريس».
أمّا إيمييه نفسه، فبرّر موقفه بأنه «لم يكن بياناً رسمياً، وأنه قاله مرتجلاً لأنه لم يكن مقرراً أن يتحدث هو في الحفل، وربما أخذته الحماسة عندما كان يتحدث بعاطفة أمام جمع من الأصدقاء الذين كانوا أقرب إليه وإلى عمله». وحاول إيمييه في المقابل المسارعة إلى الثناء على مواقف أطراف بارزة في المعارضة، مثل قوله إن الرئيس بري يتصرف بمسؤولية عالية عندما يرفض قيام حكومة ثانية الآن، وإن العماد عون يعبّر عن وجهة تصالحية مع الجميع، وإن حزب الله يتصرف بجدية بدليل أنه يوفد إلى باريس أرفع مسؤول رسمي عنده هو الوزير محمد فنيش، وأرفع مسؤول حزبي عنده هو نواف الموسوي المكلف ملف العلاقات الخارجية، لكنه يعرف أنه لا أحد يصدّقه أو يشعر بحرارة في قوله.