باريس ــ بسّام الطيارة
هيكلية واضحة لبرنامج العمل والدبلوماسية الفرنسية ترى أن مجرد انعقاده نجاح

من لم يقتنع بأن الملف اللبناني مرتبط بمجمل ملفات المنطقة وفي مقدمتها الملف الفلسطيني، كان عليه أن يستمع إلى تصريحات الناطق الرسمي المساعد في وزارة الخارجية الفرنسية دوني سيمونو في مؤتمره الصحافي الأسبوعي حول «رسالة الوزراء العشرة المفتوحة الموجّهة إلى طوني بلير» ويضعها في سياق «الحركة الدبلوماسية الفرنسية»، وخصوصاً قوله تفسيراً لهدف الرسالة «إنها تمثّل واقع تفكير استناداً إلى الوضع الحالي في الأراضي المحتلة والمنطقة».
كذلك، فإن من لم يقتنع بأن الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي، باشر في الملف اللبناني تطبيق سياسة القطيعة مع سياسة سلفه، عليه ربط ما قاله الناطق عن «الوضع الراكد» في الأراضي الفلسطينية والأسباب التي تقف وراء توجيه هذه الرسالة التي تعبّر عن رؤى مشتركة للوزراء الموقعين.
وتعود مصادر مطلعة في وزارة الخارجية الى فترة تسلّم الوزير برنار كوشنير حقيبة الدبلوماسية الفرنسية في العهد الجديد، لتشير الى أنه كان يحمل «أفكاراً واضحة» عن الخلل الذي أصاب مسيرة السلام في الأراضي الفلسطينية بسبب «عدم تطبيق خارطة الطريق». وتضيف الى ذلك الملاحظة التي ردّدها مراراً، وإحداها أمام نظيرته الأميركية كوندوليزا رايس، عن «الطريقة غير المنصفة» التي عامل بها الغرب «حكومة حماس المنتخبة بطريقة ديموقراطية»، لتخلص الى أن دبلوماسية عهد ساركوزي تحاول «تغيير طرق معالجة» الأوضاع التي وصلت إليها المنطقة.
ما علاقة كل ذلك بلبنان، وهل يمكن توسيع «بيكار» هذه المقاربة ليشمل الملف اللبناني؟ تجيب مصادر واسعة الاطّلاع باقتضاب انما بلا تردد «هذا هو التغيير الذي أعلن عنه ساركوزي»، وهي إجابة تشير إلى «أن شيئاً ما يجب أن يتغير» في المقاربة المطلوبة «لكسر الجمود الذي وصل إليه الأطراف اللبنانيون».
وتأتي في طليعة محاولة «الكسر» هذه مبادرة عقد لقاء سان كلو، الذي توافرت لـ«الأخبار» معلومات عن عناوينه وكيفية ولادة فكرته. إذ ذكرت مصادر موثوق بها أن كوشنير سيفتتحه بخطاب يعبّر فيه عن إدراك باريس لخطورة الوضع في لبنان، وهو الوضع الذي وصفه ساركوزي بأنه «مدمّر للبنان»، ورأى رئيس الوزراء فرانسوا فيون أنه يمكن أن يقود إلى «حرب أهلية»، بينما لا يكلّ كوشنير نفسه عن القول إنه "خطر جداً».
وقالت مصادر موثوق بها مقرّبة من دائرة كوشنير، إن فكرة اللقاء وُلدت «حول ترويقة لبنانية حضرها الى كوشنير بعض النواب والشخصيات من آفاق متنوعة بينهم سمير فرنجية وبهية الحريري»، وتبيّن له خلالها «جو التشاؤم والقلق الداخلي» وخصوصاً أن الاستحقاق الرئاسي «يداهم لبنان ويمكن أن يدخله في أتون صراع مخيف». وتضيف المصادر إنه قال فجأةً لدي فكرة، وأسهب في شرح إمكان «الاعتماد على المجتمع المدني لبناء حوار إيجابي»، فوافقه الرأي معظم الحضور مع الإشارة إلى ضرورة «إشراك القوى السياسية».
واختمرت الفكرة «بسرعة» عند كوشنير، على أساس أن إشراك القوى المدنية يمكّن من «الخروج من مأزق تقاسم السلطة» ويجعل «توافق اللبنانيين يفرض تراجعاً لدور الأحزاب». ولخّص مقربون منه هذا الطرح بأنه «لدعم التفكير الإيجابي والوفاق» في المجتمع اللبناني بعيداً عن صراع المؤسسات، وأن المجتمع المدني يمكن «أن يكون القاطرة التي تدفع الطاقم السياسي» للخروج من النفق.
وقد استطاع كوشنير إقناع ساركوزي بـ«قوة هذه الفكرة» والآفاق التي تفتحها للدبلوماسية الفرنسية في العالم العربي، مذكّراً بأن «لبنان يظل مدخل فرنسا إلى المنطقة العربية».
ورأى وزير الخارجية الفرنسية أنّ محاولات التعطيل الأخيرة التي اعترضت المبادرة «قضية فرنسية داخلية»، قدّمها إلى ساركوزي على أساس أنها «محاولة اعتراض لسياسة الانفتاح التي دشّنها الرئيس الجديد». وهذا ما يفسّر «السرعة» التي صدر خلالها «البيان التوضيحي» عن حزب الله من تونس، مما سمح بإعادة إطلاق مسيرة اللقاء.
وعلمت «الأخبار» أنه بخلاف التصريحات الفرنسية فإن للقاء «برنامج عمل ذا هيكلية واضحة ودقيقة جداً» تدور حول نقطتين، الأولى: مفهوم الدولة، بينما تتركز الثانية على ثلاثة محاور للقضايا الملحة وهي: التوافق على رئيس الجمهورية واحترام المواعيد، المبادرة الى طرح ميثاق شرف ينص على عدم استعمال السلاح، وتعزيز الأسس لبناء الدولة الحديثة. علماً أن مصادر مقربة من الوفود أكدت وجود تنسيق مسبّق بين المعارضة من جهة والأكثرية من جهة أخرى، إضافة الى تنسيق بين ممثلي المجتمع المدني، سبقا الحضور إلى فرنسا، ولا تستبعد أن يكون بعضها «قد أرسل مسبّقاً تصوراً للأفكار».
وذكرت مصادر في وزارة الخارجية، أن مداخلات الوفود في الجلسة الأولى التي تعقد عند الثالثة والنصف من بعد ظهر اليوم، لن تتجاوز خمس إلى عشر دقائق لكل وفد ليطرح أفكار فريقه. وقد تم الاتفاق على أن يتحدث الوزراء حسب الترتيب البروتوكولي لوزاراتهم ويليهم النواب وبعد ذلك الشخصيات الأخرى. ثم تعقد جلستان غداً للمناقشات ينهيهما الوزير كوشنر بمؤتمر صحافي.
وترفض الدبلوماسية الفرنسية «طرح تصوّر مسبّق لما يمكن تصنيفه نجاحاً أو فشلاً للقاء»، إلّا أنها تشدّد على أن مجرد اللقاء هو نجاح للخطوة.
وقد أسرّ لـ«الأخبار» مصدر مقرب من الملف اللبناني، أن باريس ترى أن ما يحصل على الساحة اللبنانية هو «عملية شدّ بين واشنطن وطهران»، رابطاً ذلك برحلة السفير فوق العادة جان كلود كوسران الأخيرة إلى طهران التي يقول هذا المصدر إنها كانت «ناجحة»، وإن طهران أكدت لكوسران «رغبتها الأكيدة في إنجاح اللقاء»، لافتاً الى أن كوسران «يعرف مشاكل البلد على حقيقتها ومختلف تشعباتها»، ويرى أن «العاملين السوري والإيراني هما أحد عوامل المأزق اللبناني»، وأن لقاء سان كلو يمكن أن يذلّل بشكل أكيد بعض العقبات النابعة من «هيكلية النظام اللبناني المعقدة» وأن «إزالة الاعتراضات الإيرانية يمكن أن تسهّل هذا التوافق» بين الفرقاء المجتمعين في ظلال غابات الضاحية الباريسية.
إلى ذلك أعلن اتحاد الطلاب اليهود في فرنسا أمس تنظيم تجمّع غداً في باريس تحت عنوان «من أجل السلام وضد الإرهاب» وذلك احتجاجاً على مشاركة «حزب الله» في الاجتماع الحواري في سان كلو. ورأى الاتحاد الذي يقول إنه يمثّل 15 ألف طالب إن الدعوة التي وجّهت الى هذا الحزب «لا تصبّ في مصلحة السلام».