أكثر العدو من الحديث عن إنجاز «الوزن النوعي» وأنه استلزم نحو ستة أعوام من الإعداد والجهود الاستخبارية الضخمة والكثير من ساعات المناورة والتنظيم التي استثمرت فيها مئات ملايين الدولارات، وأن كل ذلك ألقته إسرائيل في ساحة المعركة بأقل من نصف ساعة، في ليلة الثالث عشر من تموز.عملية «الوزن النوعي» هي هجوم واسع على عشرات الأهداف، معظمها مخازن أسلحة ومنصات إطلاق متوسطة وبعيدة المدى تابعة لحزب الله. كان ذلك «كارت الآص» في الأوراق التي يمتلكها الجيش الإسرائيلي: ضربة جوية ساحقة، شبيهة بفجر الخامس من حزيران 1967، وبالهجوم على صواريخ أرض ـــــ جو وطائرات سلاح الجو السوري في البقاع اللبناني عام 1982، والقصف التمهيدي الذي نفذته الولايات المتحدة في العراق عاميْ 1991 و2003.
نائب رئيس الأركان موشيه كابلنسكي قال، بعد إبلاغه بنتيجة القصف، إنهم في حزب الله «لا يدركون إلى أي حد اخترقناهم». وتم التعامل مع هذا الاختراق على أنه الإنجاز الأكبر في تلك الليلة، وربما في الحرب.
ويبدو أن في إسرائيل من يتحدث عن أربعين عملية خاصة لوحدات استخبارية تمت بمستوى عال من الدقة، ومكّنت هذه المعلومات سلاح الجو من أن لا يملك خريطةً للأمكنة التي تُخزّن فيها صواريخ الفجر فحسب، بل أيضاً صوراً محددة لكل غرفة حيث يوجد الصاروخ.
وجرى اللجوء إلى قدرات خاصة مثل منظومات الـ«جي بي إس» التي كانت مجهّزة بدقة يبلغ هامش الخطأ فيها متراً مربعاً واحداً. أما قنابل الـJDMA، التي أُدخلت الإحداثيات في رقائقها الإلكترونية، فقد أصابت الهدف بشكل ضَمِن تدميره بالكامل. كان الإسرائيليون يتحدثون عن احتمال وقوع نحو ألف إصابة بين قتيل وجريح في صفوف المدنيين اللبنانيين.
يصفون في إسرائيل ما جرى بأنه الأهم في مجريات الحرب. ويشيرون الى أن ملفات العملية كانت جاهزة منذ تموز 2005. وقد كانت بؤبؤ عين المؤسسة الأمنية ــــــ إلى درجة أن التقليصات التي طالت الموازنات كافة لم تمسّ بها ــــــ وبحرص مباشر من القادة الذين تعاقبوا على إدارة الأمر في وزارة الدفاع وفي هيئة الأركان. وتحدثوا عن مناورات خاصة بعمليات كهذه، إذ أقام سلاح الجو نموذجاً في صحراء النقب، تدرّب الطيارون فيه على مهاجمة أهداف من النوع الذي كان ينتظرهم في جنوب لبنان. المعونات الاستخبارية استُكملت، بحيث تُسحب لحظة صدور الأمر وإرسال الطيارين إلى أهدافهم ضمن حد أدنى من الوقت.
بعدما أبلغت قيادة سلاح الجو هيئة الأركان بأنها استكملت عملية «الوزن النوعي»، طُلب منها أن تباشر في الليلة نفسها تنفيذ عملية إضافية هي عملية «وزن الريشة». كانت خطتها تفرض أن تهاجم الطائرات الصواريخ القصيرة المدى التي يُعرف مكانها في جنوب لبنان. جرى الحديث عن عشرات الأمكنة، وهو العدد الذي لا يشفي غليل الجيش، حيث المعلومات تشير إلى امتلاك «حزب الله» أكثر من عشرة آلاف صاروخ في الأعوام التي سبقت الحرب. كان واضحاً لهؤلاء أن مثل هذا الهجوم لن يكون له التأثير الفعلي في قدرة المقاومة على مواصلة قصف كل المستعمرات والبلدات في الجليل.
إضافة إلى ذلك، قُصفت كل الأهداف الأخرى التي صودق عليها في اللجنة الوزارية والأمنية الصغيرة، من بينها أهداف في الضاحية الجنوبية لبيروت، حيث كان العدو يفترض أن من الضروري توجيه ضربات مباغتة الى ما يسمونه «مركز القيادة والتحكّم في حزب الله». كذلك أُصدر الأمر بتعطيل مطار بيروت الدولي وحصر القصف بمدارجه فقط.
وفي اليومين التاليين جرى ضرب كل «بنك الأهداف» الذي جُمع في الأعوام الستة الأخيرة. لم يعترف أحد في إسرائيل بذلك، إلا أن خريطة القصف المبعثرة في الأيام التي تلت كشفت أنه لم يعد بحوزة طائرات العدو أهداف أساسية.
يبدو أنه في نظر رئيس حكومة العدو إيهود أولمرت ووزير دفاعه عامير بيرتس، كانت ليلة الفجر تمثّل عنصر نجاح لهما، أو شهادةً على أن مدنيّيْن مثلهما قادران على إظهار التصميم الكافي في مواجهة استحقاقات ارتجف أمامها جنرالات مثل أرييل شارون وإيهودا باراك. أما رئيس الأركان فقد بدأ يحاكي تجارب الجيش النظيف والمهني عندما شعر أن إنجازات سلاح الجو تثبت صحة نظريته التي تقول إنه بالإمكان تحقيق الأهداف من خلال الضربات النارية فقط.