جوزف سماحة
إن ما يحصل في لبنان، ويحلّ عليه، هو، بمعنى ما، مسؤولية الرئيس الفرنسي جاك شيراك. لقد كان الرجل قوة دافعة رئيسية وراء إصدار القرار 1559. والقرار المذكور هو الذي فتح أبواب جهنم على لبنان. فتحها مواربة في البداية وها هي تصب حممها على بلدنا اليوم.
قيل الكثير في تفسير الموقف الفرنسي منذ سنتين. «أفضل» تبرير هو أن باريس حريصة على لبنان واستقلاله وازدهاره وسيادته وأنها تريد تحييده عن الصراعات في المنطقة. «أسوأ» تبرير هو أن باريس تبحث عن صيغة للانضواء تحت الراية الأميركية وإنهاء مرحلة ما بعد حرب العراق.
التبرير الثاني هو الأقرب إلى الصواب.
يبقى أنه كان من حق شيراك أن يأمل أن يكون له صوت، إلى جانب جورج بوش، في قضايا المنطقة عامة وفي ما يخص لبنان تحديداً. بكلام آخر كان سيد الإليزيه في موقع من يستطيع الافتراض أنه سجل نقطة، داخل المنظومة الأوروبية، ضد طوني بلير. ويعني ذلك أن فرنسا، باختلافها عن أميركا في العراق واتفاقها معها في لبنان، باتت صانعة سياسة لا مجرد ملحق بواشنطن. الصورة التي كان يطمح إليها شيراك هي صورة «حليف بوش» لا «كلب بوش» كما يطيب لبريطانيين كثر وصف رئيس وزرائهم.
مرت فترة، في لبنان، بدا فيها أن الوهم الشيراكي غير معدوم الأساس.
وتجلى ذلك في ما أطلق عليه، في بيروت، وصف «الرعاية الفرنسية ـــــ الأميركية» للتطورات. كان برنار إيمييه يستطيع الوقوف كتفاً إلى كتف إلى جانب جيفري فيلتمان.
ولكن المعادلة شرعت في الانهيار منذ 12 تموز. باتت واشنطن تملك الكلمة الأولى عبر رعايتها للحرب الإسرائيلية على لبنان فيما تجاهد فرنسا للاستمرار في رعاية لبنان، آخذةً بالاعتبار النتائج المفترضة للعدوان الإسرائيلي عليه.
تبيّن، بما لا يبقي مجالاً للشك، أن الولايات المتحدة تعطي الأولوية المطلقة لعلاقتها مع إسرائيل، وتنفذ معها خطة مشتركة، بينما تقيم فرنسا اعتباراً ملموساً للوضع اللبناني وتريد ضبط الاندفاعة الاسرائيلية عند حدود عدم تهديد هذا الوضع جذرياً.
ولكن بالقدر الذي كانت الأوضاع تتطور فيه كان الوزن الفرنسي يزداد ضعفاً، والدور يزداد تهميشاً. وبات يظهر، يوماً بعد يوم، أن فرنسا تنتقل من موقع صنع السياسة الى موقع التعليق عليها وذلك برغم توافقها مع الولايات المتحدة على التطورات الإجمالية فبوش ليس من النوع الذي يرضى بأي تباين في التفاصيل، أو في آليات الحلول.
واتخذ التمايز الجزئي بين فرنسا والولايات المتحدة شكل التعثر في التنسيق داخل مجلس الأمن، وهو تعثر لا مضمون له سوى التفاوت في درجة احترام الحيّز اللبناني الخالص في السياسات الشرق أوسطية.
لقد تأكد، هذه الأيام، أن شيراك الذي أدار محرك القرار 1559، قد انتقل الى الجلوس في المقعد الخلفي. إن بوش هو الذي يتولى القيادة، وهو يستخدم بلير ككومبارس الى جانبه تاركاً لزميله الفرنسي أن يثرثر وحده.
تدل التطورات اللبنانية الأخيرة على أن السحر انقلب على الساحر، وأن شيراك سيعود من «مغامرته» اللبنانية بلا مكسب.
يقول إنه يحب لبنان. نصدقه. عليه الآن أن يتأمل الخراب الذي أنزله بنا. عليه، أيضاً، أن يحسب حساب الخراب اللاحق إذا أصر، في الهيئات الدولية، على مشروع حل أميركي مكتوب بلغة فرنسية.

3 آب 2007