strong> راجانا حميّة
في إحدى ضواحي ضاحية بيروت الجنوبية، يبحث ستّة شبابٍ في زواريب حيّهم الصغير عن تفاصيل حياةٍ لم يختاروها، ولكنّهم عاشوها وعايشوها إلى الدرجة التي باتوا فيها محكومين بالبقاء حيث أودعتهم. في ضاحية الضاحية التي تحمل اسم «حيّ السلّم»، ثمّة من يعرف شرعة حقوق الإنسان، وثمّة من يعرف أيضاً أنّها بعيدة عن المنطقة التي نأت بنفسها عمّا يدور في خارجٍ لم تختر الهروب منه، ولكنّها وجدت نفسها «خارجه»، بسبب الظروف.
من حي السلّم، خرج ستّة شبابٍ يفضحون نمط عيشهم ومراهقتهم التي كانت لتشبه أيّة مراهقة لأيّ شابٍ في أيّة ضاحيةٍ أخرى، لولا «العيب». يترجم الشباب في عملهم المسرحي «شوفونا أكتر»، الذي تولّت فيه فاطمة زبيب (مركز الخدمات الإنمائية ـــــ الشيّاح) تدريبهم، وإعداد نص الحوار والإخراج والديكور، هموم شبابٍ آخرين ينتمون إلى الحي نفسه. تنجح نور ومروى وزينب وعلي وسامر ومحمّد، خلال 25 دقيقة في الإفلات من الكبت والتخفّي، فيروون مشاهد مترابطة من حياةٍ طويلة واقعيّة، تبدأ من المهد وتنتهي «هناك»، في الثوب الأسود، ويحاولون قدر الإمكان، أمام من حضر من عائلاتهم، فضح هواجسهم وأحلامهم، حتّى «يفهموها... ويشوفونا أكتر». في «شوفونا أكتر»، اختصر الممثّلون في المشهد الأوّل معاناتهم كمراهقين تراوح أعمارهم بين 14 و17 عاماً، فأطلقوا ثلاث عباراتٍ تكاد تكون كلّ شيء، «أنا بحب سافر»، و«أنا بحب طوّل شعري متل البنات»، و«أنا بحب إضحك على صوت عالي». مشهد آخر يخرج من المراهقة إلى العائلة، مختصراً الكثير من المحطّات التي يمرّ بها المراهق بين الحب والتسلية والزواج وتأسيس العائلة، وينقل فيه الشباب واقع العائلة التي تُؤسّس «على عجل»، والمشاكل التي تعترض أفرادها، فيروون حكاية الطفل غير المرغوب فيه، في ظلّ واقعٍ اجتماعي واقتصادي سيّىء، وقصة الوالد الذي يعود من عمله إلى المنزل ولا يجد ما يأكله وما يحرّضه على العمل من أجل «زوجةٍ لديها ما يكفي من المشاكل». ويُبرز هذا المشهد العلاقة غير المتوازنة بين الزوج والزوجة والمفهوم الذي يسري في بعض المجتمعات من أنّ الرجل هو «الحاكم المطلق»، وعلى الجميع أن ينفّذ من دون اعتراض، حفاظاً على التقاليد.
مشهد ثالث يسترجع فيه الشباب حياة ما قبل العائلة أو ما قبل الزواج، وتسرد إحداهن التغييرات البيولوجية التي طرأت على جسدها في عمر الحادية عشرة، وكيف كانت ردّة فعل الوالدة، عندما أخبرتها عمّا يحدث، مدرجة قول ابنتها في خانة «العيب». ردّ فعل الوالدة، قابلته الفتاة بردٍّ آخر، كانت نتيجته الكبت والخوف من الإفصاح عما في داخلها والاحتفاظ به لنفسها «لأنو مش ضروري إفهم».
في المشهد الرابع يعيش الشباب مرحلة الحب، من دون أن يجرؤوا على الكشف عمّا يشعرون به، سوى للأصدقاء المقرّبين.
خلال هذه المرحلة، تختلط المشاعر، وتبدأ الفتيات بالتفكير في الزواج و«الأحلام الورديّة»، ولكنّها لا تلبث أن تندم بعد تأسيس «العائلة الوهميّة». ويتخلّل هذه المرحلة تدخّل الأهل في اختيار أزواج بناتهم، فيجبرونهنّ على الزواج، إمّا لأن «العريس معو مصاري وبيقدر يعيشك، وإمّا للسترة»، وفي كلتا الحالتين، تسقط أحلام المراهقة رهينة العادات والتقاليد.
في المشهد ما قبل الأخير، يروي الشباب تفاصيل الحياة اليومية للعائلة، مع ما يرافقها من تربية الأطفال وتعليمهم والزواج والأحفاد والوحدة، إلى أن نصل إلى المشهد الأخير من المسرحيّة والحياة معاً، إلى لحظات الموت الصامت، لتعود الحياة إلى بدايةٍ أخرى.
«شوفونا أكتر»، عمل مسرحي خاص بشباب «حيّ السلّم»، قُدِّم على مسرح مدرسة الغدير الرسمية. أشرفت على العمل فاطمة زبيب، بالتعاون مع مركز الخدمات الإنمائية في حيّ السلّم التابع لوزارة الشؤون الاجتماعية، ورعاية جمعيّة «DIA» أو «Dialogue» الفرنسيّة للخدمات. يُذكر أنّ البرنامج الذي ترعاه «DIA» تحت عنوان «عبِّر عن نفسك وعن شو ما بدّك» يتناول، فضلاً عن المسرح، نشاطات أخرى مثل كرة القدم وتصميم أزياء وصناعة الموضة، إضافة إلى فن الرقص القتالي البرازيلي (كابويرا).