الرشيدية ـ إحسان الجمل
يجلس على صخرة على شاطئ مخيم الرشيدية، أقرب المخيمات الى فلسطين الوطن، وجهه باتجاه الوطن الأصيل، ونحو المحافظة التي تنحدر قريته منها، نحف التي تتبع محافظة صفد، ورغم هذا الذي شكل حلماً للكثيرين من الاجيال التي سبقته، إلا أنه اتجه بنظره الى الرمل، ووضع كيس الشيبس جنبه، فاقداً الشهية، حاصراً تفكيره بالجهة الخلفية والنقطة الأبعد، من أقصى مخيمات الجنوب الرشيدية الى اقصى مخيمات الشمال، نهر البارد، الذي يحتضر، حيث هناك الذكريات واللعب مع الأقران وتفاصيل الطفولة، وحقيبة المدرسة التي كان الظهر يئن تحتها من ثقل الكتب والدفاتر.
يقول إن أباه أحضره معه، هو لا يخاف، أراد أن يبقى في البيت، والده خاف عليه، فأمره بالخروج، لم يكن سعيداً بذلك، لكنه يأمل العودة الى الدار، لأنه خائف على عصفور الكنار الذي تركه في القفص في عجالته، ولم يزوّده بطعام وشراب، ولم يطلق سراحه.
فلسطين هي وطن الاجداد، عمره لا يؤهله لفهم التوطين من عدمه، فنهر البارد بالنسبة إليه هو مسقط الرأس، هو الحياة، ففلسطين هي لغسان كنفاني وجيله الذي كتب «عائد الى حيفا»، أما هو، فلسان حاله يقول عائد الى نهر البارد. هل يتحقق الحلم ويعود؟ وهو يسمع كل يوم عن حسم جديد، وعن ازدياد في التدمير، أم يشرب من الكأس نفسها التي شربت منها الاجيال الماضية؟ ويتحول نهر البارد الى نهر دم، فدمار، فذكرى يحييها سنوياً، كما أحيا الفلسطينيون السابقون 59 عاماً من النكبة.