غسان سعود
الجميّل الأب يرشّح ابنه للنيابة: صولانج معتكفة ونديم مهاجر وجعجع الرابح الأكبر

يعقد المكتب السياسي لحزب الكتائب اجتماعاً استثنائياً الحادية عشرة قبل ظهر اليوم في بكفيا، برئاسة الرئيس الأعلى للحزب الرئيس امين الجميل، للبحث في الاستعدادات الجارية للانتخابات النيابية الفرعية المقررة في دائرة المتن الشمالي في 5 آب المقبل لملء المركز الذي شغر باستشهاد النائب والوزير بيار الجميل.
ويأتي الاجتماع قبل ساعات على إقفال باب الترشيحات المحدد منتصف الليلة. فيما تفيد كل المؤشرات الى أن المكتب السياسي يتّجه الى تسمية سامي أمين الجميل لخوض الانتخابات، وهو الأمر الذي تفاعل في الساعات الماضية في أوساط المحازبين، حيث سجلت حركة اتصالات مكثفة مع الجميّل الأب لحثه على التروي في «توريث» أحد أعرق الأحزاب اللبنانية وأقدمها الى نجله الأصغر، على الأقل الى أن يقتنع الأخير بمصالحة «أعدائه» الكثر وسط الكتائبيين، إذ إن زعيم «لبناننا»، أو «رئيس الكتائب» كما بدأ البعض يطلق عليه منذ قرر والده تسليمه مقاليد «الله والوطن والعائلة»، لم يقسم بعد يمين الانتساب إلى الحزب، ولديه مشاكل مع أكثر من ثلثي الكتائبيين.
إلا أن الجميّل الأب، بحسب متابعين، رفض كل المقترحات، وردّ على من حاولوا ثنيه عن القرار بأن «هدف قتلة بيار كان إقفال دارة آل الجميل، وهذا ما لن أسمح به أبداً»، فيما يقول بعض «أهل البيت» إن القرار في هذا الشأن يكاد يكون محصوراً بوالدة الشهيد التي ضغطت بقوة على سامي ليتخلى شكلياً عن مشاريعه الطموحة ويمسك بالقرار الكتائبي بصفته جزءاً من الإرث السياسي.
في الصيفي، بعث استحضار سامي أجواء النقمة، من جديد، على «التوريث العائلي»، وسوء استغلال التعاطف الشعبي مع الكتائب عقب اغتيال بيار، والذي كان في إمكان الحزب ترجمته باستيعاب محازبين جدد وتوسيع رقعة نفوذه.
المعارضون لسامي الجميل يؤكدون أن الوزير الشهيد بيار الجميل «ضغط بقوة لإبعاد شقيقه عن الحزب، وكان من أشد المتحمسين ضمنياً لحركة «لبناننا» من منطلق أن كل ما يشغل سامي بعيداً عن الحزب أمر جيد». ويقول هؤلاء إنه «بعد ساعات قليلة على اغتيال بيار، فوجئ أحد محازبي الصيفي باتصال سامي سائلاً عن نظرة الكتائبيين إليه، قبل أن يبدأ بعد أقل من عشرة أيام على الجريمة عقد اجتماعات مع شبان كتائبيين من عمره ليستفسر أكثر عن واقع الحزب والعلاقات بين المحازبين». وبحسب قطب كتائبي عريق «أوصل سامي رسالة، بطريقة غير مباشرة، إلى دائرة المحازبين التي كانت مقربة من بيار، تبلغهم عدم حماسته لنشاطهم داخل صفوف الحزب، متمنياً عليهم احترام فترة الحداد. فترجمت الرسالة فوراً في انضمام ميشال مكتف إلى العازفين عن التوجه إلى الصيفي إلا عند الضرورة القصوى. وكانت قد سبقته إلى ذلك مجموعة النائبة صولانج الجميل شبه المعتكفة عن المشاركة في اجتماعات الكتائب. فيما انتقل نديم بشير الجميل إلى قطر بحجة العمل بعدما كان شبه متفرغ لتعزيز وضع الكتائب في بيروت».
وتقول مصادر قريبة من النائبة الجميل «إن العلاقة بين نديم وسامي لم تكن يوماً وديّة». ويعيد هؤلاء السبب الى «اسراع الرئيس الجميل إلى تزكية سامي وتأمين طريق قبضه على الكتائب لقطع الطريق على نديم الذي كان الشخص الأهم في معادلة الشهيد بيار لاستنهاض الكتائب، مع ما تثيره إطلالته شبه المستنسخة عن اطلالة بشير من ذكريات في نفوس المحازبين والمؤيدين». واللافت، بحسب المصادر نفسها، أن الرئيس الجميل لم يفاتح أرملة شقيقه بقراره تزكية سامي على رغم أنها شريكة مفترضة في قيادة الحزب.
أما المشكلة الأبرز فتكمن في العلاقة السيئة بين سامي وفريق رئيس الحزب كريم بقرادوني. اذ لا يخفي الأول، بحسب أحد اصدقائه، «كرهه لهذه المجموعة التي يصفها بالعميلة للسوريين»، الى حد أنه تردد أنه اشترط على والده إنجاز كل الخطوات المطلوبة لتسلمه قيادة الكتائب من دون أن يضطر إلى الجلوس ولو مرة واحدة مع بقرادوني، وأنه وعد أحد زملائه في «لبناننا»، بحسب صديقه، بـ «اقالة كل هذه المجموعة من حزب الكتائب فور إمساكه بمقاليد السلطة».
ويقول أحد أقطاب مجموعة بقرادوني إن سامي «يتوعد يومياً بالانتقام من عشرات الكتائبيين، وخصوصاً الذين تمسكوا بالانتماء إلى مصلحة الطلاب في الحزب يوم قرر هو الانشقاق وترؤس مجموعة طالبية مؤيدة للقاعدة الكتائبية». فيما يلفت أحد القادة السابقين في مصلحة الطلاب «تضخيم صورة سامي المناضل، إذ كان معظم نضاله مسرحياً ولم يقم يوماً بأكثر مما قام به معظم شباب التيار الوطني الحر والقوات اللبنانيّة والوطنيين الأحرار. وفي معظم الأوقات، كان يستغل صفته ابن رئيس جمهورية سابق فيطلق سراحه بسرعة، فيما كان رفاقه يبقون محتجزين».
ويقول القائد الكتائبي، إن تجربة سامي في القاعدة الكتائبية «كفيلة بثني الكتائبيين عن محضه ثقتهم. فطوال سنتين لم يستطع أن يؤسس أية مجموعة ناشطة ناجحة ومثمرة، والانجاز الوحيد كان في ايصاله أحد أتباعه إلى الهيئة الطالبية في كلية الاعلام الفرع الثاني عبر اتفاق مع طلاب القوات اللبنانيّة».
في الصيفي، يسأل أحد المخضرمين: «كيف سيقبل المكتب السياسي الزاخر برجالات العلم والفكر والقانون أن يتلقى الأوامر من شاب تكاد تكون تجربته الحزبية قيد الولادة»، مؤكداً أن نجل الجميّل الأصغر «يأتي موعوداً وواعداً بتبنّي الكتائبيين لعقيدته الفدراليّة التقسيمية، التي تتعارض مع جوهر الكتائب. ويسعى إلى إيصال زملائه الشباب في «لبناننا» إلى المواقع القياديّة في الكتائب متجاهلاً حيثية وجود أعضاء المكتب السياسي، وتاريخهم، وعلاقاتهم المتشعبة في المناطق. كذلك يتجاهل أن معظم الكتائبيين باتوا اليوم متقدمين في السن، ولا تستهويهم المغامرات الشبابية مثل قطع طريق بكفيا على الذين يختلف معه في الرأي أو الهرع إلى أحد أزقة الأشرفية حاملاً العصي للدفاع عن كرامة الشرقيّة». ويكشف الكتائبي العتيق «معلومات أكيدة» وصلته عن سعي الجميل الأب إلى إرضاء ابنه «عبر اللعب على الكلمات» وتبنّي طرح «الوحدات الإقليمية» بدل الفدراليات، لافتاً الى كتائبيين كثر «فوجئوا من لهجة الجميّل الأب اثر اندلاع أحداث نهر البارد وتصعيده المسيحي المتشدد، ليتبين أن سامي كان يقف خلف كلمة والده».
وينتهي أحد الكتائبيين إلى القول إن المنتصر الأبرز من امساك سامي بالحزب سيكون رئيس الهيئة التنفيذية في «القوات اللبنانية» سمير جعجع، خصوصاً اذا تبنّى الحزب العقيدة التي سعى جعجع عبثاً طوال سنين كثيرة إلى إقناع الكتائبيين بصوابها.
ويتساءل كتائبيون متنيون عن سبب عدم اختيار الجميل عضو نقابة المحامين جورج جريج، ذي النفوذ الواسع في المتن، لخوض المعركة، مثلاً، معربين عن خشيتهم من أن يؤدي الاستياء من اختيار سامي الى اعتكاف كتائبي عن الانتخاب، عدا ما يمثّله هذا الاختيار من استفزاز للزعيم المتني الرئيس ميشال المر، خصوصاً أن «الشيخ الصغير» سبق أن تهجم على المر أثناء قداس على نية الشيخ بيار الجميل في بكفيا عام 2005، وحاول طرده من الكنيسة، الأمر الذي سبب إرباكاً كبيراً لعائلة الجميل، بالإضافة إلى ما بدأت أوساط أرمنية تتناقله من كلام عنصري منسوب الى سامي ينعت الأرمن بـ «الطارئين على لبنان، والجبناء الذين هادنوا الاحتلال السوري 15 سنة».
أوساط كتائبية تخشى من أن تؤدي هذه «الدعسة الناقصة» الى تداعيات داخل الحزب، قد تتمثل في استقالات جماعية، أو على الأقل الابتعاد عن العمل، متسائلة اذا كان الحزب، الذي رفع في عهد رئيسه الراحل جورج سعادة شعار «من حزب المؤسس الى حزب المؤسسة» على وشك رفع شعار جديد هو «من حزب المؤسس الى حزب الموَرّث»!