نهر البارد ـ نزيه الصديق طرابلس ـ عبد الكافي الصمد

ما صحّة أنباء انتقال المسلّحين إلى خارج الشمال... وما مصير مبادرة طه الأخيرة؟

تواصلت الاشتباكات بين الجيش ومقاتلي تنظيم «فتح الإسلام» في المحاور الداخلية لمخيم نهر البارد، وانتقلت إلى الجهة الغربية للمخيم عند حي سعسع والواجهة البحرية والجزء الشمالي من حي صفوري، بعدما سقط المحوران الشرقي والجنوبي للحيّ بيد الجيش، الذي رفع الأعلام اللبنانية وأعلام الجيش على أنحاء مختلفة من تلة الصفوري الاستراتيجية والمشرفة على أنحاء المخيم كلها، كذلك ثبّت مكبّرات الصوت على أعمدة بعض الأبنية المهدّمة وأطلق منها النداءات لعناصر فتح الإسلام من اجل دفعهم إلى الاستسلام له.
مصادر عسكرية مطلعة ذكرت لـ «الأخبار» أن الجيش دخل إلى عمق الشارع العام، وتوغل منه في السوق المؤدي لحي سعسع، مضيّقاً الخناق بذلك على عناصر تنظيم «فتح الإسلام». بينما اتجهت وحدات عسكرية من جهتي الشمال والغرب نحو المربع الداخلي الذي يتجمع فيه ما بقي من عناصر فتح الاسلام، بغية المزيد من تضييق الخناق عليهم. ويستخدم الجيش الدبابات في تقدمه في الأزقة الضيقة بعد أن توسعها الجرافات أمامه.
وتمكنت وحدات الجيش اللبناني قبل ظهر امس، حسب مصادر عسكرية، من السيطرة على المكتب الرئيسي لتنظيم «فتح الإسلام» في الرقعة الباقية لهم في المخيم، فيما تستكمل وحدات الجيش السيطرة على محاور المخيم كلها، وتحديداً حي سعسع، كذلك سيطرت وحدات الجيش على بستان زعتر الواقعة عند المدخل الجنوبي على الواجهة البحرية، ولا تزال منطقة فاصلة بين الاونروا وبستان زعتر في أيدي المسلحين حتى الآن.
وردّت عناصر «فتح الاسلام» على القصف المدفعي، فأطلقت صواريخ 107 وقذائف الهاون باتجاهات مختلفة، شوهدت وهي تطلق من بين المنازل ومن المنطقة الواقعة عند شاطئ البحر، وسقط منها 21 صاروخاً على منطقة عكار حتى بعد ظهر يوم أمس، دون أن تؤدي إلى وقوع إصابات.
وسقطت الصواريخ والقذائف بالقرب من سيدة عرقا، وقرب الطريق العام من بلدة عرقا، وقعبرين، وسهل حلبا، ومفرق برقايل باتجاه سهل عكار، وبالقرب من خان الصايغ في منيارة، وضهور منطقة بقرزلا، وسهل عرقا، وقرية مار لية ملحم، ومار لية حدارة قرب مزرعة لتربية الخيول، والعبدة حيث استهدف منزل شخص من آل سلمى ولم ينفجر، وسهل منيارة، وكرم عصفور، قعبرين حيث أصيب منزل المواطن محمد مصطفى الماروق بأضرار مادية.
وعلى صعيد متصل، أسئلة كثيرة ضجّت بها الساحة السياسية الفلسطينية واللبنانية في الشمال يوم أمس، بعد الظهور المفاجئ للناطق الإعلامي باسم حركة «فتح الإسلام» أبو سليم طه، بعد فترة من الغياب امتدت منذ أواخر الشهر الماضي، أثارت الكثير من علامات الاستفهام حول أسبابها، وأضيفت إليها تساؤلات أخرى بعد عودته إلى الظهور مجدّداً، مطلقاً خلالها مواقف لافتة من ناحية إعلان قبوله بـ«حلّ سياسي» ينهي أزمة مخيّم نهر البارد، ومتوعّداً الجيش اللبناني، وأطرافاً فلسطينية ولبنانية «بتصعيد الأمور، إذا كان همّها مسألة وحيدة هي القضاء على حركة فتح الإسلام».
وترافقت هذه الضجّة مع تضارب كبير في المعلومات والتحليلات، وصل مثل هذه الذروة للمرة الأولى منذ اندلاع الاشتباكات قبل شهرين، وتحديداً حول الخطوة التصعيدية المقبلة التي هدّدت الحركة باتخاذها، إذا كان لا يزال فعلاً في متناول يدها ما تستطيع أن تقوم به، بعدما أطبق الجيش أخيراً الخناق على مسلحيها في مربع صغير داخل المخيّم، حيث لا يزالون يقاتلون فيه حتى الرمق الأخير.
ونبع هذا التضارب من تساؤلات عدّة طرحت عن مكان أبو سليم طه حالياً، بعدما سرت شائعات عديدة في السابق عن مقتله، وأخرى عن مغادرته المخيّم إلى خارج لبنان، واستفسارات مختلفة عما إذا كان لا يزال يقيم داخل المخيّم حتى الآن، ولماذا غاب طيلة هذه الفترة، قبل أن يعود مجدّداً؟ إضافة إلى السّؤال الأهم عن مصير المسؤول الرئيسي في التنظيم شاكر العبسي، بعدما تأكّد مقتل الرجل الثاني في التنظيم شهاب قدور الملقب «أبو هريرة».
أوساط فلسطينية مطّلعة طرحت من جهتها حول هذا الموضوع ومتفرعاته، سلسلة تساؤلات أخرى لا تقلّ أهمية عن سابقاتها، وهي أشارت لـ«الأخبار» إلى أنّ أبو هريرة كان قد صرح لها بعد لقاءات عدّة جمعتها به في مخيّم نهر البارد قبل وقوع الاشتباكات في 20 أيّار الماضي، إلى أنّ «القوّة الرئيسية لحركة «فتح الإسلام» موجودة خارج المخيّم لا في داخله»، وأنّه سمّى مناطق بعينها في طرابلس والشمال «ستهبّ لنصرتنا عند أول طلقة».
وإذ تساءلت هذه الأوساط عن حقيقة وجود مثل هذه القوّة، والامتداد الفعلي لـ«فتح الإسلام» في الشّمال، وعما أشير إلى أنّه كان هناك «مخطّط جدّي للحركة من أجل إقامة إمارة إسلامية فوق بعض مناطق الشمال، بعد وضع يدها على طرابلس أولاً»، فإنّ هذه الأوساط لفتت إلى ما زلّ به لسان دبلوماسي عربي أمام بعض الشخصيات اللبنانية والفلسطينية، قبل أيّام من اندلاع الاشتباكات، من أن تنظيم «فتح الإسلام» سوف «يصبح القوّة الأولى على الساحة في الشمال!؟».
لكنّ مصدراً لبنانياً معنياً فسّر لـ«الأخبار» سرّ هذا اللغز بشكل غير مباشر، عندما أشار إلى أنّ «أغلب الخلايا الإسلامية المتشدّدة قد انتقلت منذ الأيّام الأولى لاندلاع المعارك إلى مناطق لبنانية أخرى خارج الشّمال، وأنّ بعض هذه الخلايا التي تمّ اكتشافها والقبض عليها، أو الاشتباك معها في بعض المناطق في طرابلس، يرجّح أنّها تأخرت في تبلّغها أمر الانتقال، أو أنّها وقعت في إرباك معين، الأمر الذي يفسّر اضطرارها إلى القتال ورفضها الاستسلام خشية انكشاف أمرها».
غير أنّ كلّ هذه التطورات تدفع إلى تساؤلات من نوع آخر، وهي لماذا يعيد أبو سليم طه طرح العودة إلى المفاوضات مجدّداً الآن، والبحث عن حلّ سياسي لأزمة مخيّم نهر البارد، وإعلانه «الإلتزام بأيّ مبادرة يطرحونها»، بعدما كان القبول بهذا الحلّ متعذراً وغير مقبول لأسباب عدّة في البداية؟ وأين هي الحقيقة في ما نُقل عن أنّ القيادة الجديدة لـ«فتح الإسلام»، والتي تمثلت بشاهين شاهين، كانت أكثر مرونة وإيجابية في التعاطي مع المفاوضين من سابقتها، في موازاة ما أعلنه رئيس «جبهة العمل الإسلامي» الداعية فتحي يكن حينها عن أنّ مساعيه للحلّ قد وصلت إلى طريق مسدود، بعدما وضع تنظيم «القاعدة» الدولي يده على ملف مخيّم نهر البارد؟
وعلى الرغم من أنّ كلّ هذه الأسئلة وغيرها لا يُنتظر أن تلقى أجوبة واضحة عليها، فإنّ دعوة أبو سليم طه كلاًّ من الأمين العام لحركة «التوحيد الإسلامي» الشيخ بلال شعبان، والشيخ داعي الإسلام الشهّال، أحد أبرز وجوه التيّار السلفي في طرابلس والشمال، و«رابطة علماء فلسطين»، إلى العودة لإطلاق المبادرة التي وافق عليها الجيش والحركة في البداية، بقي صداها في إطار ضيّق، بعد رفض الجيش لها.
فالشيخ الشهّال أبدى لـ«الأخبار» استعداده بعد التشاور مع الشخصيات والجهات المذكورة وغيرها، للقيام بمشروع مبادرة «إذا كانت ستؤدّي إلى إنقاذ البلد، وتصبّ في مصلحة الجميع، وذلك بعد الاتصال بقيادة الجيش التي أبدت كلّ حرص على عدم إراقة المزيد من الدماء، إضافة إلى الحرص على إجلاء عوائل المسلحين من المخيّم لاعتبارات إنسانية»، لافتاً إلى أنّ «التحرك المقبل قد يكون أسهل لأنّه جاء بناء على طلب مسبق، وبعد توارد الأنباء عن مقتل أبو هريرة وأبو رياض، واحتمال مقتل شاكر العبسي».