strong>خاض الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله نصف الحرب النفسية بالكلمات والعبارات التي حرص على انتقائها خلال إطلالاته الإعلامية. وبلغ تفاعل جمهور المقاومة مع خطابه حدّاً صارت معه تعابير وجهه ونبرة صوته محلّ تحليل ومبعث طمأنينة أو قلق، تبعاً لحالته. وفي الجهة المقابلة، رصد الجمهور الإسرائيلي خطاب نصر الله من باب الثقة في صراحته، مقارنة مع التعمية الذي مارستها القيادة الإسرائيلية إزاء مجريات الحرب. أهمية وقع كلمات السيد حسن نصر الله دفعت السلطات الإسرائيلية ووسائل الإعلام الغربية إلى تخصيص مساحة لتحليل شخصية الأمين العام لحزب الله والرمزية التي أصبح يمثّلها في العالم العربي والاسلامي



علي شهاب

  • طاقم استخبارات إسرائيليّ رصد حركة يدَيْ «السيّد» ولغة جسده


  • «هل أثّر المكوث الطويل تحت الأرض على مزاجه؟ هل يخشى على حياته أم أنّه يواصل الإيمان بالنصر؟ ماذا يخطّط لما بعد الحرب؟ أسئلة طرحتها صحيفة «يديعوت أحرونوت» في معرض تحقيق بعنوان «الخبراء الذين يدخلون رأس نصر الله»، كشفت فيه عن تأليف السلطات الاسرائيلية طاقماً من 15 فرداً بين محلل استخبارات ومستشرق وعالم نفس لتحليل شخصية نصر الله، و«إعداد بروفيل متجدد له». واستند فريق الخبراء هذا الى جملة معطيات، من بينها لغة الجسد وحركة اليدين وتعابير الوجه.
    كذلك أجرى الباحثون، بحسب «يديعوت»، مقارنة بين ظهور «السيّد» بُعيد أسر الجنديين وخطاباته إبان الحرب.
    أولى ملاحظات أحد الخبراء في الفريق الاسرائيلي أن «نصر الله شخصية تعيش على الإعلام» وأنه «شخص يستعدّ جيداً لظهوره».
    الملاحظة الثانية تعزز ما أعلنه السيد بخصوص أن حزب الله لم يكن ليأسر الجنديين لو علم أن حرباً ستحصل بسبب هذا الأمر؛ يقول فريق إعداد «بروفيل» نصر الله «كلما طالت الحرب كان نصر الله يبثّ الانطباع بأنّ: ليس هذا ما خططتُ له».
    وإلى هذه النقطة يشير أحد الخبراء الاسرائيليين بالقول «منذ خطابه الأول، تحدث عن مفاوضات وعن صفقة التبادل. نصر الله استعدّ لحملة ضربة واحدة؛ اختطاف، مفاوضات طويلة ومضنية، وصفقة».
    من جملة الخلاصات التي خرج بها الخبراء النفسيون الاسرائيليون أيضاً أن:
    ـــــ نصر الله هو «رجل فهيم على نحو مدهش».
    ـــــ ليس على نصر الله «أمارات خوف من الموت».
    ـــــ نصر الله مقتنع بأن له مستقبلاً، لكن عليه أن يتصدى للتحدي الذي وقع أمامه فجأة.
    ـــــ نصر الله لا يعدّ نفسه لبقاء طويل في مقرّه تحت الأرض.
    وتجدر الإشارة الى أن أحد المشاركين في رصد ملف السيد وتحليله، لفت الى «الفارق بين طريقة التحليل في وكالة الاستخبارات الاميركية وطرق التحليل الاستخباري في اسرائيل؛ اذ يكتفي الأميركيون بتحليلات نفسية بالنسبة إلى شخصية معينة لكونها محور تقدير. أما عندنا، فالبروفيل أكثر تعقيداً ويستند إلى صورة استخبارية شاملة، للجانب النفسي ولغة الجسد فيها وزن معين، لكن لتحليل التصريحات والمقارنة بين الماضي والحاضر وزن أكبر».
    شهادة اسرائيلية اخرى أدلى بها الصحافي داني روبنشتاين، في صحيفة «يديعوت» أيضاً، بقوله، قبل أسبوع من اعلان وقف اطلاق النار، إن «حسن نصر الله هو شخصية عظيمة، تشخص لها أبصار الفلسطينيين والشارع العربي، بدرجة تفوق عبد الناصر في زمنه. عبد الناصر صمد في حرب حزيران ستة ايام، أما حسن نصر الله فهو يحبس رُبع سكان اسرائيل في الملاجئ منذ أربعة أسابيع».
    من جهة ثانية، ركزت الصحف البريطانية على شخصية السيد باعتباره «رمزاً للمقاومة ضد اسرائيل في ربوع العالم الإسلامي»، بحسب صحيفة «الإندبندنت» الصادرة في الثاني من آب 2006.
    ورصدت الصحيفة البريطانية المراحل المختلفة التي مرت بها هذه «الشخصية الكاريزمية»، والتي هي «مزيج من القومية والتدين»، إذ ترى «الإندبندنت» أن نصر الله قد تحول بفعل الهجوم الإسرائيلي على بلاده «من مجرد الزعيم الأكثر أهمية في الطائفة الشيعية في لبنان إلى القائد الذي نجا من كل المحاولات الإسرائيلية لقتله واستئصال حزبه، فغدا بطلاً في طول العالم العربي وعرضه».
    بدورها، رأت صحيفة الـ«تايمز» في السيد «رجل اللحظة الذي صعد نجمه على أنقاض الأبنية التي دمرتها القنابل الإسرائيلية الغبية وحطامها».
    في التاسع والعشرين من آب الماضي، وإلى جانب صورة كبيرة للأمين العام لحزب الله، نشرت «دايلي تلغراف» تقريراً تحت عنوان «نجم الشاشة نصر الله يؤثر في الناس من كل الأطياف في لبنان».
    ورأت الصحيفة أن نصر الله أصبح «أحد أكثر القادة إثارة للإعجاب في الشرق الأوسط»، مبدية إعجابها بإشارته، خلال المقابلة مع تلفزيون الجديد «العلماني» إلى عدم القيام بعملية الأسر لو كان لدى الحزب أدنى احتمال لمواجهة مثل هذه الحرب، وحق الجيش اللبناني في نزع سلاح أي شخص يصادفه في الجنوب، واستبعاد أي نية لديه أو لدى الجانب الاسرائيلي في خوض جولة ثانية من الحرب.
    ونقلت الصحيفة انطباعات لبنانيين شاهدوا المقابلة؛ فقال أحدهم إن «الناس يصدقونه، فبخلاف جميع السياسيين الآخرين، هو ليس بكذاب».
    أما «الإندبندنت» فوصفت مقابلة السيد مع مديرة الأخبار في تلفزيون الجديد مريم البسام بأنها «غير عادية، للأسباب نفسها التي أوردتها «دايلي تلغراف».
    وتابعت الصحف البريطانية تسليط الضوء على موقع السيد بعيد الحرب، فقالت الـ«غارديان»، في 26 آب، إن «صور نصر الله تنتشر في شوارع رام الله»، ذلك لأنه «يقول وينفّذ، وهو أمر غير معتاد بين الزعماء العرب».
    من جانبها، ركزت صحيفة «فاينانشنال تايمز» على «معانقة الشارع العربي السنّي للبطل العربي الجديد حسن نصر الله، الذي يُضعف بجاذبيته رسالة أسامة بن لادن في الشرق الأوسط».
    وإلى جانب مقال بعنوان «حزب الله أعاد رسم خريطة الشرق الأوسط»، نشرت الصحيفة رسماً كاريكاتورياً لمجموعتين من الاشخاص، شيعة وسنة، بينهما شرخ تسدّه صورة كبيرة للسيد نصر الله، في اشارة الى تقريبه بين المذهبين من خلال جهاده ضد اسرائيل.
    وفي السياق، تطرقت الصحيفة الى الفتاوى التكفيرية التي أصدرها «مشايخ سعوديون وهابيون اضطروا لتغيير رأيهم بعد انتصار حزب الله».
    أيضاً، تطرقت وحدة التحليل في «الإيكونوميست» إلى الرمزية التي صار يمثلها السيد نصر الله حيث «نجح في توحيد الشيعة والسنة في الشرق الأوسط، الأمر الذي لم يستطع بن لادن فعله». كذلك، بعث نصر الله «الأمل مجدداً بقيام نهضة اسلامية لدى الشباب العربي»، بعدما وضع لبنان «حدّاً للقوة الاسرائيلية».
    بدوره، خصّص معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى حيزاً في تقويمه للحرب لصورة السيد الذي كان خطابه عقب التحرير في بنت جبيل عام 2000 «محورياً في اندلاع الانتفاضة الفلسطينية»، الى درجة أن مصطلح «شبكة العنكبوت» اصبح التعبير المجازي المفضل لدى حزب الله لوصف القوة الاسرائيلية. وقد عززت تصريحات المسؤولين الاسرائيليين عمق انزعاجهم من هذا الخطاب، الى حد أن آلة الحرب قررت دخول البلدة الجنوبية لكسر إرادة المقاومة!
    ويتابع معهد واشنطن أن نصر الله «يصوّب باتجاه قدرة الردع الاسرائيلية» وهو ما أسفر عن «حساسية مفرطة لدى الحكومة الاسرائيلية».
    صحيفة «واشنطن بوست» الأميركية اختصرت الكلام عن الأمين العام لحزب الله بالقول: «بعمامته وطلعته، نصر الله هو أكبر أسرار حزب الله على الإطلاق».




    المصدر:
    اعتمدت هذه المقالة على عدد من المصادر، أهمّها: "يديعوت أحرونوت"، "التايمز"، "الدايلي تيليغراف"، "الإندبندنت"، "فاينانشال تايمز"، "الإيكونوميست"، و"معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى"