البدّاوي ــ عبد الكافي الصمد نهر البارد ــ نزيه الصديق

ناشطـــون يدعـــون لتحييـــد المدنييـــن والجيـــش يحمّـــل المقـــاتلين مسؤوليـــة سلامتهـــم

استشهد ثلاثة جنود من الجيش في المعارك أمس في الاشتباكات العسكرية بين الجيش اللبناني ومسلّحي تنظيم فتح الإسلام في مخيم نهر البارد. وقالت مصادر أمنية إن 15 جندياً آخر جُرحوا في القتال. وبذلك ترتفع حصيلة شهداء الجيش الى 117 جندياً في المعارك التي بدأت في 20 أيار، فيما قتل ما لا يقل عن 81 مسلحاً و41 مدنياً.
وتمكّن الجيش خلال الساعات الـ48 الماضية من اكتشاف عدد كبير من مستودعات الأسلحة والذخائر والمتفجرات والصواعق في المخيمين الجديد والقديم، ولا تزال عمليات البحث جارية عما تبقى من هذه المستودعات في عدد من الأحياء والأزقة الداخلية للمخيم وفي داخل الملاجىء والسراديب التي اكتُشفت تحت الأرض. ويتم التعامل مع هذه الملاجىء التي سيطر عليها الجيش بالطريقة المناسبة. وكذلك تمكّن من السيطرة على مواقع محصّنة جديدة في الناحية الشمالية الشرقية للمخيم. وخلال مداهمته أحد المخابىء في المخيم عثر على عدد من جثث المسلحين إضافة الى أسلحة وذخائر ومناظير ليلية.
وخفّت حدّة العمليات خلال اليومين الماضيين، وتراجعت منذ مساء أول من أمس السبت، فيما واصل الجيش تضييق الخناق على المسلحين في المربع الذي لا يزالون يتحصّنون فيه داخل حدود المخيم القديم، وتحديداً في الجهة الغربية والجنوبية منه، فيما لوحظ تراجع إطلاق الصواريخ من داخل المخيم خلال هذه الفترة بشكل واضح.
وفي موازاة هذا التراجع، شهدت المحاور الداخلية من المخيم اشتباكات عنيفة، وخصوصاً على محور ناجي العلي ــــ التعاونية، والطرف الشمالي من حي صفوري، وخط المواجهة الشمالي لحي سعسع الممتد من جنوب مركز صامد ومدارس الأونروا وصولاً إلى التعاونية، إضافة إلى خط المواجهة الجنوبي للحي، فضلاً عن اشتباكات لا تزال تدور عند المحور الغربي لناحية البحر، حيث تسمع من بعيد أصوات دويّ القذائف والقنابل والانفجارات، فيما يتصاعد من محيط مواقع المسلحين، دخان نيران الحرائق المشتعلة في الأبنية الموجودة فيه.
وكان متحدث عسكري قد أوضح أنه «منذ مساء السبت تدور أعمال حربية غير عنيفة، فيما تستمر الوحدات المتخصصة في نزع الألغام والمفخخات وفتح الطرق»، مشيراً إلى أنه «من وقت لآخر يرد الجيش على مصادر النيران ويقوم بمزيد من التضييق على من بقي من الإرهابيين».
غير أن التطور الأبرز واللافت ميدانياً يوم أمس تمثّل في «الحرب النفسية» التي دارت بين الجيش والمسلحين داخل المخيم. فبعدما وضع الجيش مكبرات للصوت فوق أسطح المباني التي سيطر عليها، وأطلق من خلالها نداءات تدعو المسلحين إلى الاستسلام، وتعدهم بنيلهم محاكمة عادلة، رد المسلحون بمكبرات صوت مماثلة، وإن كانت أقل حجماً، داعين الجيش إلى الخروج من الدبابات والملالات العسكرية، ومواجهتهم وجهاً لوجه!
في مقابل ذلك، أشار عضو رابطة علماء فلسطين الشيخ محمد الحاج لـ«الأخبار» إلى أن «الاتصالات التي أُجريت مع كل الأطراف أوضحت أنهم يؤيدون الحل السياسي، ولكن كلاً منهم يريد هذا الحل على هواه».
وعن اللقاء الأخير الذي عقده وفد الرابطة مع مفتي الجمهورية الشيخ محمد رشيد قباني، لفت الحاج الى أنه «تبين أن سماحته ليس مطّلعاً بالتفصيل على كل ما يجري، ووعد بقيامه بتحركات وجهود في هذا الإطار، وخاصة أن عدة عائلات وبينها أطفال يعيشون أوضاعاً صعبة، ووعد بأن يأخذ لنا موعداً مع رئيس الحكومة فؤاد السنيورة».
وأوضح الحاج أن «جماعة فتح الإسلام قدّموا مقترحات فيها عدة إيجابيات، وتحديداً في ما يتعلق بالتسليم، لكن ضمن حالات وشروط معينة، إلا أن الجيش اللبناني رفضها جملة وتفصيلاً»، لافتاً الى أن الجيش قد «وصل على ما يبدو إلى وضع بات يرفض معه مبدأ التفاوض مع فتح الإسلام بالمطلق».
وأكد الحاج أنه «لا يزال أمامنا أكثر من مسعى سنبذله، ومنه لقاؤنا المحتمل مع رئيس الحكومة، وذلك قبل نفاد المهلة التي أعطانا إياها الجيش»، والتي رفض الحاج تحديد مدتها.
وعن الاتصالات الأخيرة التي أجراها مع المتحدث الإعلامي في حركة فتح الإسلام أبو سليم طه، لفت الحاج الى أن الأخير قال له إن قائد التنظيم شاكر العبسي ونائبه شهاب قدور أبو هريرة «هما خارج المخيم الآن، إلا أنني لم أستطع معرفة مكان وجود أبو سليم، وهو لم يوضح لي ذلك، عدا عن أنه اتصل بي من رقم هاتف خلوي غير ظاهر».
على صعيد متصل، ارتفعت أصوات أول من أمس مجددةً المطالبة بضرورة تحييد المدنيين، وخصوصاً النساء والأطفال وكبار السنّ، وعدم تحميلهم مسؤولية ما يحصل، أو إجبارهم على دفعهم ثمن نزاع لا علاقة لهم به، وخصوصاً بعد بروز مشكلة جديدة أخيراً تمثّلت في الحديث عن وجود أكثر من خمسين امرأة وطفلاً من عائلات المسلحين لا يزالون موجودين داخل المخيّم، الأمر الذي أعاد طرح ملف ضرورة تحييد المدنيين مجدّداً عن هذا النزاع.
لكنّ هذه المشكلة تعقّدت على نحو كبير لاحقاً. فالجيش اللبناني أبدى كلّ استعداد للتعاون في هذا المجال، وأعرب عن عدم ممانعته خروج كلّ من بقي من المدنيين، وخصوصاً زوجات المسلحين وأطفالهم، محمّلاً في موازاة ذلك المسلحين «مسؤولية سلامة عائلاتهم لمنعهم إيّاها من مغادرة المخيّم»، بعدما سرت عدّة أقاويل عن أنّ هؤلاء قد تحوّلوا إلى دروع بشرية يُحتمى بها، بهدف إحراج الجيش والضغط عليه من أجل تخفيف القصف، أو المناورة من خلال استخدام هؤلاء المدنيين في عمليات تعزيز المواقع والتقاط الأنفاس، والقيام بعد ذلك بعمليات الالتفاف والتسلّل في اتجاه مواقع الجيش اللبناني.
هذه التطورات المتلاحقة، دفعت ممثلين لهيئات في مجال حقوق الإنسان إلى عقد مؤتمر صحافي في مقر اللجنة الشعبية في مخيّم البدّاوي أول من أمس، حضره محمود الحنفي ممثلاً مؤسسة «شاهد»، وكويفا بترلي من منظمة «أصوات في البرية»، وهاني بلعوس من «مركز التنمية الإنسانية»، وأحمد أبو جميل من منظمة «ثابت» لحقّ العودة، وماري نيومان الأستاذة المحاضرة في الجامعة الأميركية في بيروت ومايكل بيرمنغهام الناشط البريطاني في مجال حقوق الإنسان.
بترلي التي تحدثت باسم المشاركين في المؤتمر، بعدما قدّم كلّ منهم مداخلة في هذا المجال، قالت «نودّ أن نعبّر بقلق شديد عن تردّي الأوضاع الإنسانية في مخيّم نهر البارد، حيث لا يزال نحو ستّين امرأة وطفلاً داخله»، داعية الجيش اللبناني وكلّ الفرقاء المعنيين إلى أن «يحافظوا على حقوق المدنيين الباقين في المخيّم، مع تأكيد إخلائهم بسلام منه».