بعلبك ــ عبادة كسر
في ظل غياب شبه تام لبرامج الإصلاح والتأهيل في السجون، تحاول نقابة الفنانين في البقاع العمل على مشروع فني من الممكن، في حال البدء بتنفيذه ثم تطويره، أن يشكّل برنامجاً إصلاحياً هو من واجبات وزارتي العدل والداخلية


حاولت «نقابة الفنانين التشكيليين والحرفيين في البقاع» مراراً القيام بمشروع رسم وتخطيط على الجدران الداخلية للسجون في منطقة البقاع وذلك منذ بداية 2006. لكن، حتى الآن، لم تلقَ محاولاتها تجاوباً. رفعت النقابة إلى المدير العام لقوى الأمن الداخلي، آنذاك، كتاباً طلبت منه قبول اقتراح أعضاء المجلس التنفيذي للنقابة حول مشروع الرسم والتخطيط على جدران السجون من الداخل في منطقة البقاع، كخطوة قد تساعد على تحسين الوضع الإنساني في السجون.
انطلقت الفكرة، عندما كان رئيس النقابة عامر الحاج حسن ماراً بالصدفة من أمام نافذة زنزانة أحد السجون في البقاع، ليرى رسوماً تقليدية تألفها كل جداريات السجون: رسوم «بالشحتار وتفل القهوة» لقلوب مطعونة بالخناجر أو فتيات عاريات أو عبارات من نوع «أبو الجماجم مرّ من هنا». جداريات ليست إلا مرآة لنفسية منجزيها، الذين حرمتهم إقامتهم القسرية بين جدران السجن الحاجات الأساسية لضمان السلامة النفسية المتأتية من ابتعاد الإنسان عن النظرة التشاؤمية والسوداوية والشعور بالإحباط، ومن طموحه لتحقيق ذاته، ومن العمل، والعلاقات الاجتماعية، والشعور بالأمان والإحساس بالجماليات.
ومن الممكن تطوير مشروع النقابة عبر السماح للمسجونين بالتعبير الفني، من خلال الرسم والتلوين بداية. إذ تعتبر المقاربة الفنية للتعامل مع المسجونين محاولةً تأهيلية ـــــ وقائية لهم، تساعدهم بالدرجة الأولى على استبدال النتائج السلبية للمشاعر المكبوتة والهدامة بالتعبير الفني. وعلى سبيل المثال، يمكن للمسجون استبدال العنف الجسدي الناتج من الغضب بالتعبير الفني الذي يسمح له بتفريغ شحنات طاقته بطريقة بنّاءة، إذا كان التعبير الفني بإشراف أخصّائيين. إضافة إلى ذلك، فإن التعبير الفني يعطي المسجون شعوراً بالرضى ناتجاً من إنجاز عمل معين قام به، وهذا العمل أيضاً، يؤمن للمسجون إشباعاً للإحساس بالجماليات. كما أن هذا العمل يمكن أن يسمح للمسجون باستثمار الوقت الذي يقضيه داخل السجن، بطريقة خلاقة بعيدة عن الهدر الذي يعانيه المسجونون في ظل غياب شبه تام للبرامج التأهيلية في السجون الللبنانية. ويساعد ملء الفراغ المسجون على النظر إلى الأخطاء التي يرتكبها خلال العمل والتفكير بمحاولة إيجاد حلول لها.
كذلك، في حال وجود أخصّائيين بالتأهيل الفني(Art Therapy)، يمكن أن يكون التعبير الفني أداة يستطيع المسجون أن يعبّر من خلالها عن الأسباب والدوافع النفسية والاجتماعية، المُدرَكة أو غير المدركة، التي تقف وراء مخالفته للقانون. وبالتالي، يمكن الأخصائي أن يعمل على مساعدة المسجون على مواجهة المشاكل الناتجة من هذه الأسباب، ومن ثم العمل على التخفيف من إمكان الاعتياد على الجريمة وتكرارها.
كذلك، يساعد التعبير الفني المسجونين على إثراء علاقاتهم الاجتماعية، من خلال تواصلهم مع الفنانين والأخصائيين. كما أنه يساعدهم على التعاون في ما بينهم، من خلال العمل على جداريات مشتركة، تفرض على كل منهم إنجاز قسم من العمل الذي لن يكون مكتملاً بالشكل الصحيح، إلا بتعاونهم البنّاء سوياً. وقد يؤدي هذا الأمر على إعادة بناء الثقة بالنفس لدى الفرد المسجون، من خلال إحساسه بأنه ذو منفعة للآخرين خلال إنتاج عمل لا تقتصر الاستفادة منه عليه. كما أن التعبير الفني قد يسمح بتغيّر معايير القوة والسلطة لدى المسجونين.
وكانت النقابة قد عملت على مشروع الرسم في المدارس غير الملحوظة من الناحية الفنية من الدولة والمجتمع، وذلك بتعليم التلامذة فنون الخط والرسم والحرف مجاناً. كذلك قامت بالتعاون مع الجمعية اللبنانية للدراسات والتدريب برسم جداريات في مدينة بعلبك. قامت الجمعية بتنظيف الجدران وطلائها، ثم مساعدة الأطفال (طلاب المدارس ما دون المرحلة المتوسطة) على الرسم واختيار الألوان. وبذلك تعاونت النقابة مع الجمعية اللبنانية للدراسات والتدريب في هكذا مشروع لإزالة التشويه عن الجدران من باب تجميلها بالرسوم والألوان. شملت الجداريات منطقة رأس العين وحي آل اللقيس الذي تعرض لقصف عنيف في الحرب الأخيرة وشارع مار جرجس.
وبالنسبة إلى مشروع الرسم في السجون، يؤكّد الحاج حسن أنه سيتابع المشروع حتى يرى النور. وذكر الحاج حسن أنه لم يطلب من أي جهة سياسية ولا من النواب أن يؤازروا النقابة في هكذا موضوع، «لأن النقابة فنية ومستقلة وليست مرتبطة بفئة سياسية أو طائفية».
تأسست النقابة عام 2005 من مجموعة من الفنانين الرسامين والخطاطين والنحاتين وأصحاب الحرف والأشغال اليدوية، الذين يعملون لتنمية روح الفن، ونشر المعرفة الفنية في المنطقة الظمأى من شدة الحرمان على كل الصعد.
تشارك النقابة بفنانيها في معرض سنوي، لم يتقدم خلاله أحد من الحضور سواء من السياسيين (حيث يكون الافتتاح برعايته) أو من الناشطين في الشأن العام أو من عامة الحضور بشراء لوحة أو عمل فني لتحفيز الفنانين.