نيويورك - نزار عبود
إثارة الخلافات مع دمشق حول مزارع شبعا محاولة أميركية لتحويل الأنظار عن التعنت الإسرائيلي

استغربت مصادر دبلوماسية في نيويورك ما أثارته أوساط إعلامية عن رد لبناني يجري إعداده على الرسالة السورية إلى الأمم المتحدة في شأن تطبيق القرار 1701، ورأت أنه يمهد لانقلاب على اتفاق جرى أثناء العدوان الإسرائيلي في تموز الماضي بين رئيس الحكومة فؤاد السنيورة ووزير الخارجية السوري وليد المعلم، في شأن مزارع شبعا.
وبحسب المصادر نفسها، فإن «مردّ الاستغراب هو القراءة الملتبسة لهذه الرسالة ولتصريحات المندوب السوري لدى الأمم المتحدة بشار الجعفري، وما بني عليها من تحليلات تقصّدت إساءة القراءة». ورأت أن «هذه الحملة المفتعلة تأتي في إطار إيقاع لبنان في الفخ الذي نصبته له بعض القوى النافذة دولياً ومحلياً، لأن المطلوب تجيير الامتعاض الدولي من الانتهاكات الإسرائيلية المستمرة للقرار 1701 إلى سوريا، وتحميلها مسؤولية فشل مجلس الأمن في تطبيق القرار، لا سيما ما يتعلق بحل قضية مزارع شبعا، خصوصاً بعد الإحراج الكبير للأمم المتحدة الذي سبّبه إعلان وزيرة الخارجية الإسرائيلية تسيبي ليفني إثر لقائها نظيرها الفرنسي برنار كوشنير في باريس أن إسرائيل لن تنسحب من المزارع».
وتوضح المصادر أن «العملية بدأت بتحريف تصريحات الجعفري واجتزائها من سياقها العام»، مشيرة إلى أن المندوب السوري ذكر حرفياً في رسالة حكومته المتعلقة بموقف سوريا من تقرير الأمين العام الرابع عن تنفيذ القرار 1701، والتي وجّهها إلى الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون ورئيس مجلس الأمن الدولي غوانغيا وانغ في 16 تموز الجاري، (ونشرتها «الأخبار» في اليوم التالي)، ما يأتي: «تشير الجمهورية العربية السورية، في ما يخص مزارع شبعا، إلى أن تقرير السيد الأمين العام لم يكن حيادياً وموضوعياً وشمولياً في استنتاجه أن الموقف السوري من هذه المسألة يتعارض مع القرارين 1680 و1701، متجاهلاً أسباب الموقف السوري الذي نقلناه إليه حول هذه المسألة، وهو استمرار احتلال إسرائيل للجولان السوري. ولقد أكد مجلس الأمن في الفقرة 18 من القرار 1701 على أهمية وضرورة تحقيق سلام عادل وشامل في الشرق الأوسط استناداً الى جميع قرارات مجلس الأمن ذات الصلة».
وأضاف الجعفري في تصريحات صحافية عقب مناقشة التقرير في 18 تموز الجاري بالقول «إن مسألة الحدود السورية كما وردت في التقرير تهمل وتغفل انعقاد 12 اجتماعاً رفيع المستوى بين الطرفين السوري واللبناني على مستوى المحافظين منذ اعتماد القرار 1701(...) وعدم أخذ الأمين العام موضوع احتلال الجولان بالاعتبار في معرض تفسيره لمسألة ترسيم الحدود السورية ـــــ اللبنانية في مزارع شبعا». وأوضح أن هذا الموقف والمعلومات المتعلقة به نقلت إلى الأمين العام وإلى مساعده مايكل وليامز رسمياً. وأشار إلى التفاهم السوري ـــــ اللبناني إبان العدوان الإسرائيلي في تموز الماضي والذي كان الأساس في صدور القرار 1701 ضمن ما عرف بالنقاط السبع.
ووفقاً لمعلومات حصلت عليها «الأخبار»، فإن الموقف السوري مبنيّ على الاتفاق الذي جرى في السادس من آب 2006 بين السنيورة والمعلم، إبان زيارة الأخير لبيروت خلال العدوان الإسرائيلي، وفيه أبلغ الوزير السوري رئيس الحكومة اللبنانية أن مزارع شبعا لبنانية، وشدد على وجوب انسحاب إسرائيل منها ومن جميع الأراضي اللبنانية المحتلة الأخرى، مؤكداً عدم ممانعة بلاده وضع المزارع تحت وصاية الأمم المتحدة حتى تحرير الجولان السوري، وعندها يقوم الجانبان السوري واللبناني بتحديد المزارع وترسيمها. وكان هذا الاتفاق الأساس للنقاط السبع ولا سيما النقطة الرابعة التي تدعو إلى «التزام مجلس الأمن وضع مزارع شبعا وتلال كفرشوبا تحت سلطة الأمم المتحدة حتى ينجز ترسيم الحدود، وبسط سلطة الدولة على هذه الأراضي وعودة أهاليها إليها».
وتخشى المصادر الدبلوماسية من أن تكون «غاية بعض الأوساط اللبنانية التي أثارت هذا الجدل تضليل الرأي العام، وإيهامه بأن الآمال معقودة على المسّاح الطوبوغرافي الدولي الهنغاري لإثبات لبنانية مزارع شبعا، وهو ما لا يحتاج إلى إثبات، لأن سوريا أعلنته علناً، خطياً وشفهياً، مرات عدة، وإذا كان هناك من مسوّغ لعمل المساحين الدوليين فهو لإقامة الحجة على إسرائيل لبرهنة أنها تحتل أراضي لبنانية ولم تطبق القرار 425 كاملاً. لكن إسرائيل لا ترغب في ذلك، وتريد القوطبة على أي نتائج لمهمة اللجنة تلزمها تطبيق القرار 1701».
وتتوقف المصادر عند «إمعان الحكومة اللبنانية في إثارة الخلافات مع سوريا في مسألة مزارع شبعا»، مشيرة إلى أن «فشل الحكومة اللبنانية والأمم المتحدة في ضمان انسحاب إسرائيل من مزارع شبعا بالطرق الدبلوماسية، كما وعدت وتعهدت، سيجيَّر لإلقاء اللوم على سوريا لرفضها قبول الترسيم منذ الآن. وعندها ستكون حجة فريق 14 آذار أن سوريا والمعارضة اللبنانية تتفقان على بقاء الذرائع الموجبة لاستمرار احتفاظ المقاومة بالسلاح وربط لبنان بالصراع الأشمل في المنطقة من خلال بقاء المزارع محتلة».
وتلفت المصادر نفسها إلى «اللغة الأميركية التحريضية الجديدة لفريق السلطة»، مشيرة خصوصاً إلى تصريحات مساعدة وزيرة الخارجية الأميركية كريستين سيلفربرغ لصحيفة «المستقبل» الأحد الماضي، التي حذّرت فيها من أن «سلاح حزب الله الإيراني ما زال مصدر خطر كبير على وجود لبنان وأمن اسرائيل»، وحضّت حكومة السنيورة على ضرورة أن تطلب رسمياً نشر قوات دولية على الحدود مع سوريا، «تماماً كما دفعت الحكومة اللبنانية إلى أن تطلب رسمياً إقرار المحكمة الدولية بموجب الفصل السابع، وذلك إمعاناً في تحويل العداء واللوم عن المحتلّ الإسرائيلي إلى سوريا».
من جهته، أوضح مندوب لبنان في الأمم المتحدة نواف سلام الموقف الرسمي من موضوع مزارع شبعا ووضعها تحت إشراف الأمم المتحدة، فقال إنه ينسجم مع الموقف العربي «وسوريا تبنت النقاط السبع». ونفى علمه باتفاق على الترسيم بعد الانسحاب من الجولان قائلاً لـ«الأخبار»: «لا علم لي باتفاق على الترسيم بعد تحرير الجولان». لكنه أكد وجود تفاهم بين المعلم والسنيورة في السادس من آب 2006 بدعم النقاط السبع. وأضاف متسائلاً: «ما هو الرابط بين تحرير مجدل شمس وترسيم حدود مزارع شبعا؟». وأكد سلام أن الاتفاق على تحديد مزارع شبعا كان موضع إجماع في الحوار الوطني اللبناني، وأن وضع المزارع تحت إشراف أو ولاية الأمم المتحدة جرى الاتفاق عليه بين لبنان وسوريا.

تأخر البيان الرئاسي

الى ذلك، لم يتوصل مجلس الأمن الدولي الى صيغة بيان رئاسي بشأن تطبيق القرار 1701. وقال رئيس مجلس الأمن المندوب الصيني غوانغيا وانغ إن فريقاً من الخبراء سيدرس صيغة البيان في إجتماع يعقد مساء. كما أكد مندوب قطر ناصر عبدالعزيز الناصر إنه لم يطلع حتى الآن على أي مسودة بيان، مستغربا التكتم الشديد عليه. وعلم أن فرنسا هي الجهة الرئيسة المنوطة بإعداد البيان الذي تأخر منذ الأسبوع الماضي، وأن التأخر ناجم عن اللهجة المستخدمة في البيان والتي من المتوقع أن تلقى معارضة من مجموعة من الدول المتحفظة.