نهر البارد ـ نزيه الصديق البدّاوي ـ عبد الكافي الصمد

أطفال البارد يرسمون أحلامهم: هؤلاء «فتح الإرهاب» لا «فتح الإسلام»

استشهد جنديان لبنانيان بقذيفة مورتر في مخيم نهر البارد امس وفق ما اعلنت وكالة رويترز. وافاد مصدر امني ان جندياً ثالثاً ما زال تحت أنقاض مبنى مدمر في المخيم جراء تفجير شرك خداعي.
ونفت مصادر عسكرية ما أوردته «الأخبار»، أمس، عن هجوم مضاد شنته «فتح الإسلام»، وأكدت أن أي عملية تنزيل أعلام عن المباني لم تحصل، وأن جميع المواقع التي سيطر عليها الجيش لم يعد إليها عناصر «فتح الإسلام».
وصباح أمس شاب الهدوء الحذر مختلف جبهات مخيم نهر البارد ومحاوره، بعد ليلة عنيفة من القصف شهدها المحور الشمالي أول من امس، وأدّت إلى انكفاء مسلحي تنظيم فتح الاسلام الى داخل مواقعهم في المربع الذي يتحصنون فيه عند الجهة الجنوبية الغربية من المخيم، بعدما نفّذوا عمليات تسلل باتجاه الجيش الذي رد على تحرك المسلحين بعنف، وأوقع فيهم اصابات لم يعرف عددها. وقصف الجيش مواقع المسلحين في حي سعسع تحديداً، حيث يرجح تحصنهم في ثلاثة ملاجئ من مجمل 14 ملجأ في المخيم، أغلبها ما يزال في ايدي المسلحين، فيما أحكم الجيش سيطرته بالنار على الواجهة البحرية والشارع الرئيسي داخل المخيم. وأظهرت التطورات أن الجيش يحقق تقدماً بطيئاً على مختلف المحاور، حيث أقام الدشم وعزز مواقعه بعد استقدامه تعزيزات اضافية إلى المكان.
كذلك قصف الجيش على فترات بمدفعيته البعيدة المدى مواقع المسلحين الأخرى في أحياء سعسع والشيخ علي وأبو الحجل، والطرف الشمالي من حي صفوري، وبستان زعتر، ومحيط مركز ناجي العلي الطبي ومستوصف الشفاء، حيث دارت في اليومين الماضيين اعنف المعارك، تمكنت خلالها وحدات الجيش من مداهمة احد الملاجئ بعد مواجهات في المنطقة انتهت بدخول قوى من الجيش إليه، وقُتل عدد من المسلحين، فيما عثر على اسلحة وأجهزة إلكترونية وصواعق ومواد تفجيرية، واكتُشفت منافذ عبر شبكة الصرف الصحي يستخدمها المسلحون للمرور من مكان الى آخر، وقد عمل الجيش على إغلاق العديد من «الريغارات» لهذه الشبكة. كذلك عُلم أن جرافات الجيش شقت طريقاً في حي أبو حجل، تمكنت خلالها الدبابات من الدخول اليه، وهو ما ساعد كثيراً على قصف بعض الجيوب الباقية.
وفُسّر تراجع حدة الاشتباكات بأن عناصر الجيش والمسلحين قد أصبحوا على تماس مباشر، حيث دارت معارك واشتباكات مع المسلحين وجهاً لوجه في بعض الأحياء، الأمر الذي سبب تراجع عمليات القصف المدفعي بنسب ملحوظة.
وفي ما يتعلق بعوائل المسلحين الذين ما يزالون يرفضون الخروج من المخيم، حسب الاتصالات التي يجريها وسطاء من رابطة علماء فلسطين، فقد حمّل مصدر عسكري المسلحين «مسؤولية بقاء من بقي من المدنيين»، محذراً من أن الجيش «لن يقف مكتوف اليدين، وأنه سيستكمل مهمته حتى نهايتها».
وسُجّل بعد ظهر امس سقوط صاروخ انطلق من داخل المخيم، في باحة معمل دير عمار لإنتاج الطاقة الكهربائية، من غير أن يتسبب بإصابات في صفوف الموظفين، أو تضرّر المعدات والتجهيزات داخل المعمل.
وبعد عصر امس، دارت معارك عنيفة على مختلف المحاور، ودك الجيش بعنف شديد مواقع المسلحين في عمق المخيم، وسجل سقوط اكثر من 15 قذيفة في الدقيقة على مواقع المسلحين.
تحوّلت القاعة الأرضية من مبنى اللجنة الشعبية في مخيّم البدّاوي، إلى متنفس وحيد للأطفال النازحين من مخيّم نهر البارد وأطفال مخيّم البدّاوي على السواء؛ إذ عكف ناشطون ومتطوعون بالتعاون مع منظمة اليونيسيف، منذ اليوم الأول لنزوح أهالي مخيّم نهر البارد، على إقامة نشاطات اجتماعية وترفيهية للأطفال، توّجت بتنظيم معرض فني أطلق عليه اسم «معرض الرجوع إلى نهر البارد».
مخيم البداوي
وفي مخيم البداوي، تنفذ العديد من الجمعيات الأهلية أنشطة موجّهة للأطفال النّازحين من مخيّم نهر البارد، وأمثالهم من مخيّم البداوي، بهدف الترويح والتنفيس عنهم، ودمجهم معاً، بعدما حصل نوع من التنافر والتباعد بينهم في البداية.
ولا تخفي المشرفة على النشاطات منى رمضان رضاها عما تقوم به، ضمن الإمكانات المتاحة، فالنشاطات التي انطلقت بمشاركة 150 طفلاً، وصلت اليوم إلى مشاركة ما يناهز الـ500، خصوصاً أنّ المدارس والمؤسسات في مخيّم البدّاوي اضطرت إلى إيواء العائلات النازحة، «الأمر الذي دفعنا إلى تحويل هذه القاعة إلى متنفس للأطفال، لانتشالهم من الشوارع، حيث بدأت الأمراض بالانتشار، عدا الارتفاع الشديد في درجات الحرارة».
وتشير رمضان إلى أنّ القاعة تفتح أبوابها من الثامنة صباحاً حتى السادسة مساء، و«يتضمن برنامج نشاطنا اليومي ترحيباً بالأطفال الزائرين، وفترة رياضية صباحية، والعمل على قيام تفاعل واتصال بينهم عبر عدّة ألعاب مثل كتابة أسماء بعضهم، يلي ذلك قراءة قصّة هادفة وطرح أسئلة ونقاش حولها، قبل أن يحصل الجميع على استراحة بسيطة، تتضمن إعطاء وجبة صغيرة للأطفال تحتوي علبة عصير وقطعة من الشوكولا. أمّا بعد الاستراحة فيبدأ الجميع بأعمال الرسم والتلوين وتكوين الأشكال الفنّية المختلفة، التي يستخدمون في صنعها ما يتوافر في أيديهم من علب الشوكولا والعصير الفارغة، قبل أن يُختتم النّشاط بعرض مسرحي أو مشاهدة فيلم فيديو هادف».
وتوضح رمضان أنّ رسوم الأطفال وأعمالهم الفنّية «ركّزت على الحرب الأخيرة في مخيّم نهر البارد، وعلى ما شاهدوه في الأيّام الأولى منها، وأثناء نزوحهم»، مشيرة إلى أنّ أعمال الرسم كانت تنفيساً للأطفال عما في داخلهم من مخاوف وقلق وطموح، وأنّ «هذه الرسوم تغيرت بعد فترة، وأصبحت تركز على ما يجول في خاطرهم أو يحلمون به»، لافتة إلى أنّ الأطفال «باتوا واعين لكل ما يحيط بهم، خصوصاً في الجانب السياسي، فلقد كبر هؤلاء قبل أوانهم بكثير!».
هذه النّظرة توافق عليها تانيا نابلسي، الطالبة في السنة الثالثة في معهد الفنون الجميلة في الجامعة اللبنانية، والمتطوعة التي تداوم في القاعة يومياً من الساعة التاسعة حتى الخامسة مساء تقريباً، حيث «أشرف على أعمال الرسم التي ينفّذها الأطفال، وأساعدهم فيها، وقد لاحظت أنّ عندهم أفكاراً ومخيلات كثيرة، وهم يعرفون تماماً ما يريدون، إلا أنّ التعبير عمّا يجول في خاطرهم يكون عادة غير منضبط»، موضحة أنّهم «يتحدثون في السياسة، ويتناولون مواضيع ومشاكل تتجاوز أعمارهم، أمّا رسومهم فهي وإن ركزت على أجواء الحرب، مثل البندقية والمدفع والدبّابة، فقد تمحورت حول بيوتهم الجديدة التي يحلمون بها في المخيّم، والتي تضمنت جميعها وجود مسبح ماء فيها».
بدوره، محمد اسماعيل (11 عاماً)، لا يتوانى عند سؤاله عمّن يحمّله مسؤولية ما حدث عن القول: «كلهم، الفلسطينيون واللبنانيون». وعن موقفه من «فتح الإسلام» يقول: «هؤلاء فتح الإرهاب لا فتح الإسلام!».