strong>حلا ماضي
  • الصغار أسرى الخوف من الأوضاع الأمنية... ويسألون عن متنفّس للهو

  • بكّر العام الدراسي بالانتهاء هذه السنة، وأقفلت معظم المدارس اللبنانية أبوابها في أوائل الشهر الماضي، بسبب الأوضاع الأمنية المتردية، وفيما كانت فرحة التلاميذ كبيرة لأنهم سيتمتعون بعطلة طويلة، خابت آمالهم بعدما ضاقت بهم سبل اللهو، واضطر معظمهم إلى ملازمة البيوت. مراكز الترفيه التي تعرف بـ Colonies خسرت عدداً كبيراً من روادها فاضطر مديروها إلى اختراع حلول جديدة لجذب الصغار

    كريم وهبي وريم صالح جاران في الخامسة من العمر ملّا في الفترة الأخيرة رؤية بعضهما، فهما يعيشان في شقتين متجاورتين، ومُنعا من مغادرة المبنى، وفيما كانت والدتاهما تعدانهما بعطلة جميلة، ها هي حالهما في الصيف كما في الشتاء حيث الخروج بات ممنوعاً، والصغيران لا يكترثان للأوضاع الأمنية السيئة والتفجيرات المتنقلة بين منطقة وأخرى التي باتت تهدد المواطنين حيثما كانوا والتي لم تستثنِ بعبثيتها مداخل بعض المدارس والجامعات.
    الطفلان لم يعودا يكترثان لتبريرات الأهل، وهما لا يفهمانها أصلاً، وبدآ يبديان تذمّرهما ــــــ على طريقتهما ــــــ من ملازمة المنزل، ما الحل؟ اضطرت الوالدتان إلى الاستسلام لرغبة الصغيرين فسجّلتهما في مركز ترفيه على رغم المخاوف الكثيرة.
    كانت الـColonies de Vacances حلاً يلجأ إليه معظم الأهالي، ولكنها هذا العام كانت بالنسبة إلى معظمهم مشروعاً يترددون في اعتماده أو الإقدام عليه، وذلك بالطبع خوفاً على سلامة أبنائهم. بعد مرور أسابيع وتزايد شكاوى الأولاد حسم بعض الأهالي ترددهم، وأيقنوا أنهم لن يجدوا «مهرباً»، فعمدوا إلى إرسال أولادهم الى مراكز الترفيه الصيفي مشترطين على المسؤولين عنها إبقاء الأولاد داخل مقار هذه المراكز وعدم نقلهم إلى مراكز أخرى، ورفضوا البرامج التي تتضمن تنظيم رحلات برية أو بحرية.
    في جولة في مراكز الترفيه الدائمة (أي التي تفتح أبوابها صيفاً وشتاءً)، يمكن الملاحظة أن الوضع الأمني المتردّي دفع بالمسؤولين عن بعضها إلى اتخاذ قرار بإقفالها، ففي منطقة الحازمية مثلاً أقفلت الـ«رانبو» ومراكز أخرى وتبيّن أنها نُقلت أو أُنشئت فروع لها في الدول الخليجية، وقد كانت هذه مقصداً للمغتربين واللبنانيين المقيمين في مختلف المناطق، يأتونها مع أولادهم لأنها تضم وسائل ترفيه متنوعةوثمة مراكز ترفيه دائمة أو فصلية لا تزال تفتح أبوابها على رغم انخفاض عدد الرواد. المسؤولون عنها يأملون أن يعود الهدوء الى «الصيف اللبناني»، وينتهجون مبدأً يقضي بأن يتحمّلوا هذا العام بعض الخسائر المالية، وذلك تفادياً للوقوع في خسائر إذا ما تراجعوا عن تنظيم النشاطات الترفيهية، ومن بين هذه المراكز «Mini Camp» للترفيه الصيفي الذي انطلق قبل ستة أعوام فقط، ولكن ما الذي تغير في برنامج هذه الـ«Colonie» عن السنوات السابقة؟
    محمد المغربي المسؤول عن «ميني ـــــ كامب» كرر أن الظروف التي مرّ بها البلد خلال الشهور الماضية جعلت بعض الأهالي يترددون بإرسال أولادهم لتمضية العطلة الصيفية، وفضّل قسم كبير ــــــ من الميسورين ــــــ السفر خارج لبنان حتى عودة العام الدراسي، واختار آخرون إحضار أدوات التسلية الى داخل المنازل متحمّلين «تلك الفوضى» التي يحدثها الأولاد من جهة وتغيّر ترتيب المنزل من جهة أخرى!

    أسوار المركز

    مغربي الذي يمتهن التدريس يعشق الأولاد ويدرك الأبعاد السيكولوجية للعلاقة التي يقيمها معهم، لذلك لم يفكر مطلقاً في إضاعة «أولاده»، وقرر ألا يُخرج الأطفال خارج حرم فندق «الكورال بيتش» حيث مركزه وإقامة كل النشاطات هناك، إضافة الى أنه أجرى تنزيلات مهمة على «الأسعار» أي على الأقساط المطلوبة من الراغبين في إشراك أولادهم في مركزه، فبعدما كان قسط الـ«Colonie» لأربعة أسابيع يبلغ نحو ثلاثمئة وخمسة دولارات، أصبح مئتي وخمسة دولارات، وقد يتبع ذلك أيضاً تنزيلات لاحقة «وكله حسب الأوضاع»! ويعتمد برنامج «ميني ـــــ كامب» على نظام الرياضة بشكل أساسي وتعليم الأطفال السباحة، إضافة الى تعليمهم كيفية القيام بالأعمال اليدوية وإعداد بعض أنواع الحلوياتويشير مغربي الى ضرورة توافر عدة شروط ذاتية لدى المنظمين والمشرفين على «مراكز العطل الصيفية». من المهم بالطبع أن يمتلك العاملون في المراكز مهارات تقرّبهم من الأولاد وتجعلهم قادرين على إدارتها وعلى تنظيم نشاطات ترفيهية مفيدة من الناحية النفسية والتربوية والصحية، وعلى مديري مراكز الترفيه أن يتشددوا عند اختيار المنسقين والمرفّهين لأن المراكز لا تخضع لأي إشراف رسمي، فتنظمها عادة إدارات مدارس معينة أو أشخاص يحبون التعامل مع الصغار ويتخذونها مهنة لهم. ومن بين تلك الشروط المطلوب توافرها لدى العامل في مركز الترفيه، القدرة على المراقبة الدقيقة، والتنظيم، والتنبه إلى نظافة الأطعمة التي تقدم للأطفال... وطبعاً «البال الطويل جداً»!، فالأطفال بعدما يغادرون المنزل الى المركز «يُعتبرون» أمانة في أيدي القيمين عليها، كما تؤكد كلود الشاوي إحدى المشرفات على «مخيمات العطل الصيفية» في مدرسة الراهبات الأنطونيات. لم تشأ إدارة المدرسة إلغاء المخيمات ولكنها حرصت على إبقاء الأولاد داخل حرم المدرسة توخياً للحذر، وبعد مدة قصيرة تغير قرار الإدارة وراحت تنظم رحلات محدودة يقصد خلالها الأولاد والمسؤولون عنهم مناطق معينة تسمح لهم باللهو. ولم تتخذ الإدارة قرارها الأخير إلاّ بعدما لمست تشجيعاً من الأهالي. وتقول الشاوي إنه على رغم أن تاريخ تقديم طلبات التسجيل في المخيم قد انتهى قبل مدة إلاّ أن الإدارة ما زالت تقبل بتوافد أعداد جديدة من الأطفال «وهذا يعود بالطبع لهدوء الوضع الأمني في الفترة الأخيرة».

    استمرار الخوف

    التنزيلات والتسهيلات وقرار ملازمة مراكز الترفيه، كلها أمور لم تنجح في تغيير قرارات بعض الأهالي الذين لم يقتنعوا بأن الأوضاع الأمنية قد تستقر قريباً، وهم يؤكدون أن ما يجري في البلاد يشعرهم بقلق وتوتر دائمين «ولا يحتاجون إلى أسباب إضافية للخوف تشغل بالهم طوال ساعات»، لذلك طلبوا من أولادهم أن ينسوا أمر «المخيمات الصيفية» أو مراكز الترفيه. وقد وجدوا البديل، إذ توجّهوا برفقة أولادهم إلى مراكز للتسلية وبقوا معهم، كما هي الحال في مركز «يراميك لونج» حيث يرسم الأولاد على قطع من السيراميك ومن ثم يقومون بتلوينها بمشاركة ذويهم. في هذا المركز لا يفارق الأهل صغارهم، وعلى رغم ذلك تشير سمر البساط ــــــ المشرفة على بعض النشاطات ــــــ إلى أن الإقبال هذه السنة لم يكن كالعادة، أي منذ افتتاح المركز عام 2002، وذلك يعود بالطبع إلى الأوضاع الأمنية والى تصريحات السياسيين «الملونة والنارية»، وأشارت البساط الى أن المركز كان يقيم نشاطاته منذ الصباح حتى الواحدة ليلاً، أما حالياً فيُقفل المركز التاسعة ليلاً «خوفاً من حصول أية مفاجآت خاصة ونحن في وسط البلد». الصغار يحلمون بالعودة إلى مراكز الترفيه الصيفية، وبعض الأهل رضخوا لطلباتهم وآخرون ما زالوا يعاندون، وعلى رغم أن الاشتراك في المركز بات منذ سنوات موضة ووسيلة الترفيه الأكثر رواجاً، من المسوح طرح السؤال مجدداً عن مدى أهميتها.
    زينة كوزي متخصصة في تربية الأطفال تشير إلى أن أهمية المراكز لا تقتصر على ملء الفراغ بالنسبة إلى الأطفال والمراهقين، بل تساهم في تعزيز شخصية الطفل وتقويتها لناحية اندماجه في أجواء مختلفة عن تلك التي يعيشها في المدرسة ومع الأهل، وفي هذا السياق تفضّل كوزي أن يكون برنامج الترفيه في الـ«Colonie» مختلفاً نوعاً ما عن برنامج المدرسة، وذلك حتى لا يشعر الولد بالملل، فتدعو المنشطين إلى الابتعاد قليلاً عن القراءة والكتب، مفضلة أن يهتموا بتعليم الأولاد أشغالاً يدوية، وإعداد البسكويت، والرسم حتى يُطلق الطفل العنان لأفكاره، مشددة على ضرورة فصل الأولاد وتنظيمهم في مجموعات حسب أعمارهم، وتشير كوزي الى نقطة مهمة يكتسبها الأطفال من خلال مراكز الترفيه وهي تعوّد الروتين، مؤكدة بأن «الروتين» ضرورة مهمة جداً في حياتنا ولدى الأطفال، إذ يمنعهم من الاستغراق في «الكسل» ويدفعهم إلى النهوض باكراً أو القيام بالنشاطات.




    الترفيه تاريخ ومصطلحات

    تجدر الإشارة الى أن أولى «مراكز العطل الصيفية» في العالم، قد بدأت عام 1876 عندما رافق الراهب السويسري هرمان والتر ستين تلميذاً من إحدى المدارس في زويخ لتمضية أسبوعين في مناطق الريف مع الفلاحين، فكان الأولاد يفترشون أوراق الأشجار في الهواء الطلق، وقد راقتهم الفكرة وتكررت التجربة سنوياً، الى أن انتشرت الفكرة بين المدارس في كل أنحاء العالم.
    تنتشر في لبنان تسمية خاطئة للمراكز الترفيهية، ويُقال أنها «Colonies de Vacances»، وهي ترجمة خاطئة عن الفرنسية لأن الـ Colonie هي مخيم يمتد لفترة معينة وفق التقاليد السائدة في فرنسا، يُنفّذ خلاله برنامج مكثف من النشاطات الترفيهية والرياضية. وهذه المخيمات تُقام في مناطق بعيدة عن منازل الأولاد فينام فيها هؤلاء الأخيرون، ويعودون أحياناً حاملين شهادات في دورات رياضية كالتزلج أو ركوب الخيل، أو ينتقلون للعيش في مناطق المزارعين أو في الغابات.
    وتخضع مراكز الترفيه ومخيماته في الدول الأوروبية لرقابة صارمة من قبل السلطات المحلية في كل بلدة ومن قبل وزارات الشباب والتربية، ويخضع المنشطون والمولجون متابعة الأطفال لامتحانات قاسية، ويُختارون من خلال مسابقات تنظمها السلطات المختصة، ويُوظف الأشخاص الذين يحلّون في المراتب الأولى.
    وتجدر الإشارة إلى أن مراكز الترفيه في لبنان، تسمح لأبناء المدن من الطبقة الوسطى والأثرياء بإيجاد «ملهى» يومي يساعدهم على تطوير بعض المهارات، لكن هذه المراكز التي لا يستطيع الفقراء الاستفادة منها تفتقد بعض الجوانب السائدة في المراكز الأوروبية حيث يختلط أطفال من طبقات اجتماعية مختلفة، ويقومون بنشاطات تنمّي الحس الاجتماعي لديهم، والرغبة في العمل اليدوي، ويتعرفون إلى حقول مختلفة، كأن يتعلموا كيف يعيش المزارع في الجبال أو الأودية وفي المناطق الفقيرة، وكيف يعمل صاحب المزرعة، وكيفية التعامل أيضاً مع الحيوانات وغير ذلك من المهارات الحياتية البسيطة.