strong>ثائر غندور
تركض ريان بين الحشود بفستانها الصيفي الجميل. لا يخاف أهلها عليها، فهي تعرف كيف تعود إليهم. لم يتجاوز عمرها السنوات الثلاث. حالما تمدّ يدك للسلام عليها، تطبع قبلة على خدّك. كما أنها لا تمانع إن حملتها، لا بل تفضّل هذا الأمر. تسألها: «شو عم تعملي هون؟»، يأتي ردّها سريعاً: «عم أرقص».
تستمر ريان في رقصها على أنغام أغاني النصر. تُكثر من حركتها، رغم أن الجميع يحاول عدم الحراك بسبب درجة الحرارة المرتفعة. بالقرب منها يقف والدها. يبتسم لها، ثم يشيح نظره عنها لمراقبة الحضور.
الساعة تجاوزت الثامنة والنصف مساءً. تقف بين الناس منتظراً أن يحدث أمر من اثنين: أن يبدأ العرض، أو أن تلطّف نسمة هواء حدة الحرّ. الحديث مع أي شخص يحتاج إلى جهد. يحتاج إلى صراخ. فمكبّرات الصوت تهزّ مباني حارة حريك، بأغاني النصر. فجأة تنتبه إلى شيء يقوله مكبّر الصوت ذاك: «حرّرنا وكان النصر... حققنا حلم العمر».
تهدأ الساحة، ساحة «الشورى» أو «المربع الأمني».
المئات من جمهور المقاومة حضروا من بيروت، وبعضهم جاء من المناطق لمشاهدة «بانوراما النصر». الجمهور متنوّع، لا يمكن وضعه كلّه في خانة جمهور حزب الله. هناك أعداد كبيرة من الصبايا لا يرتدين الحجاب. أتين للتأكيد على النصر كما تقول واحدة منهن ترفض ذكر اسمها. هي تعترض على التأخير لأنها أتت من النبطية. يشرح لها أحد الشبّان أن هناك مشكلة ما يعملون على إصلاحها.
يسكت الجميع، للاستماع إلى زقزقة عصافير رقيقة. وإذا بالطائرات الحربية الإسرائيلية تخرق هذه الزقزقة بأصوات قنابلها المزعجة.
يخرج قائد المقاومة من الشاشات الكبيرة المعروضة ليتوجّه للجميع: «الآن في عُرض البحر البارجة العسكرية الاسرائيلية، انظروا إليها تحترق ومعها عشرات الجنود الإسرائيليين...». ترتفع الهواتف النقالة لتصوّر مشهد احتراق البارجة الذي يتكرّر أمام أعينهم كأنه حدث في هذا اليوم. ثم تبدأ مواجهات شرسة تنتقل من طابق إلى آخر في المباني الثلاثة التي يجري العرض عبرها. فالبانوراما التي تُعرض عند الثامنة والنصف من مساء كل يوم في حارة حريك، تعتمد على المشهدية التي تتداخل فيها المؤثرات الصوتية والضوئية لتجسيد أبرز محطات حرب تموز. يترافق هذا مع الرسائل التي وجّهها السيد حسن نصر الله خلال فترة الحرب. وهي تعرض مشاهد من عمليات القصف والتدمير والمجازر التي ارتكبها العدو الصهيوني في مختلف المناطق. كما تعرض المواجهات والملاحم البطولية التي خاضها المقاومون في مارون الرأس وعيتا الشعب وبنت جبيل ومجزرة دبابات الميركافا ومراحل القصف الصاروخي.
البانوراما موجّهة إلى الجمهور المحلي، لذلك لا بد من استعراض دموع رئيس الحكومة فؤاد السنيور، وإن كان بشكل سريع. كما أنه من الضروري إعادة التذكير بالموقف الأميركي المساند للحرب، ولذلك تأتي صور الرئيس الأميركي جورج بوش ووزيرة خارجية العدو تسيبي ليفني.
بعد هذه الصور، تعود صورة «السيّد». يتحدّث إلى جمهوره اللبناني والعربي ومتابعيه في اسرائيل، تحديداً إلى قيادة العدو، يقول للجميع إن المواجهات ستدخل مرحلة «ما بعد ما بعد حيفا». وتنهمر الصواريخ مترافقة مع صور الدمار في حيفا. ثم يعود السيّد نصر الله ليكرّر تهديداته للعدو: «إن قصفتم بيروت فسنقصف مدينة تل أبيب». يطرب الحاضرون لهذا الكلام.
ويأتي دور مروحية مريمين. في خضم صوت إطلاق الصواريخ وأغاني النصر، تتجه الإضاءة إلى مجسم مروحية على سطح إحدى البنايات. تُصاب هذه المروحية.
تنتهي الحرب ويعود اللاجئون إلى قراهم. تعود زقزقة العصافير كما كانت. ويخرج قائد المقاومة ليحيي «أشرف وأطهر الناس» في مهرجان النصر.
يُختتم العمل بعرض كليب «نصر العرب». يسأل أحد شباب حزب الله عن إحدى الممثلات المصريات التي تشارك في الكليب. يعجبه شكلها وتعابير وجهها. يسأله أحد الرجال عمّا إذا كان العرض قد انتهى، فيجيبه، بنعم، فيرد: «يعني فيي فلّ ما رح يروح شي عليّ».