نهر البارد ـ نزيه الصديق البدّاوي ـ عبد الكافي الصمد

نازحو البارد في المدارس: حلّ مؤقّت ينذر بضياع عام دراسي

ساد هدوء وحذر شديدان محاور جبهات مخيم نهر البارد، وخصوصاً على حدود المربع الأمني الذي يتحصن فيه مسلحو حركة فتح الإسلام داخل المخيم القديم، ولم يسجل أكثر من حصول بعض الاشتباكات والمناوشات الخفيفة على المحور الغربي قبالة الشاطىء، وسماع أصوات دوي القذائف والمتفجرات في عمق المخيم.
وأفادت المعلومات بأن الجيش أحرز تقدماً على عدة محاور، وبالتحديد داخل الشارع العام الذي يفصل المخيم القديم نصفين، حيث وصلت دباباته إلى مدخل السوق القديم، وتوغلت داخله في اتجاه سوقي الخضر والسمك، بعدما بسط سيطرته على عدد من الأبنية والمواقع في المنطقة، واتخذها نقاطاً ثابتة له داخل المخيم، ووجه نداء آخر للمدنيين وعائلات المسلحين دعاهم فيه للخروج من المخيم، لكن من غير أن يلقى تجاوباً حتى الآن.
إضافة إلى ذلك، غطت سحب الدخان السوداء والرمادية سماء المخيم، وتحديداً فوق التعاونية وعند المحور الغربي، وسمع بين الحين والآخر أصوات تفجير الألغام والقنابل اليدوية وعمليات القنص المتبادلة داخل المخيم.
افاد متحدث عسكري ان الجيش اللبناني حقق أمس تقدما جديدا داخل مخيم نهر البارد وقال المتحدث العسكري لوكالة فرانس برس "نتقدم ونسيطر كل يوم على مبان جديدة بعد ان نستكمل تنظيفها من الالغام والمفخخات".واضاف ان "المسلحين باتوا يسيطرون على 15 الف متر مربع فقط" مقابل 22 الف متر مربع الجمعة الماضي و45 الف متر مربع قبل اسبوع.
وفي الوقت الذي نعى فيه الجيش اللبناني جندياً له في اشتباكات أمس، هو الرقيب الأول علي ناظم حمية، من مواليد بلدة طاريا ـــــ بعلبك، أشارت مصادر عسكرية إلى معلومات لديها عن «وجود متفجرات في أيدي المسلحين، منها c4 الأبيض والأحمر الشديدا الانفجار، وقد يقررون استعمالها إذا قرروا الانتحار الجماعي إذا ما دخلت عناصر الجيش إلى المخابئ التي يتحصنون فيها».
وتأتّى كلّ ذلك من التطوّرات الأمنية الهامة والمتلاحقة التي شهدها المخيّم منذ منتصف الأسبوع الماضي، والتي لم تجد أيّ تفسير لها، أو شرح ملابسات أحداثها، وخصوصاً بعد انقطاع أيّ اتصال مع الداخل منذ خروج آخر دفعات من المدنيين وعناصر الفصائل الفلسطينية المختلفة منه قبل نحو أسبوعين، الذين كانوا مصدراً هاماً ومتنوعاً للمعلومات، فضلاً عن عدم دخول أيّ من سيّارات الإسعاف أو الصليب الأحمر أو وفد «رابطة علماء فلسطين» إلى المخيّم منذ ما يزيد على أسبوع، ما جعل ما يعلنه الجيش مصدراً وحيداً للمعلومات.
وأوضح مسؤول فلسطيني مطلع لـ«الأخبار» أنّ "الملاجئ التي يتحصّن فيها المسلحون داخل المخيّم، والتي يعود بناء بعضها إلى أوائل السبعينيات، تبلغ سماكة جدرانها بين متر ونصف متر، أو مترين، وأنّ اختراقها وتدميرها يحتاج إلى قصفها بالطيران، أو بقنابل أشدّ فتكاً وقوة، ولعلّ هذا ما يُفسّر بقاءهم فيها طوال هذه الفترة، إضافة إلى أنّ انهيار أسقف الأبنية وجدرانها فوق هذه الملاجئ، حوّلها إلى متاريس إضافية لهم».
وفيما أبدى المسؤول الفلسطيني قلقه من احتمال «إطالة أمد المعركة، ما قد يحوّلها إلى معركة استنزاف للجيش»، فإنّه أعرب عن اقتناعه بأنّ «غياب الفصائل الفلسطينية عن القيام بدورها منذ البداية لاجتثاث هذه الظاهرة، أدى إلى الوصول إلى ما نحن عليه الآن، وأنّه لا بدّ من أجل وضع حدّ لهذا الأمر من قيام هذه الفصائل بدور عسكري ما، بالتنسيق مع الجيش اللبناني، قبل فوات الأوان».
وعلى صعيد المشاكل المتعلقة بالنازحين، لم يخفِ قائمون على شؤون التربية في دائرة وزارة التربية في الشمال، ومسؤولين في وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين في لبنان «الأونروا»، تخوّفهم الشديد من أن يقترب موعد افتتاح العام الدراسي المقبل مطلع شهر تشرين الأول، من غير أن يكون قد تمّ التوصّل إلى إيجاد حلّ لأزمة نازحي مخيّم نهر البارد، الذين يقيم نحو ألف عائلة نازحة منهم، من أصل قرابة ستة آلاف عائلة تقريباً، في 16 مدرسة متوزّعة بين مخيّّم البدّاوي تحديداً، وباقي المخيمات الفلسطينية في لبنان بنسب أقل، ومدينتي طرابلس والبدّاوي.
ولم يجد العديد من نازحي مخيّم نهر البارد سوى في المدارس السبعة العائدة للأونروا في مخيّم البدّاوي مأوى لهم، بعدما اضطرت إداراتها إلى فتحها أمام قوافل عائلات النازحين، الذين اضطروا في الأيام الأولى من النزوح إلى المبيت في الشوارع والمساجد والسيارات، وعلى الأسطح!
وبعدما ضاقت مدارس المخيّم وبيوته بالنّازحين الذين فاق عددهم عدد سكان المخيّم نحو ضعفين، كان لا بدّ من الاستعانة بمدارس الجوار، وتحديداً في مدينة البدّاوي، بعدما تعذّر استخدام معرض رشيد كرامي الدولي في طرابلس لهذا الغرض، كما كان مقترحاً، لأسباب لوجستية، فتوافقت الأونروا ووزارة التربية اللبنانية، بالتنسيق مع المنطقة التربوية في الشمال وبلديتي طرابلس والبدّاوي، في العمل على فتح سبع مدارس رسمية في البدّاوي ووادي النحلة، إضافة إلى مدرستين رسميتين في منطقة باب التبّانة بطرابلس.
إلا أنّ إطالة أمد المعركة في مخيّم نهر البارد، والدّمار الكبير الذي لحق به جرّاء ذلك، جعلت هواجس المعنيين لدى الأونروا ووزارة التربية تتزايد يوماً بعد يوم، وهو ما لفت إليه أحد مسؤولي الشؤون التربوية في الوكالة الدولية لـ«الأخبار» من أنّ «عدم عودة النّازحين إلى بيوتهم قبل حلول العام الدراسي المقبل، وهو ما يبدو أنّه متعذر حتى الآن نظراً للحالة السيئة التي وصل إليها مخيّم نهر البارد من دمار، إضافة إلى عدم إيجاد منازل بديلة لأكثر من 600 عائلة تقيم في مدارس المخيّم، ستجعل إمكان البدء بالعام الدراسي غير ممكنة».
وأشار المسؤول التربوي في «الأونروا» إلى أنّ «احتمال تأخير أو حتى ضياع العام الدراسي المقبل بات احتمالاً وارداً لدينا، لأنّ النازحين المقيمين في المدارس لن يمكن رميهم في الشارع، وهم لن يقبلوا بذلك أيضاً إذا لم يتأمّن بديل لهم»، لافتاً إلى أنه «ندرس خيارات عدّة، من بينها إمكان التفاهم مع وزارة التربية اللبنانية على الاستعانة ببعض المدارس الرسمية اللبنانية في فترة بعض الظهر للطلاب الفلسطينيين، بعدما يكون الطلاب اللبنانيون قد أخذوا دروسهم في فترة قبل الظهر».
في موازاة ذلك لم يكتم مسؤولون في دائرة التربية في الشّمال، ومديرو بعض المدارس الرسمية في البدّاوي مخاوفهم الشديدة حيال «احتمال تأخّر عودة نازحي مخيّم نهر البارد إلى منازلهم، أو إيجاد حلّ مؤقّت لإقامتهم المؤقّتة في المدارس»؛ ولفت أحدهم لـ«الأخبار» إلى أنّ «عدم التوصّل إلى حلّ لمشكلة النّازحين سيعني أنّ إعادة فتح هذه المدارس أمام الطلاب ستكون متعذرة، ما سيدفع إلى بروز احتكاكات ومشاكل بين النّازحين وأهالي البدّاوي»، لافتاً إلى أن المنطقة «لم تخرج بعد من تداعيات المشاكل والصدامات التي نشبت بين أهالي البدّاوي والنّازحين، الذي خرجوا أكثر من مرّة في مسيرات وتظاهرات هدفت إلى ممارسة الضغوط من أجل تسريع عودتهم إلى بيوتهم، وقد أدّت هذه الصدامات وقتها إلى سقوط قتلى وجرحى، وترسيخ جوّ متوتر ومشحون ينذر بتفجّره في أيّ وقت، وعند أصغر مشكلة».
رئيس بلدية البدّاوي ماجد غمراوي أوضح لـ«الأخبار» أنّ اتحاد بلديات الفيحاء، الذي يضمّ بلديات طرابلس والميناء والبدّاوي، قد طلب موعداً عاجلاً مع رئيس الحكومة فؤاد السنيورة لبحث الموضوع معه».