strong> راجانا حميّة
يتّجه كتّاب قصص الأطفال في لبنان إلى الغوص أكثر في الأحلام والطموحات والرغبات الصغيرة، بأسلوبٍ يدفع «أبطال» رواياتهم وقرّاؤها إلى تعوّد ممارسة المطالعة بالطريقة التي يمارسها الكبار. هواجس هؤلاء الكتّاب في الوصول إلى أطفالهم يصطدم بمعوّقات تجعل إمكان تطبيق الهواجس صعبة إلى الحد الذي دفع الكثيرين إلى التوجّه إلى الأدب الرخيص الذي بات يجد له قرّاء في غياب منطق التوجيه. ولعلّ بروز مثل هذه المشاكل في بلدٍ يمتاز بأنّه «بلد الثقافة»، دفع عدداً من الجمعيات الأهلية، ومنها جمعيّة الهدى للرعاية الاجتماعية، بالتعاون مع مؤسّسة أنّا ليند الأورومتوسّطية للحوار بين الثقافات إلى البحث عن رؤية جديدة للنهوض بأدب الأطفال من كبوته، وإعادة الثقة للكتّاب بأقلامهم، ولا سيّما في ظلّ الغياب الشبه تام لهذا النوع من الأدب، باستثناء بعض الاتّجاهات التي تحاول الصمود. لكن ما تطمح إليه جمعيّة الهدى وأنّا ليند ليس إنتاج هذا النوع من الأدب، بل مساعدته على الانتشار والظهور بما يتلاءم مع الرؤية المفترض صدورها أواخر العام الجاري، استعداداً للبدء بالنشاطات التطبيقيّة في المدارس والمكتبات العامّة والمناطق بداية العام المقبل. الفكرة الأساسيّة من مشروع «أدب الأطفال في لبنان»، كما تلفت كاتبة قصص الأطفال الدكتورة نجلاء بشّور، تطوير أسلوب الأدب الموجّه إلى الأطفال، ولا سيّما تعزيز الكتابات والقصص الموجّهة إلى الفتيان. وتعرّف بشّور هذا الأدب بأنّه «مجمل ما كُتب للأطفال بأقلام أشخاصٍ راشدين يرصدون الرغبات والطموحات من حياة الأطفال»، مستندة إلى «قناعة تربويّة» بأنّ «الأطفال يتحمّسون للقصص التي يكتبها لهم الكبار، ولا يشعرون بالرغبة في قراءة كتاباتهم». وعن الآلية المتّبعة في تحقيق انتشار أدب الأطفال، تشير بشّور إلى «أنّ الجمعيّة، تسعى بالتعاون مع أنّا ليند إلى طرح خطّة وطنيّة تتلاءم مع القيم العربية، وخصوصاً اللبنانية».
وكانت الجمعيّة قد أقامت ورشة عمل تطرّقت فيها إلى البحث في نوعية أدب الأطفال وعلاقته بالتعليم، إضافة إلى النشر والتوزيع ومعايير الجودة، على أن يجري في أيلول المقبل معالجة الأدب في برامج إعداد المعلّمين والتعاون مع المؤسسات العامة والخاصّة والمؤسّسات المعنية بالمطالعة والأدب، لتدريب مجموعة من المهتمين على أسس تقويم كتب أدب الأطفال. كما تشير إلى أنّ برنامج العمل يتضمن معرضاً متجوّلاً في المناطق اللبنانية يضمّ حوالى مئة قصّة من عددٍ من الدول العربيّة، لاختيار أفضل خمسة أعمال. بالعودة إلى مستوى أدب الأطفال في لبنان، توضح بشّور أنّ هناك خطاً حديثاً في أدب الأطفال يحاول خرق الأنماط التقليدية، بدأ منذ التسعينات ويعتمد بشكلٍ أساسي على الطفل «البطل والقارئ»، الذي يروي معاناته وتجاربه الحياتية في كتابٍ موجّه له. وترصد بشّور أربعة عوامل تعاني النقص في أدب الأطفال اللبناني، استناداً إلى المضمون والهويّة الثقافية، وهي «المكان والرموز والخبرات اليوميّة والرسوم». وتلفت إلى أنّ أدب الأطفال في لبنان يتخفّى خلف مصطلحاتٍ عامّة، إذ إن القصص التي تروي حياة الأطفال في بيروت مثلاً أو لبنان أو بلدة لبنانية قليلة جدّاً، ما يؤثر في قوة الارتباط بين الطفل وبلده، إضافة إلى غياب الدلالات على البلد مثل المعالم الأثرية والتاريخيّة والأمثلة الشعبية. وبالنسبة إلى الرسوم، فالهوية لم توضّح بعد، وهي متشابهة في معظم القصص. وتشير بشّور إلى ضرورة الاهتمام بالقيم المتخصّصة، إذ إنّ معظم القصص تركز على قيم عامة مثل الصدق... لكن يجب بالنسبة إلى النموذج اللبناني طرح قيم جديدة، على سبيل المثال «تقبّل الآخر، وتقبّل اختلاف الطوائف».