فداء عيتاني
يشاهد كثير من اللبنانيين، بشيء من التشفّي، القصف المدفعي يدك مخيم نهر البارد مباشرة على التلفزيونات. فيما يتحدث قيادي فلسطيني من الصف الاول، من أبناء المخيم وممن فاوضوا «فتح الاسلام» كثيراً حين حطّت رحالها في نهر البارد، بحرقة، عن اهل المخيم الذين نُكبوا مجدداً، مشيراً الى أنه، من كل أسئلته لـ «فتح الاسلام»، لم يخلص الى نتائج مرضية على أسئلة من نوع «لماذا المخيم؟ ولماذا بين الفلسطينيين؟». الا أن السيف سبق العذل، فبدأت المعارك قبل التمكن من خوض نقاش سياسي حالت دونه أيضاً الخلافات الفلسطينية ــــــ الفلسطينية حول أمور كثيرة من بينها الموقف من هذه الحركة.
فصائل فلسطينية عدة كانت تقول، علناً، إن مقاتلي «فتح الاسلام» في حاجة الى اعادة تأهيل ايديولوجي. الا أن عناصر هذه الفصائل تبدو، اليوم، وكأنها تقاتل الى جانب التنظيم بعدما شمل الحصار كل المخيم ووصل الضرب الى كل اطرافه.
بيانات الجيش تؤكّد أن القصف دقيق وعلى مصادر النار، الا أنه، وبحسب القيادي الفلسطيني نفسه، فإن خطأ مدفعياً لمسافة 50 متراً هو اصابة بالنسبة الى الجيوش النظامية، فيما هو كارثة في المخيم المكتظ بالسكان. وهذا ما يؤكّده، عبر الهاتف، قيادي في «الجهاد الاسلامي» من داخل المخيم بالقول: «قصفت حارة البيرة ودمرت اجزاء كبيرة منها، وحي العصفوري شبه مدمر. الجثث تحت الانقاض ولم نتمكّن من التحرك منذ السادسة صباحاً لنعرف من مات ومن جرح، والناس هنا حتى امس، كانت ترفض الخروج من مخيمها».
القيادي الفلسطيني يتحدث عن تدمير نسيج المخيم مرتين، الاولى حين دخول «فتح الاسلام» اليه، والثانية مع بدء العمليات الحربية وعمليات التهجير ووضع اللاجئين، مضيفاً «ان النسيج الاجتماعي هو ما كان يمكن أن يواجه «فتح الاسلام» او اي طرف مشابه. الآن الناس خارج المخيم فمن سيواجههم؟».
القيادي في «الجهاد الاسلامي»، المحاصر داخل المخيم، باتت تطغى لغة «فتح الاسلام» على لهجته، بعد اقل من اسبوعين من بدء العمليات الحربية. يقول: «معنوياتنا عالية، ومعركتنا ليست مع الجيش اللبناني، فلماذا يُزجّ بالمدنيين في الحرب ويقصفون؟ منطقة الدامون قصفت بعنف، وهي منطقة مدنية لا وجود لفتح الاسلام فيها».
القيادي المحاصر في منزل شقيقته المدمر، وهو غير قادر على التفكير الهادئ، بينما قيادي الصف الاول يسأل عن سبب ايصال الامور الى نقطة اللاعودة، معتبراً أن الجيش «امام مأزق الآن، فهو غير قادر على التفاوض المباشر مع من ارتكب بحقه المجزرة، ولا يمكنه اعلان وقف للنار، كما لا يمكنه حسم الامور جملة واحدة! والحل، للحفاظ على كرامة الجيش، هو ضرب احدى القواعد الرئيسية لـ «فتح الاسلام» على اطراف مخيم البارد، ثم الوصول الى تسوية ما».
المعلومات التي تصل الى الاطراف الاسلامية في طرابلس تفيد بأن العمليات الحربية ليست اكثر من تحسين لمواقع الجيش، بعد ازعاج طويل من قناصة «فتح الاسلام». ومن ينقل الصورة يعرف جيداً المعطيات الميدانية، ويقول: «نعلم أن قوافل كبيرة من القوات العسكرية أتت من مناطق لبنانية متعددة لدعم الجيش في البارد، ونعلم تماماً أن هناك سلاحاً نوعياً وصل الى الجيش».
التأكيدات التي تصل الى القادة الاسلاميين في طرابلس قد تكون مجرد تطمينات ومحاولة لامتصاص اية ردة فعل تحرك الشارع السلفي والاسلامي في المدينة.
«جبهة العمل الاسلامي» لا تزال تنتظر تلبية طلبها العاجل بلقاء قائد الجيش العماد ميشال سليمان. لا تعرف اطراف الجبهة سبباً لامتناع القائد عن تحديد الموعد، لإطلاعه على مبادرتها التي تنطلق من: حل تنظيم «فتح الاسلام»، وسحب رموزه الى خارج البلاد، وفتح باب التفاوض على تسليم من ارتكب المجزرة بحق الجيش، وانتشار قوات فلسطينية اسلامية داخل المخيم لمنع حصول فراغ امني.
أحد قياديي الصف الاول في المنظمات الفلسطينية يتحدث عن ضرورة اعادة الامور الى ما كانت عليه، وتشجيع عودة المهجرين، ووقف النار، وهي الصيغة التي يمكن أن تواجه انتشار «فتح الاسلام» سلمياً، ومن جانب المواطنين الفلسطينيين، لافتاً الى أن ما يتعرض له الفلسطينيون من اضطهاد وحصار، يشجع التطرف، فيما محاولات الحسم العسكرية قد تفجر الوضع في مناطق اخرى سواء في المخيمات او خارجها، بخاصة أن ثمة من شجع التطرف السني على مواجهة المد الشيعي، وهذه هي النتيجة الطبيعية لتشجيع كهذا، سواء بـ «فتح الاسلام» او بما هو ابعد منها.