البدّاوي ـ عبد الكافي الصمد
«من خرج من بيته قلّ مقداره»، هكذا تشرح بإيجاز أم مصطفى، المرأة الستينية النازحة وعائلتها من مخيم نهر البارد إلى مخيم البدّاوي، معاناتها المستمرة منذ خروجها من مخيم نهر البارد ليل يوم الثلاثاء في 22 أيّار الماضي، عندما سمحت هدنة موقتة وغير معلنة، في خروج آلاف النازحين من المخيم الذي تدور فيه اشتباكات عنيفة بن الجيش اللبناني ومسلحي حركة «فتح الإسلام» منذ أكثر من أسبوعين.
تحاول أم مصطفى جاهدة كفكفة دموعها التي تذرفها بسخاء، في الوقت الذي تتحدث فيه بصوت متهدج عمّا أصابها وأفراد عائلتها من «تشتت وضياع وخسائر مادية كبيرة، سنحتاج إلى سنوات عديدة لتعويضها»؛ وهي في مقابل إبدائها ارتياحاً من أنّ أيّاً من أفراد عائلتها لم يصب بسوء، فإنّها تبدي حزنها وأساها للدّمار الذي لحق بالبيت الصغير الذي استأجره ابنها وجهّزه بأثاث بلغت كلفته 4 آلاف دولار، من أجل إعداد نفسه للزواج، و«لا أعرف إذا كان سيُكتب لي عمر إضافي حتى أفرح به بعد أن يبدأ بتجهيز بيته من جديد».
وإذا كانت أم مصطفى، التي وجدت مأوى عند أقارب لها في مخيم البدّاوي، بمثل هذه الحالة النفسية الصعبة، فإنّ النازحين المقيمين في المدارس يعيشون أوضاعاً معيشية واجتماعية في منتهى الصعوبة، وخصوصاً النساء منهن، نظراً لاختلاط عشرات العائلات في مبنى واحد، الأمر الذي يقيد حركة معظمهن، فضلاً عن مواجهتهن أزمات شخصية ونفسية إضافية، تتمثل في أنّ بعضهن لا يزلن يلبسن الثياب التي كانت عليهن منذ خروجهن من مخيم نهر البارد قبل نحو عشرة أيام، وهو ما دفع بعضهن إلى مطالبة لجان الإغاثة، كالأونروا وغيرها، بتأمين ملابس لهن، داخلية وخارجية، فـ«الحالة التي نعيشها غير مقبولة، فنحن بشر أولاً وأخيراً»، تقول إحداهن وهي تجادل بصوت عال موظفين من الأونروا.
ومعاناة المقيمين في المدارس لم تتوقف عند هذا الحدّ، إذ إن افتقارها إلى حمامات ملائمة للاغتسال، وخصوصاً للنساء اللواتي يعشن وضعاً اجتماعياً حسّاساً في بيئة محافظة، دفع إلى استحضار 40 حمام اغتسال جاهزة، وتوزيعها على المدارس السبع الموجودة في المخيم، والتي ينزل فيها 574 عائلة حسب ما أعلنت الأونروا، التي عملت بعد تنظيم أمورها الإدارية لمتابعة شؤون النازحين، على إعطاء توجيهاتها لهم خلال إقامتهم في المدارس، وخصوصاً لناحية الحفاظ على النظافة العامة.
في مقابل ذلك، انتبه العاملون في هيئة الإغاثة المحلية في مخيم البدّاوي، بعد مرور عدة أيّام على نزوح نحو 20 ألف شخص إليه من مخيم نهر البارد، أنّ عائلات عدة نزلت في بيوت عند الطرف الشمالي للمخيم منذ اليوم الأول للنزوح، وأنّها بقيت أياماً من غير أن تتلقى أي مساعدات، على الرغم من مراجعتها أكثر من طرف في هذا الشأن، الأمر الذي دفع بعضاً منها إلى تصعيد تحركه وتوسيع رقعة اتصالاته، قبل أن ينالوا قسطاً من المساعدات بعد ذلك.
غير أن المشهد الأكثر تعبيراً عن حجم الأزمة المعيشية للنازحين، وللمقيمين في مخيم البدّاوي الذين أصبحوا بلا عمل أو دخل بسبب الإجراءات الأمنية التي يفضّل معها كثيرون عدم المخاطرة في الخروج منه، تمثلت في دخول صبي لم يتجاوز العاشرة من عمره إلى أحد محال السمانة في المخيم، وهو يحمل بيديه ألفي ليرة لبنانية، طالباً من صاحب المحل أن يبيعه، حسب ما أوصته والدته، زيتاً بـ500 ليرة، وسمناً بـ500 ليرة أخرى، إضافة إلى ربطة خبز!