غسان سعود
أوساط سنّية معارضة تسأل: أين كان «صقور شبعا» إبّان احتلال الجنوب والبقاع الغربي؟

إثر قصف الإسرائيليين مرفأ طرابلس في عدوان تموز، خرجت مجموعة كبيرة من إسلاميي المدينة في اتجاه الشاطئ الشمالي حاملة ما توافر لديها من أسلحة، يُستعمل معظمها عادةً للصيد. وتجمّعت قبالة إحدى البوارج الإسرائيلية متوعدةً برد قاس على استهداف «مدينة المسلمين». المشهد نفسه تكرر، بعد أيام قليلة، في مخيم نهر البارد إثر استهداف الإسرائيليين ثكنة الجيش الواقعة شمالي المخيم.
وتزامنت هاتان الحادثتان، بحسب كلام يتردّد في الشمال، مع طلب مسؤول لبناني رفيع من الأميركيين التوسط مع الإسرائيليين لتحييد الشمال، حتى لا يُستفزّ الأصوليون السنة وتثار مشاعرهم فيندفعوا الى الخندق نفسه الى جانب «حزب الله» خلافاً للدور المنتظر منهم. ويرى أحد الباحثين في شؤون الحركات السلفية في الشمال أن هاتين الحادثتين «تعبّران عن رغبة سنيّة دفينة في كسر الاحتكار الشيعي للنصر على إسرائيل أو حتى مقاومتهاويعزو الباحث التفاعل السنّي الإيجابي مع الصمود الشيعي خلال العدوان الإسرائيلي على لبنان، في الدرجة الأولى، الى الرسالة التي وجّهها الرجل الثاني في تنظيم «القاعدة» أيمن الظواهري، إبّان العدوان، عبر قناة «الجزيرة» القطرية، مشيراً الى أن كثيراً من السلفيين في طرابلس تبنّوا دعوة الظواهري الى بناء «تحالف المستضعفين في الأرض»، وسوّقوها بين أنصارهم. لكنّ يد هؤلاء الممدودة، بحسب الباحث نفسه، «لم تجد، مرة أخرى، من المقاوم الشيعي إلا مزيداً من التقوقع على نفسه، وإغلاق أبواب مقاومته في وجه الآخرين».
انطلاقاً من ذلك، يحمّل أحد قادة التيار السلفي «حزب الله» مسؤولية «التقصير في استيعاب هؤلاء والتأسيس لحالة كان يمكن أن تعمّم في مختلف أنحاء العالم، معوقاً، تحت ستار الحجج الأمنية، وحدتي الدم والمشروع، الأمر الذي راكم إحباط السلفيين ودفعهم الى مزيد من التشدّد المذهبي. وكان حقد هؤلاء يتراكم على الشيعة من جهة، وعلى السوريين الذين قمعوا السنة وحلّوا تنظيماتهم المقاتلة وأسرفوا في دعم الشيعة من جهة أخرى».
يقول أحد مشايخ السلفية الجهادية في طرابلس إن «السلفية والجهادية الإسلامية التقتا في لبنان على قاعدة الرغبة في قتال اسرائيل، خلافاً لمناخ اللقاء في أفغانستان والعراق ومصر والأردن والسعودية وغيرها». لكن هذه الرغبة لم تجد من يتلقّفها، وشُغل معظم الزعماء السنّة في محاولة استغلال هذا الاندفاع ضمن مشاريع خاصة. فيما دعت الطوائف الأخرى إلى حصرها في أماكن ضيقة للقضاء عليها في اللحظة المناسبة. ويؤكد الشيخ أن «الأحداث الحالية ستكشف أن السلفية الجهادية تمدّدت من الأحياء الشعبية إلى مختلف مناطق الشمال، من دون أخذ الفوارق المادية في الاعتبار، وارتبط تغلغلها بشكل رئيسي في قدرتها على الإجابة عن سؤال حول هاجس الهويّة عند المسلمين السنّة».
وفيما كانت هذه المجموعات تبشّر الجمهور بأنها «الطريق الوحيد لاستعادة حقوق المسلمين وانتصار الأمة»، سحب «حزب الله» البساط من تحتها، وظهر خلال العدوان الإسرائيلي الأخير وقبله وبعده كمدافع عن حقوق الأمة الإسلامية وقضاياها، الأمر الذي زاد من إرباك السلفيين الذين يؤمنون بأن «أهل السنة أولى بشرف المواجهة مع إسرائيل من غيرهم»، الأمر الذي زاد من التشنّج في أوساطهم، ومن قدرة البعض على جعلهم أداة تفجير في الساحة الداخلية.
ويتبنّى بعض سياسيي «14 آذار» الرأي الذي يحمّل «حزب الله» مسؤولية تطوّر الحركة السلفية وانفجارها في الواقع اللبناني، متّهمين الحزب بعدم مراعاة هذه الحالة في ممارسته للمعارضة في وجه حكومة الرئيس فؤاد السنيورة، وفي تطويق السرايا الحكومية بمخيم الاعتصام الذي شلّ وسط بيروت المرتبطة وجدانياً بأهل السنة في لبنان».
إلّا أن أوساطاً سنيّة في المعارضة تستغرب إصرار البعض على توتير العلاقة بين «حزب الله» وهذه المجموعات، مشيرةً الى أن الحزب أشار دائماً الى أن السنّة مثّلوا قاعدة واسعة في بداية العمل المقاوم، لافتةً الى أنه خلال احتلال الإسرائيليين لصيدا كان دور «قوات الفجر» التابعة لـ«الجماعة الإسلامية» محورياً في المقاومة. ومع انكفاء الإسرائيليين إلى الشريط الحدودي، «كان طبيعياً أن ينعكس الثقل السكانيّ الشيعي في تلك المنطقة على لون المقاومة، وخصوصاً أن المقاومين كانوا من أبناء تلك القرى، وهذا الأمر يمثّل جزءاً من استراتيجية الحزب».
وتلفت هذه الأوساط الى أنه على رغم هذه الخصوصية، بادر الحزب إلى إنشاء «السرايا اللبنانية» لاستيعاب كل من يرغب في مقاومة إسرائيل والتصدي لاعتداءاتها. وبالفعل تألّفت مجموعات قتالية تضمّ شباباً من «حزب الله» و«الجماعة الإسلامية» وقوى يسارية متعددة، ونجح هؤلاء في تنفيذ عمليات عدة.
وتتساءل الأوساط نفسها: «لماذا لم تنفّذ المجموعات التي تدّعي اليوم إقصاءها عن مقاومة إسرائيل عمليات في قرى البقاع الغربي السنيّة التي كانت خاضعة للاحتلال أو على تماسّ معه، أو في مزارع شبعا ذات الغالبية السنية؟»، لافتةً إلى أن «صقور شبعا»، الذين «استعرضوا عضلاتهم المفتولة، لم يظهروا إلا في وسط بيروت» أثناء إحياء «قوى 14 آذار» الذكرى الثانية لاستشهاد الرئيس رفيق الحريري، «فيما لم يرفع «فهود الطريق الجديدة» أعلامهم إلا في الأحياء السنيّة المتاخمة للأحياء الشيعية». كما تتساءل عن «سبب رضوخ السلفيين الجهاديين لطلب الفريق الحاكم منهم الانتقال من مخيم عين الحلوة إلى مخيم نهر البارد، البعيد جداً عن الحدود مع فلسطين المحتلة».
أما الكلام عن استفزاز مشاعر السنّة عبر حصار السرايا والاعتصام في وسط بيروت، فتردّ الأوساط نفسها عليه بأن المعارضة «حرصت منذ بدء الاعتصام على عدم إثارة المشاعر، فأعطت منبر صلاة الجمعة لمؤسس «الجماعة الإسلامية» في لبنان الداعية فتحي يكن، وهي تضم في صفوفها أو قريباً منها زعماء سنة لهم تاريخهم الذي يعرفه الجميع كالرئيسين عمر كرامي وسليم الحص»، وبالتالي فإن هذه الاتهامات «مردودة على الفريق الحاكم الذي عمل على استثارة المشاعر الطائفية في وجه المعارضة، وحوّل السرايا منبراً للصلاة ومحجّة لسنة الأطراف الذين استُقدموا تحت شعار: يا غيرة الدين».
وتخلص هذه الأوساط الى أن مشكلة «علماء تيار المستقبل» الذين «يسوّقون لهذه النظريات تكمن في افتقادهم، فجأة، السلاح الذي كانوا ينوون قتال الشيعة به، وهم يسعون اليوم الى تبرئة أنفسهم بتحميل المقاومة مسؤولية حصد ما زرعوه، بحجج واهية لا تقنع أحداً».