البداوي ــ آمال خليل
بعد أقل من سنة، عاد علي بلحص من بلدة صديقين إلى مدرسة الأونروا التي صارت مركز استقبال نازحين. المشهد ذاته. أشخاص جالسون في الردهات والزوايا بانتظار الفرج القريب، وأطفال يحاولون اللعب بما تيسّر لهم من وسائل، وحبال غسيل تحجب السماء. للحظة، ظنّ أن الكابوس الذي عاشه لأكثر من 20 يوماً خلال عدوان تموز قد عاجله من جديد، لكنه أدرك أنه هنا في مخيم البداوي، في زيارة تضامنية مع أهالي مخيم نهر البارد الشركاء في تجربة تمرّس بها هو لثلاث مرات. لكنه هذه المرة لعب دور المتطوعين الذين كانوا يقدّمون المساعدات والحصص الغذائية عليهم، فاشترك في توزيعها مع اللجان المحلية في المدرسة. وجاءت هذه الزيارة لمراكز النزوح في مخيم البداوي، فاتحة الخطوات التي تنوي حملة «من إنسان إلى إنسان» القيام بها بواسطة متطوعين عاشوا الظروف ذاتها، ولا يزال بعضهم بسبب تدمير بيوتهم خلال عدوان تموز، وتلقّوا الدعم من الفلسطينيين الذين استقبلوهم في ديارهم في المخيمات. وتوضح مريم بلحص الهدف الإضافي للحملة بأنها «محاولة للالتفاف على سوء التفاهم الذي طرأ إثر الأحداث الأخيرة بين الفلسطينيين واللبنانيين والتعتيم الإعلامي حول الظروف السيئة التي يتعرض لها المدنيون في البارد». نية الحملة قابلها في الجانب الآخر الكثير من الأيادي المفتوحة التي عبّر عنها مصطفى من مجموعة «راجعين»، الذي دعا الشباب للتجول في أرجاء مخيم البداوي، ولاحقاً في نهر البارد، والمشاركة معهم في إعادة إعماره. لكن التمني الذي لازم الشباب المضيفين هو «أن ينقل زوّارهم حقيقة ما رأوه من معاناة الشعب الفلسطيني الذي ابتلي من دون ذنب بفتح الإسلام وما رتّبته عليهم من دمار وقتل وتهجير، مصرّين على أنهم منها براء وداعمون للجيش اللبناني في معركته، لكنهم يعتبون على القصف العشوائي الذي قتل الأبرياء ودمّر بيوتهم».
واللافت أن الزيارة التضامنية التي قام بها شباب جنوبيون إلى مخيم البداوي، تحوّلت إلى جلسة تبادل خبرات بين شباب مخيم نهر البارد والجنوبيين لوضع خطة مواجهة لمرحلة العودة وإعادة الإعمار. فنظراً للباع الطويل الذي يملكه الشباب، الذين تحدّروا من قرى منكوبة في قضاء صور، في التهجير والنزوح إلى المدارس وتأمين مقوّمات العودة وإعمار ما تهدّم، تحلّق شبّان نازحون من مخيم نهر البارد حولهم لسؤالهم عن تجربتهم في ما يعيشونه هم اليوم للمرة الأولى، مدركين جميعهم «بأنهم ضحايا لمؤامرات مختلفة» بحسب محمود الذي أكّد أن أهالي نهر البارد «سيحذون حذو زوّارهم الجنوبيين في العودة السريعة إلى الديار فور وقف إطلاق النار».