نادر فوز
تسارعت الأحداث، تباينت المواقف، انقسم اللبنانيون، فكثرت اللقاءات والنشاطات السياسية والمدنية الشبابية لتجاوز الأزمات المتلاحقة: كبرت الطموحات، طبعاً من دون تحقيق أي منها وخصوصاً مهمة الوصول إلى موقف موحّد. لكنّ مسار السياسات الشبابية سعى، عبر لقاء شبابي تشاوري عقده أمس إلى بلوغ تفاهم مشترك في شأن بعض القضايا الأساسية، لاتخاذ الموقف المناسب بشأنها، ووضع خطة للتحرك بعيداً من المفهوم السياسي التقليدي، علّ هذه الخطوة تكون أكثر جديّة من باقي خطوات التجمّعات الأهلية والمدنية.
حضر اللقاء عدد من ممثلي الأحزاب والجمعيات المدنية الشبابية اللبنانية والفلسطينية، فتباحثوا في أسباب وصفها «مسار»، «أساسية لما يجري في لبنان والعالم العربي»، وتمثّلت باستغلال الفقر والمذهبية واستثمارهما واللجوء إلى التطرف بسبب حكم الأنظمة الديكتاتورية للناسوناقش المشاركون طروحات «مسار» لحلّ المشاكل، التي تمثّلت بتحقيق العدالة الاجتماعية للبنانيين، إقرار الحقوق المدنية للشعب الفلسطيني في لبنان، بناء مجتمع مدني قائم على المواطنية إضافةً إلى نشر وتطبيق مفاهيم الديموقراطية وممارساتها.
أدار اللقاء الناشطان في «مسار» كمال شيّا ورانيا السبع أعين، فشرحا الهدف المتمثّل بوضع سياسة وطنية صديقة للشباب «تتوجه إليهم وتتيح لهم فرصة المشاركة في الحياة العامة كصانعين للقرار لا كمنفّذين فقط». وتحدث شيّا عن الاختلاف بين مفاهيم مركزية/ حصرية، شرعية/سيادة، عيش واحد/ تعايش مشترك، إضافةً إلى التعددية في لبنان التي تؤدّي إلى حرية في الفوضى.
انقسم اللقاء إلى ثلاثة تمارين، تمحور الأول حول كيف يرى المشاركون لبنان المثالي، فتخطّوا الواقع الحالي وغاصوا في أحلامهم: إلغاء الطائفية، إنشاء أحزاب قائمة على برامج، إلغاء السلاح والتخلّص من العنصرية، احترام المواطن وتحديد حقوقه وواجباته، عدم تخوّف اللبنانيين من مسألة توطين الفلسطينيين، إضافةً إلى حلم قومي يعتبر لبنان جزءاً من مجموعة بلاد عربية موحّدة. ولاقت بعض الأحلام نقاشاً بين الشباب، وأبرزها تقاطع مصالح الأطراف مع المصلحة العليا للوطن باعتبار أنّ «مجتمع من دون تناقضات مستحيل».
أما التمرين الثاني، فتضمّن المعوقات التي تحول دون تحقيق الأحلام، وتطرق المشاركون إلى النظام الليبرالي الرأسمالي الفردي المتّبع في الاقتصاد اللبناني، الحقوق المعطاة للطوائف، تدخل المؤسسات الدينية في حياة المواطنين، غياب السياسات التنموية، الخطوط الحمراء في المجتمع، قلّة التواصل بين الأطراف اللبنانية، غياب المحاسبة، إخفاق «التغييريين» أي حاملي لواء التغيير، غياب شرعية الدولة والمركزية والتضامن الاجتماعي. ومن الأفكار التي استوقفت المشاركين تحميل «إسرائيل» مسؤولية رجعية المجتمعات العربية وعدم اتهام الأنظمة العربية نهائياً، إضافةً إلى فردية المجتمع اللبناني إذ رأى عدد من الشبان أنّ الفرد اللبناني ليس فرداً بل جزء من مجموعة أوسع.
ومثّل التمرين الثالث جسر الانتقال (Bridging) من الوضع الحالي إلى الوضع المثالي للبنان، فطرح المشاركون اقتراحات عدّة، شدّد فيها المنظمون على إمكان تنفيذها. ومن بين الاقتراحات التي تقدّم بها الشباب إقامة زيارات ميدانية، مشتركة بين الشباب اللبناني والفلسطيني، للمخيّمات والمناطق اللبنانية غير المعروفة من جانب الشبان، حيث يكون لكل زيارة هدف محدّد ويجري التعرّف أيضاً إلى الواقع الحياتي في كل منطقة. كما طرح المشاركون تحويل العمل المطلبي من المؤسسات الإعلامية المكتوبة إلى المرئية والمسموعة، المُطالبة بتأدية دور هام على صعيد إعداد برامج تثقيفية للشباب وإدارة نقاشات بينهم وعدم الاكتفاء ببثّ البرامج الترفيهية. وطالب الشباب أيضاًَ بمراجعة المناهج التعليمية في الجامعة اللبنانية التي تخرّج الطلاب بحسب مناطقهم وطوائفهم، فضلاً عن العمل مع جمعيات أهلية على قانون انتخابي جديد يطرح النسبية والدائرة الواحدة، وتحضير عمل مسرحي يكون من أهدافه عرض كل المواضيع والمشاكل الشبابية.